كُتاب الترند العربي

“الأب” عمود البيت الذي لا يميل

محمود عبدالراضى

الأب، ذاك الجبل الذي يظل شامخًا في وجه الرياح، رغم تآكل صخره مع الزمن، هو اليد التي تحنو بلا مقابل، والظهر الذي ينحني ليبقى الجميع مستقيمًا، في البيت، هو السقف المنيع، وفي الحياة، هو الضوء الخافت الذي يهدينا وسط العتمة، حتى لو أطفأت الحياة شمعته.

كلما نظرتُ إلى الأب، رأيتُ التاريخ متمثلاً في هيئة إنسان، وجهه خريطة للتضحية، تتشابك فيه تجاعيد الهموم مع خطوط الفرح القليل، عيناه نافذتان إلى عوالم الصبر، يختبئ فيهما بريق الحلم الذي لا يزول، حتى إن زال وهجه من أجلك.

الأب لا يقول “أحبك” كثيراً، لكنه يصنع لك الحب كل يوم بيديه المرهقتين، يُخفي التعب تحت عباءته، ليُظهر القوة التي تحتاجها، هو الذي يخرج كل صباح تاركاً وراءه الدفء، ليواجه صقيع الحياة وحده، عودته ليلاً ليست مجرد حدث يومي؛ إنها انتصار آخر يُضاف إلى سجل معاركه الصامتة.

قد تراه أحياناً صارماً، لكن خلف ذلك الصرامة قلباً يعجز عن التعبير، الأب كالمطر: قاسٍ حين يهطل، لكنه يروي كل شيء من حوله، وربما كالنهر، يظل يسير دون أن يُسأل أين وجهته، لأنه يعرف أن كل جهوده تصب في بحر حياتنا.

حين تفكر في الأب، تذكر أنه لم يولد أباً، كان شاباً حالماً مثلك، يركض خلف طموحاته، لكنه عندما جاء دورك في الحلم، تراجع ليصير الدرع الذي يحميك، والجسر الذي تعبره، هو الذي يقايض سنوات عمره بابتسامةٍ منك، يبيع شبابه ليشتري لك مستقبلاً، ويزرع نفسه في الأرض ليكون لك ظلاً لا يزول.

الأب ليس مجرد شخص، إنه مؤسسة من العطاء، وقصة تُحكى بلا كلمات، هو العمود الذي تستند عليه العائلة، فإن مال، اهتز الكيان بأسره، لكنه قلما يميل، لأن قلبه مصنوع من فولاذ الحب، وجسده ينضح بالصبر.

في يومك، حين تنظر إلى أبيك، تذكر أنه كان الشمس التي أضاءت دربك، وإن رحل، فاعلم أن شعاعه سيظل يتسلل إلى قلبك، ليذكرك دائماً بأن الجبال لا تموت، بل تتحول إلى أساطير، اللهم ارحم أبي، وجميع الموتى.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى