كُتاب الترند العربي

“فيريوسا”.. الكثير من أزيز الرصاص والقليل من الإبهار

عبدالرحمن الأنصاري

هناك العديد من الأمور التي قد تؤثر على حكمك المباشر على شيء ما سلبا كان أو إيجابا ليس بأقلها تلقي إشعار محدد بتاريخ معين، قد يرسم خريطة مستقبلك القريب، الأمر الذي قد يجعلك تفكر ألف مرة في أن تقدم على أي خطوة قد يشار إليها بأنها خطوة جريئة في أحسن الأحوال إذا لم تصل إلى الانتحارية في أسوأها.

من هذه الخطوات الصعبة الخروج عن الإجماع في بعض الأمور التي يرى الكثير من الناس أنها من المسلمات التي لا يحيد عنها عاقل ولا يعارضها إلا مجنونٌ قد رُفع عنه القلم، أو معتدٌ بنفسه مغرورٌ قد حملته النرجسيةُ على اتباع أسلوب وطريقة “خالف تعرف”، كأن تحاول أن تقنع صديقي أبا صالح ومجايليه من جيل الثمانينات أن “مارادونا” ليس أفضل من لعب كرة القدم عبر التاريخ، أو أن تحظى بالقليل من الأمل في أن يفكر الزميل طلحة مجرد تفكير بأن “مورجان فريمان” ممثلٌ عادي لا يحظى إلا بأدوار ثانوية في غالبية الأفلام التي ظهر فيها.

وإذا خيرتني بين الجنون أو الغرور أو النرجسية، فحتمًا سأختار الصفة الأولى طمعًا في أن يكون القلم مرفوعًا عني لكي أحظى بالغفران، وأملًا في النجاة من سياط النقد والتوبيخ من 89% من أتباع علامة هذا الزمان ومرجعيته الأولى “Google” ممن أبدو إعجابهم بفيلم “فيريوسا” عبر اختيار الإبهام المتجه إلى الأعلى في إشارة إلى استحسانه، كما هو الحال أيضًا مع متابعي الموقع العالمي الشهير المتخصص في عالم السينما “IMDB” الذين منحوا الفيلم تقييمًا يكاد يصل إلى الثمانية من عشرة، مما يدل بوضوح على إجماع المتابعين من عشاق السينما على روعة الفيلم وأنه سيكون ضمن أبرز أفلام العام المرشحة للتنافس على أرفع الجوائز والتتويج بها في المناسبات والمهرجانات العالمية كحفل الأوسكار وأشباهه.

ويبدو أنَّ الأمور تمضي بالفعل نحو هذا الاتجاه، إذ لا تزال الملحمة الأسطورية التي أراد مخرجها الأسترالي “جورج ميلر” أن يعود من خلالها بالأحداث إلى الوراء ليكشف الستار عن نشأة بطلة فيلمه الأول “Mad Max: Fury Road” وكيف انتهى بها الأمر لقيادة أشرس العصابات وأكبرها في زمن ما بعد انتهاء العالم، تنافس على صدارة شباك التذاكر الأمريكية محتلة وصافة الترتيب بـ 11 مليون دولار أمريكي في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لتصل مجموع إرادات الفيلم في أسبوعين أكثر من “54” مليون دولار.

وعودة إلى الفيلم بعد أن قادتني بعض الظروف إلى مشاهدته في السينما، وبما أنني اخترت أنْ أكون مجنونًا على الأقل في لحظة كتابة هذه المراجعة، فرأيي فيه أنَّ استحضار النجاح الكبير الذي حظي به الجزء الأول جعل الكثير من المشاهدين يعجبون به انسياقًا مع عواطفهم، خصوصًا في ظل حضور عدد من نجوم الشباك فيه مثل توم هاردي وتشارليز ثيرون، ما جعلهم يغفلون عن كثير من الملاحظات التي قد أراها جوهرية في أحداث الفيلم التي لم تكن منطقية على الإطلاق نظرًا للأحداث التي سبقتها.

على سبيل المثال، التجاهل لهروب الطفلة من الحصن ومروره مرار الكرام، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي حظيت به من قبل قائدي العصابتين “ديمنتوس” و “جو” ودخولها في المفاوضات بينهما، قبل أن تظهر متنكرة في زي شاب خفيف الحركة يتنقل بسهولة في الهواء الطلق منقذًا إحدى المعدات المهمة للعصابة ليكافأ بأن يكون سائقًا لتلك الشاحنة، في انتقال سريع للأحداث لا نكاد نستفيق منه، إلا ونُصدَم بانتقالة أسرع للبطلة وقد أصبحت فتاةً في خضم المعركة الأولى لمركبة الحرب الخارقة، والمعركة الثانية في مدينة الرصاص، وعودتها للحصن لتكشف للقائد “جو” عن خطة “ديمنتوس” لاستدراجه واحتلال الحصن، ومن جديد يغفل صانعو الفيلم عن تقديم تجسيد مقنع لتطور هذه الشخصية التي ظهرت فجأة للعلن وأقنعت القائد برأيها.

وبين حين وآخر ونحن نتابع الفيلم في صالة السينما، تتسلل من بين أزيز الرصاص ومحركات الشاحنات الحربية أصوات ضحكات بعض المشاهدين التي قد تصل إلى حد القهقهة، خصوصاً في بعض المشاهد التي يكون ” كريس هيمسوورث” طرفًا فيها، مما قد يوحي في بعض الأحيان أنَّ الفيلم ذو صبغة كوميدية، على الرغم من المعاناة التي يرويها من فقدان لأساسيات الحياة، علاوة على تقمص “كريس هيمسوورث” لشخصيته في فيلمي “ثور” و”مين إن بلاك” في حركاته وفي طريقة كلامه مع الاختلاف الكبير للأحداث في كل من الأفلام الثلاثة.

وكعادة الكثير من الأفلام ذات الطابع الدموي، نجد محاولات لتبرير شناعة السفَّاح أو المجرم بحجة كونه ضحية لغيره في السابق، كما حصل في المشهد الختامي الذي يخبر فيه “ديمنتوس” “فيريوسا” أنه هارب من ماضٍ لم يستطع فيه إنقاذ أسرته وأنه لا يختلف عنها كثيرًا، حيث يسعى كل منهما إلى الانتقام، وذلك تماما يذكرني محاولات تبرير أفعال “الجوكر” ووحشيته، لمجرد أن شبابًا تنمروا على حالته المرضية التي تصيبه بنوبات مفاجئة من الضحك الهيستيري! هذا التسويغ للعنف المفرط بناءً على حجج نفسية واهية يمثل مشكلة جوهرية في السينما الأميركية، وهي مشكلة حاضرة بقوة في فيلمنا الحالي.

محاولة تكرار النجاح بالأدوات والأفكار نفسها وبنفس الدرجة يمنح صاحب المحاولة المزيد من الكم دون الكيف، كما هو الحال في محاولة تدوير “الشامبو” من خلال إضافة الماء في علبته الفارغة، حيث يمنحك المزيد من الماء مع شيء لا يكاد يذكر من الرغوة التي لا تُصلِح تجعُّد الشعر، ولا تُزيلُ العالق من القشرة في فروة الرأس، فالكثير من الملاحظات لم أدونها مخافة الإطالة.

من أبرز هذه الملاحظات التركيز على المعارك الأولى في الفيلم، وتجاهل نقل المعركة الختامية الأهم وكيف دارت، كما أنني سأتجاهل التقييمات العالية للفيلم لأمنحه تقييمًا لا يتجاوز الستة من العشرة، مخالفًا في ذلك أعراف السينمائيين، التي لا تختلف كثيرًا عن أعراف أولئك الذي لا يؤمنون بأن هناك دوريًا لكرة القدم يستحق المشاهدة، سوى ما يطلقون عليه “جنة كرة القدم” الكالتشيو، ومن يعرفني عن قرب يعرف رأيي في ذلك جيداً، وعلى هذا الرأي يجب أن يقيس محبو “فيريوسا” موقفي من فيلمهم المحبوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى