مدرسة نور الشريف.. المشخصاتي المثقف
تيسير قوايد
تميزت أدوار الفنان نور الشريف بالإتقان والتنوع اللافت والإلمام بتفاصيل الشخصيات النفسية والحركية والشكلية، وهو ما جعلها تصل بسهولة للجمهور ويتفاعل معها. هذه المحاكاة الطبيعية للشخصيات التي استطاع أن يحولها من كلمات على الورق إلى شخوص من لحم ودم بكل تفاصيلها البسيطة، لم يكن وليد الصدفة، ولكنه مجهود ودراسة قوية وتحضيرات مستمرة.
اعتمد نور الشريف على استراتيجية المراقبة والمحاكاة لكل أنماط الشخصيات من حوله، والتي يصادفها كل يوم في حياته اليومية، ورصد كل اللقطات والحركات اللافتة وتصرفاتهم وملامحهم التي يدونها في دفاتر شخصية يحتفظ بها، تلك التفاصيل يمكنها أن تكون يومًا مفتاحًا لشخصية يمثلها على الشاشة، يحتفظ بها في جعبته مثل الحاوي الذي يتمرن كل يوم على مزيد من الألعاب السحرية وخفة اليد ليبهر بها الجمهور، فإذا ما جاءه دور جديد جلس يفكر أين يكمن مفتاح الشخصية التي يتحرك من خلالها، ثم يفتح تلك الدفاتر القديمة ويبحث عن التفاصيل التي سبق أن دونها حتى يجد ضالته.
ولعل أشهر الأمثلة التي حكاها الشريف عن هذا الأمر هو دور كمال في فيلم “العار”، والذي استلهم حركة اليد والرقبة العصبية من أحد التجار الشعبيين حديثي ارتداء البدلة. فتجسيد الشخصيات السينمائية يحتاج إلى العمل الدؤوب المتقن للغوص في كل تفاصيل الشخصية والإمساك بمفاتيحها النفسية والشخصية، والانسجام مع الشخصية والتحكم في نبرات الصوت والجسد بما يلائم الشخصية وإطلاق العنان للخيال، وتخيل كيف كانت تعيش هذه الشخصية، ومن ثم تقديمها.
تلك القدرات الفنية وثراؤه الفني في التشخيص وتميز أسلوبه بطريقة مؤثرة ومتقنة، جعلته يتمتع بحضور قوي على الشاشة وجذب انتباه الجمهور، وجعلته أيقونة ومدرسة فنية خاصة اقتدى بها زملاؤه من الفنانين مثل الفنانة إلهام شاهين التي قالت: “أنا تلميذة في مدرسة الأستاذ نور الشريف”، وأيضًا الفنانة آثار الحكيم التي قالت: “نور الشريف مدرسة فنية تعلمنا منها الكثير”، وغيرهم من الفنانين الشباب مثل: عابد عناني وأحمد صفوت الذي شاركه مسلسل “الدالي”، والفنان عصام السقا، الذي برز مؤخرًا في مسلسل “جعفر العمدة” قائلاً: “أنا من مدرسة نور الشريف في التمثيل وأسير على خطاه”.
شارك الفنان نور الشريف في أفلام سينمائية مميزة حققت نجاحًا كبيرًا، وتركت أثرًا وبصمة قوية في صناعة السينما المصرية والعربية، وتعكس واقع المجتمع وتنقل رسائل اجتماعية هامة، منها: الإخوة الأعداء، السكرية، الشيطان يعظ، العار، جري الوحوش، أهل القمة، ضربة شمس، حبيبي دائمًا، ليلة ساخنة، آخر الرجال المحترمين، عمارة يعقوبيان.
كما ناقش في أفلامه العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية العامة التي تميزت بالجرأة في تناول الأفكار والتمثيل، وخاض بسببها العديد من المعارك الفنية ورغم ذلك حصد الكثير من الجوائز الفنية والتكريمات المحلية والدولية حتى أطلق عليه زملاؤه «صائد الجوائز».
يعتبر نور الشريف من الفنانين الذين استخدموا الفن كوسيلة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة، مثل: العدالة الاجتماعية والفساد والحرية وحقوق المرأة. كما شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية التي تناولت قضايا الفقر والظلم الاجتماعي. ومن أبرز كلماته “الفن ليس مجرد تسلية، بل هو وسيلة للتواصل والتأثير على الآخرين”، و”الفن هو الوسيلة التي يستخدمها الفنان للتعبير عن رؤيته للحياة والعالم”، و”الفن هو لغة عالمية تجمع بين الثقافات وتتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية”، و”الفن هو رحلة داخلية تساعدنا على استكشاف أعماق أنفسنا وفهم العالم من حولنا”، و”الفن هو الحياة والحياة هي الفن، فلا يمكننا تجربة الحياة بدون فن”.