أهمية المونتاج في السينما
عبدالمحسن المطيري
طوال تاريخ الإعلام والتلفاز والسينما أدَّى التحرير والمونتاج دورًا هامًا، وأحيانًا خبيثًا، في التأثير على المشاهد أثناء مشاهدة الفيلم أو المادة الإعلامية أو العمل التلفزيوني، ويكون هذا التأثير من الناحية النفسية والعقلية للتأثير على قضية ما من الناحية السياسية أو الفكرية أو حتى التربوية.
ومما لا شك فيه يعتبر الكثير من الخبراء في مجال صناعة الأفلام أن التحرير البصري والصوتي هو المرحلة الأخيرة والهامة، ليس فقط لنجاح القصة والإخراج والتمثيل فحسب، إنما نجاح الفيلم في شباك التذاكر أو نيله الجوائز والتقديرات النقدية.
وليس هناك خلاف حول قوة المونتاج باعتباره ركنًا أساسيًا، بل حاسمًا وحيويًا لنجاح مشروع الفيلم من بدايته الحرجة بالسيناريو إلى مراحل التوزيع. وتعتبر مرحلة المونتاج من أطول مراحل الفيلم، بل إنه يتعدى المدة الزمنية للتحضير أو الكتابة.
يؤدي المونتاج دورًا هامًا أيضًا في رسم صورة نمطية محددة للشعوب والثقافات مثل دور الإعلام والكتب التاريخية تمامًا. بالمونتاج يستطيع بشكل وبآخر أن يظهر “الهنود” – وهم الشعوب الأصلية في أميركا – بمظهر الهمج والسذج. كما صنعت السينما الأميركية من الروسي في السبعينيات والثمانينيات دور المجرم البارد والقاتل. وخلقت من الرجل العربي المغفل، مستهدفة ذهنية المشاهدين، دور الإرهابي أو المغفل أو السطحي في أفلام ما بعد 11 سبتمبر، باستثناء بعض الأفلام القليلة كحالة «سريانا» مثلًا، على الرغم من غياب بعض العمق، ومع ذلك تناول بعض القضايا العربية الهامة في إطار خارج النمط المعتاد والساخر للرجل العربي.
ساهم أيضًا المونتاج في التأثير الاجتماعي لأفكار اليسار والعمال من خلال الفيلم السوفييتي المدرعة «بيتمكون». كذلك يعتبر المونتاج أحد أهم عوامل نجاح سينما أفلام الأكشن والحركة التي كانت تعتمد عليه اعتمادًا كليًا في كيفية إظهار بعض مشاهد الإثارة والحوادث بواقعية أكثر، مما يساهم في نجاحها التجاري.
كذلك يمكن للمونتاج أن ينتقص من دور الشخصية ويقلل حضورها النفسي أو الزمني في الفيلم، ويمكن أن يساهم في زيادة الزخم لها، وإضافة بعض الفخامة من خلال تحديد شكل اللقطة وطريقة عرضها، بالبطيء مثلًا، أو مع موسيقى ملائمة.. إلى غير ذلك من القرارات المونتاجية الهامة التي تساهم في التأثير على قوة ومتانة أي فيلم.
المونتاج أداة قلم فعالة ومؤثرة فكريًا، وليس كما هو الاعتقاد مجرد مقص آلي وتقني، باعتباره مُوجهًا وليس منفذًا. الكتابة يمكن أن تكون بالقلم على يد كاتب وتكون بمكبر الصوت على يد مخرج، وتكون بالعدسة على يد مصور، وتكون بالمقص على يد محرر أو مونتير.
يعتبر الكثير من صناع الأفلام أن مرحلة الكتابة هي الولادة الهامة لأي فيلم، ولكن البعض يرى أن الفيلم حقيقة لا ينضج إلا في غرفة المونتاج، بل يعتبر بعض المخرجين مثل: الفونسوا كورون، وسيرجو ليوني، وسيرجي آزنشتانن؛ أن الفيلم يولد أصلًا في غرفة المونتاج ويكتب له النجاح أو عدمه من غرفة المونتاج أيضًا. وكما وصف تارانتينو المونتاج والتحرير بقوله: “هو أحد العناصر الحساسة والهامة في الفيلم، فهو كمثل الريشة للرسام، والقلم للروائي والنوتة للموسيقي”.