عمر غازيكُتاب الترند العربي

التوقعات تقتل الزواج

عمر غازي

في جلسة عائلية، اشتكى أحد الرجال من أن زوجته تُطالبه باستمرار بالتعبير عن مشاعره وتذكر التواريخ المهمة، بينما هو يرى أن اهتمامه بها يظهر في أفعاله وليس في الكلمات، بالمقابل، كانت الزوجة تشعر بالإحباط لأنها ترى أن عدم مبادرته بالكلام أو التفاصيل العاطفية دليل على فتور مشاعره، هذه ليست مجرد مشكلة فردية، بل نموذج يعكس فجوة عميقة في فهم الزواج بين الرجل والمرأة، حيث ينظر كل منهما للعلاقة من زاويته الخاصة، مما يجعل التوقعات تصطدم بالواقع، فيخلق ذلك صراعًا غير معلن، لكنه يتسلل إلى أدق تفاصيل الحياة الزوجية.

الرجال عمومًا يرون الزواج كشراكة قائمة على المسؤوليات المتبادلة، فهو يرى نفسه مكلَّفًا بتوفير الأمان والاستقرار، بينما تعتقد المرأة أن الزواج مساحة للتواصل العاطفي المستمر، وهذه الفجوة ليست وليدة العصر، بل متجذرة في التكوين النفسي والفكري لكلا الجنسين، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2021 أن 78% من الرجال يعتبرون نجاح الزواج مرتبطًا بقدرتهم على تحمل الأعباء المالية والمسؤوليات الأسرية، بينما 85% من النساء يرين أن نجاح العلاقة يعتمد بشكل أساسي على التواصل العاطفي والاهتمام بالتفاصيل اليومية.

هذا التباين في التوقعات قد يكون غير ظاهر في البداية، لكنه يظهر بوضوح بعد الزواج، حيث يشعر الرجل بالضغط بسبب توقعات لا يفهم ضرورتها، بينما تشعر المرأة بالإهمال لأنها لا ترى ما تحتاجه من اهتمام، وهذه الفجوة إن لم تُدار بحكمة تتحول إلى حواجز يصعب تجاوزها، مما يؤدي إلى تآكل العلاقة تدريجيًا، ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2022، تبين أن 65% من حالات الطلاق في السنوات الخمس الأولى تحدث بسبب “الاختلاف في التوقعات بين الزوجين”، وليس بسبب المشكلات المادية كما كان يُعتقد سابقًا.

المعضلة أن كلًا من الرجل والمرأة يتوقع أن يفهم الطرف الآخر احتياجاته دون أن يشرحها، فالرجل يرى أن اهتمامه يظهر في أفعاله، لكن المرأة تحتاج إلى تعبير مباشر بالكلمات، بينما الرجل قد لا يدرك أن التفاصيل الصغيرة التي تراها زوجته جوهرية هي في الواقع مؤشر عاطفي لا يقل أهمية عن الأمور العملية، وهذا التضارب يفسر لماذا يشعر الرجال بالإرهاق العاطفي في العلاقات، بينما تشعر النساء بالإحباط العاطفي، وكلاهما محق من وجهة نظره، لكنه غافل عن أن العلاقة الزوجية ليست اختبارًا لمدى صحة وجهة نظره بقدر ما هي عملية مستمرة لفهم الطرف الآخر بعمق.

لكن هل يمكن ردم هذه الفجوة؟ الإجابة ليست في تغيير أحد الطرفين ليتناسب مع الآخر، بل في خلق مساحة من الفهم المتبادل، فالتوقعات إن لم تُوضح بوضوح تبقى مجرد مصادر دائمة للإحباط، والمشكلة ليست في أن الرجل لا يهتم، بل في أنه يهتم بطريقة تختلف عما تتوقعه المرأة، والمشكلة ليست أن المرأة تطلب أكثر، بل في أن الرجل لا يرى أهمية ما تطلبه إلا بعد أن تتراكم الخلافات، فهل نحن بحاجة إلى تغيير جذري في مفهوم العلاقة الزوجية أم أن الحل يكمن في إعادة تعريف التوقعات حتى لا تصبح هي الفجوة التي تهدد الاستقرار؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى