كُتاب الترند العربي

وجود يفقدك البهجة

هلا خباز

الاعتياد.. موت في صورة الرضا! عنوان مقال ذكرني بما قالته صديقتي لزوجها يوماً وهي تشرح لي موتها البطيء معه، حيث قالت له: أنا لست سعيدة .. أنا راضية .. راضية فقط.

بهذه الكلمات عبرت عن علاقتها به واختصرتها. اعتادته، واعتادت وجوده لا أكثر، اعتادت صحبته التي أفقدتها البهجة.

وكما غنت فيروز ووصفت حال الحائرات في المنتصف:
“لا قدرانة فل ولا قدرانة ابقى، وإن رجعت بجن وإن تركتك بشقى.”

هذا هو حال العديد من الأشخاص في علاقاتهم مع الآخر؛ يمضي العمر لتكتشف أنك أمضيته في محيط لا يشبهك، في أرض ليست لك ولن تزهر فيها يوماً.

أن تصحو صباحًا وتقف أمام المرآة فتجد كل شيء إلا نفسك. أن تتلاشى ملامحك وتتوه أفكارك. أن تعتاد الشخص والحياة إلى الدرجة التي تفقد فيها الإحساس بمحيطك، وتختصر العالم به ومعه.

هل التعود حب؟
التعود ليس حبًا الحب والتعود شعوران مختلفان؛ الحب عاطفة قرارها عميق، بينما التعود مودة. التعود شعور بارتباط عاطفي أو عقلي يأخذ صوراً عدة بين الأبناء ووالديهم، الأزواج، الأصدقاء… لكنه ليس حبًا.

حتى حينما نقع في الحب بسبب التعود، وحتى وإن أقلقتنا فكرة تأخره أو غيابه، وحتى وإن أفزعتنا فكرة الفراغ الذي سيتركونه إذا قرروا الرحيل.

يقول نزار قباني في رائعته أين أذهب؟
“اعتيادي على غيابك صعب
واعتيادي على حضورك أصعب
كم أنا .. كم أنا أحبّك
حتى أنّ نفسي من نفسِها .. تتعجّب!”

الاعتياد في الحب هو اعتياد للنعم. اعتياد يقتل إحساسنا بالأشياء ويفقدنا الدهشة. اعتياد تتساوى فيه أيامنا فلا نفرق بين “صباح الخير” و”تصبح على خير”.

اعتياد يجعل الصمت رفيقنا الذي نشرب بسببه القهوة باردة دون أن نشعر، ويرسم على ملامحنا ابتسامة باهتة صفراء. وهو ما يجعلنا نغض الطرف في أحيان كثيرة عن الإساءات ونتنازل عن الحقوق.

الاعتياد يجعل من التصرفات غير المقبولة للشريك مقبولة بفعل العادة: صامت، مهمل، فوضوي، لا يجيد التعبير. لا بأس، فقد تعودت.

يقول دوستويفسكي في هذا الموضع:
“بكوا في أول الأمر ثم ألفوا وتعودوا. أن النسيان يعتاد كل شيء، يا له من حقير.”

حين يصبح الاعتياد مريحًا
وعلى الجانب الآخر من هذه الحياة، هناك أناس تربوا على الاعتياد، وعلى أن تكرار الأيام جيد بما أنها لم تؤول للأسوأ. أو كما يقال: no news is good news.

هؤلاء مشت بهم الحياة واستقرت. أناس فضلوا البقاء في محيطهم الهادئ، الرتيب، حتى لو فقدوا بهجة الحياة ومعناها. أناس يشربون القهوة كيفما تقدم إليهم.

الخاتمة
لم أفهم يومًا كيف يمكن للحب أن يتحول إلى عادة؟ كيف لكل تلك المشاعر أن تتبلد؟ كيف يمكن للحب أن ينزلني من صهوة أحلامي؟

سأطلب منك الرحيل حينما أشرب قهوتي وبقلبي ثقب، وأسمع صوت نزار قباني يقول:
“لنفترق.. ونحن عاشقان..
لنفترق برغم كل الحب والحنان.
فمن خلال الدمع يا حبيبي
أريد أن تراني.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى