في موقع التصوير مع المخرج “إنغمار بيرغمان”
روجر إيبرت
ستوكهولم، في عام 1975 عندما يكون “إنغمار بيرغمان” في ستوكهولم، يسكن في مجمع سكني جديد يسمى كارلابان. إن مسكنه مريح وليس متفاخر. وغالبًا ما لا يكون لدى بيرغمان زوار لأنه لا يعتبر هذا المكان منزله، بل مهجعًا للنوم فيه فقط أثناء الوقت الذي يعمل فيه على الأفلام. وتقوم زوجته إنغريد بإعداد وجبات الطعام هناك، ولكن إذا قام السيد والسيدة بيرغمان بتنظيم حفل عشاء لضيوف، فمن المرجح أن يكون على طاولتهم المعتادة في مطعم Teatergrillen، وهو مطعم فخم يقع مباشرة على الاتجاه المواجه للباب الخلفي للمسرح الملكي الدرامي. وهذه الطاولة ليس من السهل العثور عليها أو رؤيتها؛ لأنها تختبئ خلف عمود كبير مرآوي، بحيث يكاد يكون بيرغمان مخفي من الأنظار، مع أنه يمكنه رؤية الجميع في الغرفة.
خلال الأسابيع الثمانية أو العشرة التي يستغرقها لإخراج فيلم ما، يستيقظ بيرغمان في ساعة مبكرة، على حوالي الثامنة، ويقود سيارته المارونية الصغيرة إلى مبنى Filmhuset في المعهد السويدي للسينما. هو مبنى حديث كبير يبعد عن مركز ستوكهولم حوالي 25 دقيقة سيرًا على الأقدام، ويحتوي ليس فقط على مرافق الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، ولكن أيضًا على مرافق لكلية المسرح والسينما والرقص بجامعة ستوكهولم. ودائمًا ما يمتلئ المبنى بالمناقشات والأنشطة، ويتركز الكثير منها حول حانة لوريل وهاردي في الطابق الثاني، ولكن عندما يتواجد بيرغمان في المبنى لصنع فيلم، يبدو أن هناك وعيًا ذاتيًا معينًا يملأ مبنى Filmhuset. قيل إنه شعور مماثل حين يكون البابا في الفاتيكان.
يركن بيرغمان سيارته في مكان مخصص بالقرب من الباب الجانبي لمبنى Filmhuset وينضم إلى الممثلين والتقنيين لتناول الإفطار الذي يتم تقديمه في غرفة صغيرة مزدحمة برئاسة المضيفة لهذا التصوير. وفي كل فيلم يصنعه، يوظف بيرغمان مضيفة، ويدرجها في قائمة أسماء المشاركين في صنع الفيلم. وتكون وظيفتها هي صنع القهوة وتقديم شاي بعد الظهر والاعتناء بالناس بطريقة أمومية. وعندما يكون هناك تصوير لفيلم يحكي عن مغفرة الله، أو عن المعاناة الميتافيزيقية «الفيلسوفية»، أو الانتحار، كما هو الحال عادة مع بيرغمان، فمن المفيد أن يشعر الجميع بأنهم في المنزل وأن هناك إبريق من القهوة يتم تحضيره لهم.
سيطلق على الفيلم الذي يعمل عليه اليوم اسم Face to Face. يتناول الفيلم قصة عن محاولة انتحار طبيبة تمر في عذابٍ نفسي، وهذا هو الدور من تمثيل ليف أولمان. كتب بيرغمان في رسالة إلى فريق العمل وطاقمه قبل بدء الإنتاج مباشرة قائلًا: «لفترة طويلة حتى الآن، أعيش في قلق ليس له أي سبب حسي». وأن محاولته لحل هذا القلق تسببت في خلق السيناريو لفيلم Face to Face، حيث ستواجه المرأة رهابها «وهذا أمر شائع في أعمال بيرغمان»، وستحاول الاستسلام له «أيضًا لا شيء جديد في ذلك»، ولكن بعد ذلك ستتغلب عليه، وستحقق انتصارًا صغيرًا على طبيعتها المظلمة «بدأ هذا التفاؤل في الظهور فقط في أعمال بيرغمان في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، منذ فيلم Cries and Whispers، والذي سبّب الكثير من التكهنات بين أصدقائه».
سيكون فيلم Face to Face الفيلم السادس والثلاثين لبيرغمان ويأتي في عامه الثلاثين كمخرج. وتتسم حياته المهنية بتناغم لطيف. وبعد نصوصه الأولى، بدأ في الإخراج في عام 1945 كمحاكي سويدي لحركة الواقعية الإيطالية الجديدة السينمائية. وحقق أول نجاح دولي له في عام 1955، مع فيلم Smiles of a Summer Night. وفي عام 1965 بدأ العمل على فيلم Persona، والذي هو أحد أكبر الأفلام الحديثة المؤثرة. في يومنا هذا، يعتبر إنغمار بيرغمان من أحد أعظم صانعي الأفلام الأحياء. وفي فيلم Face to Face، جمع حوله طاقمه الأساسي ومجموعة الممثلين الذين عمل معهم مرارًا وتكرارًا، كما يفعل في كل فصول الربيع وأوائل الصيف. فقليلًا ما قد نجد وجوهًا جديدة في أفلامه.
والآن ينضمون إليه جميعًا لشرب القهوة. منهم الممثلة ليف أولمان مرتديةً قميصًا قطنيًا قديمًا وتنورة جينز زرقاء، لا تضع أي مكياج، وشعرها يتدلى من جبهتها كما لو كانت تعلن أنها لم تستيقظ من النوم إلا قبل ربع ساعة. وجدها بيرغمان لأول مرة في زاوية الشارع بينما كانت تتحدث إلى صديقتها الممثلة بيبي أندرسون، وكان لقائهم في نفس الزمن الذي كان يختار فيه طاقم لفيلم Persona. وجد إنغمار أنهم يتناسبون معًا كأصدقاء، فقام بتعيينهم معًا على الفور. وأصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أهم الممثلات في العالم، لكن هنا في مبنى Filmhuset، إنها ودودة وتتحدث ببساطة، وكأنها أم أكثر من كونها نجمة أفلام. كما أن هذا هو فيلمها السابع مع بيرغمان.
أما بالنسبة للفنان جونار بيورنستراند، فهو رجل راقي وطويل القامة في السبعينيات من عمره، يفكر ويتصفح نصه بجدية. لقد مثل دور المرافق في فيلم The Seventh Seal وأدى دور الأب في فيلم Through a Glass Darkly، وهو من أكثر الأشخاص المألوفة في مجموعة الممثلين الذين يعتمد بيرغمان عليهم في أفلامه. وقد كان مريضًا مؤخرًا، لكنه عاد إلى العمل ليلعب دور جد أولمان في الفيلم الجديد، وقد استجاب للعمل بشكل جيد لدرجة أن بيرغمان وسع الدور له. ويعد هذا فيلمه السادس عشر مع بيرغمان.
ومن ثم هناك مديرة الإنتاج، كاتينكا فاراجو، امرأة نشيطة في الثلاثينيات من عمرها، بالكاد لديها وقت لشرب القهوة. وكل ما تريده هو لحظةً واحدةً للتحدث مع بيرغمان حول جدول الإنتاج للأسبوع المقبل، وهو يستمع لها ويومئ برأسه بينما هي تشرح مشاكلها بشكل عاجل. فمن واجب مدير الإنتاج أن يواجه المشاكل ويحلها. لا يوجد في هذا العالم مدير إنتاج ليس لديه مشاكل. جاءت كاتينكا إلى ستوكهولم من هنغاريا في عام 1956 كلاجئة، وحصلت على وظيفة كمساعدة سيناريو لبيرغمان. لقد جعلها مديرة الإنتاج قبل بضع سنوات، وهي مسؤولة عن جميع جوانب التنظيم مثل: الوقت والمكان والمال. وهذا هو فيلمها السابع عشر مع بيرغمان.
المصور السينمائي سفين نيكفيست يصور أفلام بيرغمان. إنه طويل القامة، وقوي، يبلغ من العمر واحد وخمسين عامًا، ذو لحية وابتسامة خاطفة. ويبدو مظهره عادةً أفضل من بيرغمان، ولكن الجميع تقريبًا كذلك. فيقول أحد أصدقاء بيرغمان: «لا ينفق إنغمار حتى 100 دولارًا سنويًا على ملابسه الشخصية». عمل المصور نيكفيست لأول مرة مع بيرغمان في فيلم The Naked Night لعام 1953، واستمر معه بانتظام حتى الآن منذ فيلم The Virgin Spring في عام 1959. وسيكون هذا هو فيلمه التاسع عشر مع بيرغمان، وقد تعاون الاثنان معًا على الانتقال المنتظر لأفلام بيرغمان من الأسود والأبيض إلى الأفلام الملونة، بفشل في فيلم All These Women ثم بنجاح باهر في فيلمي A Passion of Anna وCries and Whispers.
إن نيكفيست مصور سينمائي عليه إقبال في جميع أنحاء العالم، ويتقاضى راتبًا من أعلى الرواتب بين المصورين السينمائيين، لكنه يترك دائمًا جدوله مفتوحًا لبيرغمان. فيقول نيكفيست: «لقد ناقشنا بالفعل الفيلم الجديد في العام السابق، ثم بعد ذلك ذهب إنغمار إلى جزيرته ليكتب النص. وفي العام التالي، سنبدأ بتصوير الفيلم من المتوقع أن يكون حوالي الخامس عشر من إبريل. وعادة ما نكون نفس الطاقم المكون من الثمانية عشر شخصًا الذين يعملون مع بيرغمان عامًا بعد عام، لصنع فيلمًا واحدًا لكل سنة».
وقال إنه في مهرجان كان السينمائي في أحد الأعوام، كان بيرغمان يتحدث مع المخرج ديفيد لين، الذي أخرج فيلم Lawrence of Arabia وفيلم Dr. Zhivago. فسأل ديفيد لين: «ما نوع الطاقم الذي تعمل معه؟» أجاب بيرغمان: «أنا أصنع أفلامي مع ثمانية عشر صديقًا. فقال لين: «هذا مثير للاهتمام… فأنا أصنع أفلامي مع حوالي 150 عدوًا».
من النادر جدًا أن يدعو بيرغمان الزوار، يبدو أن كلمة «الغرباء» تنطبق تقريبًا على إحدى مواقع التصوير لأفلامه. ومن الأكثر شيوعًا، خلال أي مشهد صعب، أن يرسل فنيًا تلو الآخر للانتظار في الردهة، حتى أن يكون الممثلون بمفردهم مع بيرغمان ونيكفيست ومعد الصوت وفني الكهرباء ومتطلبات المشهد فحسب.
تحدثت ليف أولمان عن موقف حصل في الماضي: «عندما كنا نصنع فيلم Cries and Whispers، لم يكن أي منا يعرف حقًا ما كانت تفعله هارييت أندرسون في مشاهد المعاناة والموت تلك، فكان إنغمار يطرد الجميع باستثناء القلة القليلة التي وجب تواجدهم بالإضافة إلى هاريت. عندما شاهدنا الفيلم المكتمل، شعرنا بالإرهاق. كان الأمر كما لو أن تلك المشاهد العظيمة كانت سر هارييت، كما كان من المفترض، لأنها ماتت في الفيلم بمفردها».
تجلس ليف في غرفة ملابسها، في انتظار أن يتم استدعاؤها للمشهد التالي. وسيكون المشهد صعبًا، حيث يجب أن تشرح لطفلها في الفيلم لماذا تحاول قتل نفسها.
ثم قالت: “يقولون إن إنغمار قد تغير، وقد تغير بالفعل. لا يبدو هو نفسه عندما يمشي في المجموعة. إنه هادئ، بطريقة لطيفة الآن. لقد أصبح ألطف. مررنا جميعًا ببعض الأوقات الصعبة معه مثل بعض المشاجرات على مواقع التصوير، ولكنه يبدو أكثر تسامحًا الآن”.
المصدر: سوليوود