وداعًا جوليا
عبدالله الأسمري
يناقش الفيلم قضية انفصال الجنوب عن الشمال في السودان بنسبة تصويت 99%، نسبة صادمة تجعلك تطرح سؤالًا في غاية الأهمية: ما هي الأسباب المؤدية إلى أن شعبًا كاملًا يريد الانفصال؟
تبدأ أحداث الفيلم عام 2005 عقب اغتيال جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقبل انفصال الجنوب بستة أعوام، ليوضح لنا محمد كردفاني أسباب الانفصال من خلال قصة بسيطة تجمع عائلتين “عائلة منى الشمالية” و”عائلة جوليا الجنوبية” في بيت أكرم زوج منى الذي يعتبر هو نموذجًا مصغرًا للسودان في تلك الحقبة. واعتمد المخرج في سرده على طريقة كلاسيكية، وهي جعل كل شخصية في المنزل عبارة عن رمز يجسد فكرًا في المجتمع: أكرم تجسيد للعنصرية والتشدد في فكره وغير متقبل لأي طرح يخالفه، منى تجسيد لحالة الإنكار والكذب في المجتمع الوسيلة التي تسمح لها بنيل ما تريد مقابل دفع ثمن بسيط، جوليا تجسيد للوضع الأمثل من خلال صنع سلم يفيد الطرفين ومحاولة إصلاح ما تم إفساده في العقود السابقة ببناء مصالح تفيد الجميع.
رغم محلية القصة للسودانيين، يمكننا إسقاطها على أي مجتمع كان، فهي تناقش بشكل عام قضية الانفصال لعدم التعايش عن طريق سببين رئيسيين:
الأول العنصرية: ونرى ذلك في الفيلم من خلال الألفاظ العنصرية أو التفرقة الدينية والعرقية بين الجنوبيين والشماليين.
ثانيًا، الأفكار الحداثية وصدام حرية الفرد مع المجتمع: ونرى ذلك في صدام منى مع زوجها حول قضية الغناء وعدم تقبل كل طرف لفكرة الآخر.
المشاهد الأخيرة في الفيلم كانت شديدة الشاعرية غير فيها المخرج نهجه بإقصائه للحوار العامل الذي ارتكز عليه طوال الأحداث، واستخدم بدلًا منه لقطات صامتة وأغنية في الخلفية كانت ترثي مصير الأبطال والأحداث التي وصلت إليها السودان بعد تصويت بالإجماع على الانقسام.
اختتم كردفاني فيلمه بمشهد «دانيال» الطفل الجنوبي وهو يحمل السلاح في إشارة منه إلى أن الانقسام ليس هو الحل، فالمشكلة لا تزال قائمة، وهذا ما نشهده في الحرب الأخيرة في السودان.
من أبرز عوامل نجاح الفيلم هي المتعة المقدمة للمشاهد العادي الذي هو يخاطبه في المقام الأول بحبكة جميلة خالية من التعقيدات، وإيقاع مشدود طوال أحداث الفيلم، وشريط صوتي غني بأغانٍ ممتازة في اختيارها؛ لتكون عاملًا مهمًا في حكي القصة أو بالموسيقى الأصلية للفيلم. وعلى الرغم من ذلك، لم يفقد قيمته الفنية؛ إذ توج بسبع عشرة جائزة من أهمها جائزة الحرية من مهرجان كان، وترشحه ليمثل السودان في جوائز الأوسكار لعام 2024 في فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية.
في الختام، أنا فخور جدًا بأن جزءًا من صناعة هذا الفيلم الرائع صناعة سعودية، فهو حصل على دعم تمويلي من مهرجان البحر الأحمر، وانضم بعد ذلك المنتج «فيصل بالطيور» وعلى إثر ذلك ابتعثت هيئة الأفلام خمسة صناع ليتدربوا في مجالات مختلفة في الفيلم.