ثلاثة من أكبر الأسئلة التي تثير قلق الممثلين حول “الذكاء الاصطناعي”
براين ويلك
ترجمة: سومر جباوي
إن الكتّاب يعتريهم القلق مما يمكن أن يصنعه الذكاء الاصطناعي بمصدر رزقهم، لكن الممثلين يعرفون بالفعل ما سيحدث. يعتمد عمل الممثلين على الصوت والمظهر، وهما شيئان يستطيع الذكاء الاصطناعي تكرارهما أو التلاعب بهما بلا شك، ولكن القوانين التي تنظّم الذكاء الاصطناعي ما زالت مُعقدة.
تسعى نقابة الممثلين والاتحاد الأميركي لفناني التلفزيون والراديو “SAG-AFRTA” إلى فرض موافقة مسبوقة بالإضافة إلى تعويض مالي على الاستديوهات في المفاوضات الجارية ضمن الاتحاد والتي ستنتهي هذا الأسبوع بعد تمديد بسيط.
إن اللغة التي اقترحتها نقابة الكتاب الأميركيين «WGA» في معركتها «وما أقرّته نقابة المخرجين الأميركية DGA» تدور في إطار الحماية من استيلاء الذكاء الاصطناعي على أعمال أعضائها، ولكن ذلك لم يكن كافيًا للممثلين؛ لقد حصلت نقابة المخرجين الأميركيين «DGA» على تصريح مكتوب يقرّ بأن الذكاء الاصطناعي ليس شخصًا، وأن على المنتجين استشارة المخرج قبل استخدام الذكاء الاصطناعي. على الرغم من أهمية ما تحقق للممثلين وأنه يشكّل بداية جيدة، ولكن «SAG-AFRTA أو نقابة الممثلين والاتحاد الأميركي لفناني التلفزيون والراديو» تسعى للحصول على حماية أوسع خاصّة بأعضائها.
أجرت منصة «Indiewire» حوارًا مع خبراء في استعمال الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، وخبراء في المؤثرات البصرية، وخبراء في قوانين النشر بغية تحديد أهم ثلاثة مخاوف ينبغي أن تأخذها نقابة الممثلين الأميركية «SAG» بعين الاعتبار.
1- من سأكون أنا في الذكاء الاصطناعي؟
كان توم هانكس من أوائل الممثلين الذين عملوا مع الذكاء الاصطناعي، من خلال إنتاج فيلم «Polar Express» للمخرج روبرت زيمكس في عام 2004 والذي اعتمد على تقنية «Mo-cap». وعلى الرغم من كون هذه التقنية والفيلم من أحدث ما توصل له العلم آنذاك، ورغم نجاح الفيلم إلى حدّ ما، إلا أنه فشل في شباك التذاكر. واستنكر عددٌ من النقاد أن شخصيات الفيلم لم تبدُ بشرية بالكامل وكانت أشبه بالروبوت.
يعود المخرج زيمكس والممثل توم هانكس في فيلم جديد يحمل اسم «هنا» من انتاجات شركة سوني لعام 2024، حيث سيعمل الذكاء الاصطناعي على «تقليل» عمر توم هانكس ليلعب شخصيته خلال مراحل عمرية مختلفة.
صرحت نقابة الممثلين الأميركية بأنها تتوقع أن يتم التفاوض على استخدام الذكاء لاصطناعي و«الدوبلير أو بديل الممثل» الرقمي عبر النقابة، وأن الأعضاء في العقود للأفلام التجارية أو ذات الميزانية المنخفصة يتمتعون بالفعل ببعض الحماية فيما يتعلق بالنسخ الرقمية الشبيهة لهم. لكن أي معايير يجب أن تكون محددة في هذا العقد مع اتحاد منتجي السينما والتلفزيون AMPTP.
توفر التوجيهات الصادرة عن الاتحاد الدولي لموظفي المسرح IATSE فكرة عما تفكر به النقابات الأخرى بهذا الخصوص، لكن بولمان يقول بأنه من الصعب تكوين صورة كاملة لأن التقنية ببساطة تسير بشكل متسارع.
في رأي بولمان «هناك حالات ذات استخدام معين من الأسهل تحديدها. الحالات التي لا تنطوي على ضرر من جهة، والاساءات التي ترغب نقابة الممثلين الأميركية «SAG» بالحد منها من جهة أخرى. لكن في الوسط هناك منطقة رمادية تمامًا، لأننا لا نستطيع أن نرى كافة الاستخدامات»
2- هل لدي السيطرة الإبداعية على نسختي من الذكاء الاصطناعي؟
يستطيع الذكاء الاصطناعي إعطاء الممثلين القدرة ليبدو وكأن أداء واحد يمكن أن يغطي آداءت متعددة. حيث يمنح الذكاء الاصطناعي فنيي المونتاج القدرة على التلاعب بوجه الممثل وفمه لاختيار كلمات ولغات مختلفة. مثلًا، في فيلم «السقوط»، إنتاج شركة Lionsgate المصنف رقابيًا R، استطاع برنامج TrueSync AI التلاعب بفم الممثل وتغييره ليصبح مطابقًا لتعديلات الحوار في النسخة ذات التصنيف الرقابي الأكثر صرامة «PG-13». قد يوافق الممثلون على ذلك طالما لا تغير هذه التقنية من آدائهم، ولكن لا يبدو أن هناك ضمانات بأنها لن تفعل. ماذا لو لم يرق الخيار الإبداعي للممثل للمخرج أو الاستديو؟ أو إذا حدث تغيير للسيناريو يستوجب على المخرج الحصول على لقطة للمثل وهو يبتسم بدل من كونه عابس؟ يمنح الذكاء الاصطناعي المخرج القوة للقيام بالتغيير بسرعة، أو تجريب بدائل متعددة بدلًا من إعادة التصوير المكلفة والتي تستوجب حضور الممثل.
إن المفتاح يكمن في «شفرة المصدر» للممثل. هذا ما يطلق عليه «ريمنغتون سكوت»، الرئيس التنفيذي لشركة المؤثرات البصرية «Hypeeeal» لنموذج الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على أداءات الممثلين السابقة. تكمن مهمة Hyperreal في تمكين «المبدعين من امتلاك، حفظ حقوق، وتسويق» هوياتهم الرقمية مثل نسخة بول ماكارتني الشابة أو نسخة نوتريوس B.I.G التي غنت في الميتافيرس. لقد تم خلق هذه النسخ بمجموعة معطيات خاصة تتعلق بحركة الشخص، كلامه، مظهره، والمنطق وراء أفعاله. كلما تم ادخال معطيات أكثر كلما أصبحت الشخصيات أكثر تحديداً وواقعيةً.
يقول سكوت «إذا كان لدي كل معطيات بول نيومان الحركية، كل شيء يقوم به، الطريقة التي يمشي بها، الطريقة التي يتحدث، يقف، يجلس بها، ووضعنا كل ذلك في قاعدة بيانات، يستطيع المخرج بعدها أن يقول: «حسنًا بول، قف، سر نحو الباب، التفت، قل جملتك، وأخرج». وسيقوم بذلك. إنه بول نيومان يقوم بذلك».
يتوقع بولمان أن تصرح نقابة الممثلين الأميركيين «SAG» بأنه لن يسمح للذكاء الاصطناعي بتعديل الطابع الأساسي للأداء، وهو ما سيتجاوب معه اتحاد منتجي السينما والتلفزيون باستثناء التعديلات التي تشمل الدوبلاج، الترجمة، تصحيح الألوان، وغيرها من التعديلات الشائعة في مرحلة العمليات الفنية.
ولكن النقابة تريد معرفة كيف يتم تدريب تلك النماذج من الذكاء الاصطناعي ومن يتخذ تلك القرارات بالتعديل. قام ادوارد ساتشي «Edward Saatchi» المنتج الحائز على جائزة الأيمي عن استديو أوكيولوس ستوري «Oculus Story Studio» والذي يدير استديو خاص باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي «Fable Studios» باستخدام الممثل جاك نيكولسن «Jack Nicholson» كمثال. هل تم تدريب النموذج على أداء جاك في فيلم الحي الصيني «Chinatown» أم أداءه في فيلم «أفضل ما يمكن حصوله As good as it gets» أم كلاهما؟ وكيف يؤثر ذلك على صورة الشخصية وادائها بتقنية الذكاء الاصطناعي؟
أي أداء ستحصل عليه؟ يتسائل ساتشي «Saatchi». «هل هذا الأمر متروك للمخرج؟ هل يستطيع المخرج تغيير رأيه في منتصف العملية؟». أنتج ساتشي «Saatchi» في العام 2024، فيلم الذئاب في الجدران «The wolves in walls» والمبني على الرواية الفكاهية التي تحمل نفس الاسم للكاتب نيل غايمان «Neil Gaiman»، وقد استخدم به تقنية الواقع الافتراضي «VR» وشارك به في مهرجان الجنوب SXSW. كانت بطلة الفيلم لوسي «Lucy» هي شخصية صممها الذكاء الاصطناعي وطورت بنسخة أولى من «شات جي بي تي ChatGPT».
يعمل ساتشي الآن على إنتاج فيلم التحريك الطويل «المرآة البيضاء White Mirror»، وقد عمل على تنفيذه فنانون باستخدام تقنية للذكاء الاصطناعي من إنتاج مجموعة من الشركات «Runway»، و«Open AIو»، و«Midjourney»، و«Nvidia». يكلف فيلم التحريك الطويل عادة عشرة آلاف دولار كل ثانية على الأقل، ولكن تكاليف فيلم «المرآة البيضاء»، بحسب تصريح ساتشي، لم تتجاوز العشرة آلاف دولار لكل دقيقة، وهذا يعني أقل بـ60 ضعفًا من التقنية التقليدية.
يقول ساتشي «إذا قال المخرج : حسنًا، لنجعل الأمر أكثر متعةً. الآن، أريدك أن تكون كذا. وهذا يمكن أن يجعل الأمور معقدة جدًا بشكل متسارع. إن ذلك يعطي المخرج سلطة تغيير مذهلة وربما بقدر خاطئ.
3- من يمتلك نسختي التي شكّلها الذكاء الاصطناعي:
يمكن استخدام تقنية التزييف العميق «Deepfake» ومُعدّلات الصوت لتغيير المكياج، الأزياء، أو إخفاء نقاط المؤثرات البصرية الباقية على بدلة الممثل. يقول ساتشي: «يستطيع الممثل رؤية نفسه ولعب دوره في الزمن الحقيقي بعمر أصغر مما هو عليه، كما يستطيع أن يراه المخرج والممثلون الآخرون. وبهذه التقنية تستطيع أن تكون شخصاً آخر».
ما يبدو أقل وضوحًا في هذا الموضوع هو من سيقبض الثمن علي هذا الأداء. يقول ساتشي: «خلال اثنا عشرة عام القادمة، ستقوم كل وكالة للممثل أو شركة إنتاج، أو فريق للممثل من وضع الأطر الخاصة لاستخدام نسخهم من الذكاء الاصطناعي وكيف سيحصلون على تعويض عادل عنها».
شكّل فيلم الخيال العلمي لعام 2013 «الكونغرس The congress» والذي يقوم ببطولته «روبن رايت Robin Wright» حالة يمكن أن تمتلك فيها شركة شبيهًا صممه الذكاء الاصطناعي تستطيع من خلاله خلق أداءات لعقود من الزمن. يساور ساتشي الشك في أن تطور الذكاء الاصطناعي سيقف عند المنظومة الحالية التي يتم فيها استخدام نموذج ذكاء اصطناعي خاص بكل فيلم على حدة، ويعتقد بولمان بأن النقابة سوف تطلب إتلاف أي نموذج للذكاء الاصطناعي بعد استخدامه.
أما الجزء المعقد من الموضوع برأي سكوت فيكمن في أنه يجب على الممثلين امتلاك الحقوق الخاصة بصورهم، لكن الملكية الفكرية التي تعتبر قيّمة هي صور أولئك الممثلين في فيلم أو عرض. إن هذه الصور مملوكة ومحمية بحقوق التأليف والنشر من قبل استديوهات الإنتاج، والتي يجب أن تقبض ثمنًا يجب دفعه عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء محتوى جديد. لم تحل صناعة الأفلام هذه المعضلة حتى الآن، أيضًا.
تقوم أدوات الذكاء الاصطناعي المولدة بجمع كل ما يمكن العثور عليه على الإنترنت واستخدامه في تدريب نماذجها، ولا يقبض أحد شيئًا في مقابل ذلك. إذا تم استخدام بيانات التدريب في نموذج ذكاء اصطناعي مملوك ومرخص من قبل الممثلين أنفسهم، فيجب أن يُلحظ مقابل مادي لذلك لأعضاء نقابة الممثلين الأميركية SAG.
يقول سكوت بأن لديه الطريقة الصحيحة لفعل ذلك. عندما يتم بناء نسخة رقمية للممثل، تقوم تقنية الـ”Hyperreal” أو “الواقع المُتفَاعِل” بتطوير “شفرة مصدرية” مأخوذة من حركات الممثل، صوته، مظهره، ومنطق أفعاله. يمكن للشركة أن تقوم بإنشاء نماذج مفصلة ثلاثية الأبعاد عن الصور “الأيقونية” واللحظات التي يمكن حمايتها بحقوق النشر والاستخدام. يستطيع زبائن سكوت بهذه الطريقة امتلاك البيانات الأساسية للنموذج الرقمي ويمكنهم ترخيصها للاستخدام المستقبلي.
يقول سكوت “نعمل على بناء ذكاء اصطناعي لم يتلوث بتقنية الـChatGPT. ما نبنيه خاص جدًا لاستخدام الموهوبين. وبهذه الطريقة سيمتلكونه. لن يكون شيئًا بلا علامة تجارية. إنه الشفرة المصدرية الحقيقية للشخص”.
المصدر: سوليوود