فيلم الوصول “Arrival” الرواية ضد السينما
سلطان فادن
لا شك أن فن الرواية الذي بدا كجنس أدبي في القرن الثامن عشر ميلادي، له أثر في معايشة مشاعر جديدة ولغة أدبية تحسن المفردات اللغوية وإثراء للخيال، وأيضًا فرصة للهرب من الواقع. في نفس الوقت، فإن فن السينما “الفن السابع” أصبح حاليًا يجمع الفنون المرئية والسمعية، وأصبح يحطم حواجز الزمان والمكان عبر أعمال راقية، حتى أصبح فنًا شعبويًا يعكس ويؤثر على النضج الثقافي لمحبيه.
فإن كان من عناصر الرواية القصصية الزمان والمكان، فرواية قصيرة مثل “قصة حياتك Story of your life” من نوعية الخيال العلمي التي كتبها المؤلف “تيد شيانغ” عام ١٩٩٨م، وصلت مرحلة من التخيل تم سردها بطريقة تفكيكية كسرت عنصري الزمان والمكان. قصة مثيرة للتفكير، وتطرح سؤالاً: هل استشراف المستقبل هبة أو لعنة! سرد القصة كان عبر الشخصية الرئيسية “لويز بانكس” لزمنين مختلفين، ضمن جو من الغموض يترك القارئ في تساؤل مستمر عن كشف الحقائق.
إذًا كيف تم تحويل مثل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي؟ الأعمال السينمائية المقتبسة والمبنية على روايات هي قديمة وتعود إلى سنوات قليلة بعد تطور السينما الناطقة، وليست كل هذه “الترجمات السينمائية” كانت ناجحة. يقول الممثل الأميركي المخضرم دونالد ساذر لاند: ليس هناك تجسيد أو تصور للقصة، بل هو انطباع المخرج أو الكاتب السينمائي عن القصة.
قلة هم الذين نجحوا في عكس الرواية إلى فيلم ناجح فنيًا وجماهيريًا. وأغلب الإخفاقات كانت في طريقة عكس القصة على الشاشة.
فيلم “الوصول Arrival” ٢٠١٦م، هو من الأفلام القليلة من هذه النوعية التي لاقت نجاحًا على الصعيدين الفني والتجاري “منصة روتن توميتو منحتها ٩٤٪ من النقاد و٨٤٪ من الجمهور”.
فلسفة الفيلم: يتمسك فيلم “الوصول” بنهج نشوئي تجاه اللغة: فهو يهتم بكيفية تأثير اللغة في إدراكنا، وعلى طريقة نيتشه، فإن اللغة عبارة عن سلسلة من الإنشاءات “مثل فكرة الزمن” فوفقًا لفيلم “الوصول”، تشكل لغاتنا البشرية بناء خطيًا للزمن.
إخراج ممتاز بواقعية آسرة من المخرج المتميز دينيس فيلانويف. موضوعه الرئيسي عن أهمية اللغات والتواصل، وبطريقة غير معقدة. فيلم ذكي وراقٍ متفوق ومليء بالرمزية، يجدد شغف وحب السينما. كان أساسه بناء دراما خاصة بالسينما للرواية، وخلط مع خيال علمي لا ينافسه في هذه النوعية إلا فيلم “Interstellar” من ناحية التنقل أو التلاعب بالزمكان. فيلم موجه لجمهور محبي خيال الفضاء “الناضجين” ولكن ليس بالمعنى التقليدي للمخلوقات الفضائية.
فهو فيلم نجح في تحقيق أهدافه بالتركيز على بناء الدراما والتأثير به، بطريقة يتحدى مشاهديه ويوجعهم ثم يفاجئهم في تصورهم لتسلسل القصة عن طريق “منعطف Twist”، بطريقة لا تختلف عن الرواية ولكن بطريقة سينمائية. دعمه أداء قوي في إظهار العاطفة من الممثلة إيمي أدامز، مع تميز في التصوير السينمائي وموسيقى الفيلم.
من أجمل التقنيات السينمائية في الفيلم المشاهد المظلمة، فهي تهدف إلى تسليط الضوء على الفرق بين ما قبل تغير وعي بطلة الفيلم وبعده. وتمثل المشاهد الأكثر إشراقًا تحول «لويز بانكس» إلى حالة وعي جديدة تسمح لها برؤية مستقبلها.
فيلم لا يمكن وصفه في أسطر مكتوبة، جماله في غموضه وسرده، وهو في هذا لا يقل عن جمال الرواية الأصل، ولكن بإبداع سينمائي.
مقولة الفيلم: لويز بانكس نقلت ما قالته أرملة الجنرال الصيني “في الحرب ليس هناك فائزون، فقط هناك أرامل”.
المصدر: سوليوود