دبي.. المدينة المعجزة
عمر غازي
على أطراف الخليج العربي، تشمخ دبي كأيقونة حضارية تُجسد ما يمكن تحقيقه عندما تتحول الرؤية إلى واقع، من صحراء قاحلة إلى مركز عالمي للمال والتجارة والثقافة، دبي ليست مجرد مدينة عربية، بل نموذج عالمي لما يمكن أن يحققه الإنسان إذا اعتمد على العقول بدلًا من الموارد وحدها، في وقت تملك فيه دول مثل فنزويلا وإيران ثروات هائلة من النفط لكنها تواجه الفقر والأزمات، تبقى دبي قصة ملهمة عن كيف تصنع الثروة الحقيقية من الفكر والإبداع، وليس من الموارد الطبيعية فقط.
في الستينيات، كانت دبي قرية صغيرة تعيش على التجارة وصيد اللؤلؤ، لكنها كانت تحمل في طياتها بذور طموح لا حدود له، رؤية الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وضعت الأساس لتحول دبي إلى مركز عالمي من خلال مشاريع جريئة وغير مسبوقة، مثل بناء ميناء راشد ومطار دبي الدولي، وهما مشروعان اعتُبرا مغامرة في ذلك الوقت، اليوم، يحتل مطار دبي الدولي المرتبة الأولى عالميًا في حركة المسافرين الدوليين، حيث استقبل أكثر من 86 مليون مسافر في عام 2019، وفقًا لتقرير صادر عن Airports Council International.
لم يكن النفط هو ما دفع عجلة دبي نحو هذا التقدم، بل العقول والرؤية المستقبلية، حيث أظهرت دراسة أجرتها PwC عام 2022 أن دبي تُعد من بين أكثر المدن جذبًا للاستثمارات الأجنبية، بفضل بنيتها التحتية المتطورة وقوانينها المرنة، فالمدينة تركز على تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، معتمدًة على قطاعات مثل التجارة، السياحة، العقارات، والتكنولوجيا، وفقًا لتقرير صادر عن حكومة دبي، فإن 95% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة في عام 2021 جاء من قطاعات غير نفطية، مما يبرز نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي.
حين ننظر إلى دول تمتلك موارد طبيعية هائلة مثل فنزويلا وإيران، نجد أن التحدي الحقيقي ليس في توفر الثروات بل في إدارتها، تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2021 أشار إلى أن نسبة الفقر في إيران بلغت 30% رغم غناها بالنفط والغاز، بينما كشفت دراسة أجرتها جامعة جونز هوبكنز عام 2022 أن 90% من السكان في فنزويلا يعيشون تحت خط الفقر، هذه الأرقام تسلط الضوء على فجوة كبيرة بين الثروات الطبيعية والتنمية الحقيقية، وهي الفجوة التي استطاعت دبي تجاوزها بفضل استثمارها في التعليم، البنية التحتية، والتكنولوجيا.
تجربة دبي يمكن أن تكون خارطة طريق للدول العربية الأخرى التي تسعى للنهوض والتنمية، البداية تكمن في وضع رؤية طويلة الأمد ترتكز على الاستثمار في الإنسان قبل أي شيء آخر، البنية التحتية هي جزء من هذه الرؤية، لكن نجاح دبي الحقيقي كان في قدرتها على جذب العقول والمواهب من جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير نشرته World Bank عام 2021، فإن السياسات الجاذبة للاستثمار والشراكات العالمية هي ما يجعل دبي مختلفة عن المدن الأخرى، حيث قامت بخلق بيئة تدعم الابتكار وتشجع على الريادة في مجالات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون: كيف يمكن أن نجد دبي أخرى في العالم العربي أو حتى في إفريقيا؟ الإجابة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة سياسية وإدارة رشيدة، الاستثمار في التعليم وتحسين مناخ الأعمال هما أول الخطوات، كما أن تحسين البنية التحتية وربطها مع الاقتصاد العالمي من خلال شراكات مستدامة يمكن أن يكون المفتاح لتحفيز التنمية، تجارب مثل رواندا في إفريقيا، التي تحولت من بلد يعاني من آثار الحروب إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا، تؤكد أن النجاح ليس حكرًا على موقع جغرافي معين، بل هو خيار استراتيجي.
دبي اليوم ليست مجرد مدينة، بل رمزٌ للإبداع الإنساني، حيث نجحت في جذب أكبر الشركات العالمية، واستضافت فعاليات ضخمة مثل إكسبو 2020 الذي استقطب أكثر من 24 مليون زائر من جميع أنحاء العالم، مما عزز مكانتها كوجهة عالمية للتجارة والسياحة، تجربة دبي تُظهر أن التنمية لا تُبنى على الموارد وحدها، بل على الرؤية والإصرار.
في النهاية، تبقى دبي درسًا حضاريًا للعالم العربي، معجزة لم تأتِ من ثروات باطن الأرض، بل من العقول التي أدركت أن المستقبل يُبنى بالعمل والتخطيط المستدام، السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن بقية الدول العربية من السير على خطى دبي وتحقيق نهضة تعتمد على ثورة العقول بدلًا من الاعتماد على النفط وحده؟