كُتاب الترند العربي

لا تحزن على القطار الذي فاتك

عمر غازي

في كل مجتمع يتردد صدى السؤال ذاته: هل تأخرت عن النجاح؟ كثيرون يقفون عند محطات العمر ينظرون إلى قطارات تلو الأخرى وهي تمضي أمام أعينهم، يراقبون الفرص المفقودة والنجاحات المتأخرة، ويتملكهم اليأس معتقدين أن القطار قد فات ولن يعود أبدًا، لكن هذه الفكرة ليست سوى وهم صنعه الزمن والضغط الاجتماعي، إذ أن لكل نجاح موعده، ولكل إنجاز طريقته وتوقيته الخاص.

النجاح لا يرتبط بعمر محدد، بل يرتبط بتوقيت جاهزيتنا لتقبله وتحقيقه، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة برينستون عام 2020 أن 40% من رواد الأعمال الناجحين في العالم بدأوا مشاريعهم بعد سن الأربعين، بينما أكدت دراسة من جامعة ستانفورد أن ذروة الأداء الإنتاجي والابتكاري للإنسان غالبًا ما تكون بين سن 40 و50 عامًا، حيث تتكامل الخبرة مع القدرة على اتخاذ القرارات الأكثر حكمة.

كثيرون يظنون أن النجاح المبكر هو القاعدة، لكن الأرقام تقول غير ذلك، إذ تشير بيانات من منظمة العمل الدولية عام 2022 إلى أن متوسط العمر لتحقيق أول مليون دولار بين رواد الأعمال العالميين هو 50 عامًا، بينما يبدأ معظم المشروعات الناجحة في التبلور بعد سن 40، كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد أن 80% من كبار التنفيذيين في الشركات العالمية وصلوا إلى مناصبهم بعد مسيرة طويلة من العمل الجاد بدأت في شبابهم وتكللت بالنجاح في مراحل عمرية متقدمة.

الواقع مليء بقصص تُكذب فكرة “القطار الذي فات”، فجاك ما، مؤسس علي بابا، تم رفضه عشرات المرات من وظائف متعددة ولم يُحقق انطلاقته الكبرى إلا بعد سن 35، وفي مثال آخر، هارلاند ساندرز، مؤسس سلسلة مطاعم KFC الشهيرة، لم يُحقق مشروعه الناجح إلا بعد سن 65، ليصبح نموذجًا خالدًا لأولئك الذين يعتقدون أن الأوان قد فات.

هذه الأرقام لا تُقلل من قيمة النجاح المبكر، لكنها تؤكد أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بعمر معين، بل بجاهزية الإنسان، وبقدرته على استثمار الفرصة عندما تأتي، إذ أظهرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2019 أن النضج الفكري والعاطفي الذي يكتسبه الإنسان مع تقدم العمر يزيد من احتمالية اتخاذ قرارات مصيرية أكثر نجاحًا بنسبة 30% مقارنة بالفترات المبكرة من الحياة.

القطار الذي يخاف الناس من فواته ليس حقيقيًا، بل هو انعكاس لضغوط المجتمع وتوقعاته، لكن كل شخص يمتلك “محطته الخاصة”، قد تتأخر، لكنها تأتي حتمًا لمن يُحسن الاستعداد لها، فالنجاح لا يسبق من لا يتعب له ولا يلتفت لمن يستسلم مبكرًا، كما أظهرت دراسة من جامعة ييل أن الإصرار والاستمرارية يُشكلان 70% من عوامل النجاح، بينما تأتي الظروف والفرص كعوامل مساعدة لا أكثر.

الحياة ليست سباقًا مع الآخرين، بل هي رحلة فردية، ولكلٍ منا طريقه الذي يختلف في تفاصيله وتوقيته، المهم أن نُدرك أن الفرص لا تُغلق أبوابها تمامًا، بل تتبدل مساراتها حتى تلتقي مع من يستحقها، ربما كان المفكر الياباني كونوسوكي ماتسوشيتا محقًا عندما قال: “لا يوجد فشل نهائي طالما أنك تستمر في المحاولة، فالنجاح لا يُقاس بموعده، بل بإصرارك على الوصول إليه”، وهنا يكمن المعنى الحقيقي للقطار الذي يعتقد البعض أنه فات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى