الطريق إلى المجهول
عمر غازي
في زوايا الحياة المظلمة، حيث لا تتضح الملامح ولا تنكشف الخفايا، يتعين على الإنسان أن يسير بثبات، وهو يحمل في قلبه تساؤلات لا إجابة لها.. هناك، في تلك اللحظات التي يبدو فيها الواقع كأنه ينسل من بين أصابع الزمن، يتشكل شعور غامض لا يمكن تفسيره أو فك شفرته بسهولة. إنه الشعور الذي يعانق الإنسان عندما يدرك أن المسار الذي يسلكه، رغم أنه واضح أمام عينيه، قد يقوده إلى حيث لا يعلم.
ماذا لو أن كل طريق سلكناه كان يقودنا إلى أكثر من نهاية؟ ماذا لو كانت الحقائق التي نتعلق بها ليست سوى انعكاسات لأمور أعقد بكثير مما نتصور؟ يبدو وكأن الغموض ليس مجرد حالة من عدم المعرفة، بل هو في بعض الأحيان حالة من الوجود بذاته، حيث يتجلى في عمق الأشياء البسيطة، وفي كل قرار نتخذه دون أن ندرك تمامًا تداعياته.
قد نشعر أحيانًا بأننا في رحلة لا نعرف وجهتها، نسير بخطى بطيئة في مسار قد يكون مستقيمًا أو متعرجًا، لكننا لا نعرف أين ينتهي.
في علم النفس، يُقال إن الإنسان يميل إلى خلق “سرديات” تفسر ما لا يمكن فهمه، وتضع الأمور في قالب يمكن التعامل معه. لكن، ماذا إذا كان السرد الذي نبنيه لأنفسنا ليس سوى وهم؟ وهم يتيح لنا التعامل مع المجهول، دون أن يكشف عن حقيقته.
تشير دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018 إلى أن الإنسان يشعر براحة أكبر عندما يضع معنى للأشياء الغامضة، حتى لو كان هذا المعنى مجرد تفسير متخيل لا أساس له من الواقع، فنحن نحاول دائمًا وضع إطار لما لا يمكن تفسيره، نجعل من الغموض شيئًا يمكن فهمه أو التعايش معه، لكننا نعلم في أعماقنا أن هناك شيء ما يتجاوز تلك المحاولات.
العلماء والفلاسفة لطالما تحدثوا عن الطبيعة الغامضة للوجود، مشيرين إلى أن الإنسان في بعض الأحيان يبحث في المجهول عن الحقيقة التي لا تُدرك بالحواس أو التجربة، فالغموض قد يكون جزءًا من جوهر الحياة، ليس كعائق يجب تجاوزه، بل كحقيقة يجب قبولها، وهذه الفكرة تتجلى بشكل أوضح عندما ننظر إلى الأسئلة التي لم نجد لها إجابات، أو القرارات التي اتخذناها دون أن نعرف إلى أين ستقودنا.
لكن، هل يمكننا فعلاً أن نتعايش مع الغموض؟ أم أن الحاجة إلى الوضوح هي ما يدفعنا لخلق تفسيرات؟ ربما، يكون الغموض هو الحقيقة الوحيدة الأكثر تحفيزًا للإنسان في هذا العالم المتغير.