الطاغي مألوف والمألوف غالب
فاطمة العدلاني
الكترة غلبت الشجاعة
الطاغي مألوف والمألوف غالب، وصلنا للقاع أو للقمة لا نعي ما دُمنا نرى الوجهة من زاويتنا.
تخيل أن الطريق شِقين ذهاب وإياب وأنت ذاهب ترى الإياب عودة وأنت عائد تري الذهاب في الجهة المقابلة عودة أيضا ولا يزال السائرين آنذاك يرونها ذهاب! بنفس البساطة ما دُمت في نفس الوجهة لن ترى أنك في الاتجاه المعاكس أبدا كما لن يرى أبدا من في الاتجاه المعاكس أنك في وجهتك ذاهب وليس عائد! “كل يرى بحسب عدسته الخاصة”
مثل أقرب للبديهيات لكنه يحوي أحد المباديء والأسرار الكونية التي نعيشها، ما الذي يفرض علي مجموعة من الأفراد سلوكًا معينًا؟! هل كونه شائعًا يبرر فرضيته؟! أم هل رهبة الاختلاف تضع الحق باطلا والباطل حقا! ما الذي اتفق عليه جمع العُرف حتى جلسوا وحكموا على العوام بالانحدار! ومتى حدث ذلك؟ أين كان ذوو الضمير والمبادئ متمسكوا الدين نعم الدين الذي أصبح دائما محل خشية ذكر رأي مبني عليه حتي لا يُنتقد؟! كأننا لسنا لنا مراجع إلا عقولنا، ليس لنا مبدأ إلا ما نستحسنه ونهواه!
أَتُرِك البشر لهواهم حتي وصلوا وأوصلونا معهم لآخر الزمان، به من يعض علي دينه عالمُمسك جَمرا من نار، والذي يضع اعتبارا لضميره وقيمه “شخصا قفل”!!
الكثرة غلبت الشجاعة والطاغي مألوف والمألوف غالب فما مألوف العصر؟!
أُحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث المألوف فيه الحرية الشخصية والذي يختلف معناها تماما عن ما يمكن أن يكون قد وصل إليك، لا تتسرع وتأهل لسماع ما يمكنك فعله إذا كنت تسمع عن مركبة تطير في الجو وتحمل بشرا من بلد لبلد؛ تأهل لكونك في القرون الأولى وتسمع خبرا عن الطائرات لأول مرة في حياتك.
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث الحرية الشخصية التي تتضمن اللاأخلاق ولن أضع فواصل واستثناءات حتى لا يتطرق ذهنك لبعيد كما يقولون، دعه يذهب لأبعد ما يمكنك استيعابه!
الحرية الشخصية التي أصبحت كل ما يمكن أن يتعدي على الغير. ملابس فاتنة للفتيات تصف وتشف، مساحيق تجميل مبالغ فيها حتى وكأنها لا تُدرك معنى أن تستعرض ما هو أغلى من أن يظهر للعوام، أصبحت أن تسير في الشارع حتى ترى عجبا من الزمان في ذهول من المسابقة الأنثوية في من تظهر بهرجها وتفاصيل جمالها أكثر.
أحدثك من قرن المهرجانات التي يتكرم فيها الراقصات كالأم المثالية وتُصنف ضمن طبقات vip في المراسم والمداخل.
أحدثك من القرن الواحد والعشرين الذي يقام به احتفالات للعراة فقط يسترون عوراتهم وربما أيضا يتخلون عن ذلك
تحت مسمى الأوبن مايند أو العقل المنفتح.
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث الأمان المعدوم ولو أننا نستطيع القياس ماديا لوجدنا كيف أننا وصلنا للأمان بالسالب و لظهر ذلك بترموتر القياس، حين يتم اختزال الشهامة علي مرئي ومسمع من البشرية لا أعلم كم مرة قرأت في الآونة الأخيرة عن معترضي الفتيات في الشارع بل والتعدي عليهم أمام العامة ولم يذكر الخبر مرة أن تعرض أحدهم للمعتدي وانتقل من صف المشاهدين للتعدي إلى معترضيه.
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث فئة المصورين! نعم لمَ تنذهل من التسمية؟ في عصرنا انتقلنا لتطور جديد اسمه التكنولوجيا حيث انعدام الخصوصية، فئة المصورين هم فئة تغلب ثلتين المجتمع يصورون كل شيء وأي شيء ويعرضونه في الشارع.. أعتذر أقصد مواقع التواصل الاجتماعي. ما الذي يصورونه ولماذا؟! سأخبرك أولا يبدأون بتصوير الأماكن المتواجدين بها وأنفسهم ثم يصورون وسائل التنقل الخاصة بهم ثم بيوتهم ثم أفراد أسرتهم ثم حياتهم اليومية حتي كوب الماء كل هذا يُباع في الشارع.. أعتذر أقصد يُنشر علي مواقع التواصل الاجتماعي. أُخطأ كثيرا في التسميات، انا لا أعلم سوى أن مسكن أحدهم كان علي قدر عالي من الرفض للإقامة به لأننا كنا نقول كلمة مشهورة بين أجدادنا على المسكن أنه “مجروح” وهي كلمة تعني أن السكن غير معزول بما يكفي لئلا يلمح أحد نساء البيت.. الآن أصبح الشارع داخل البيت كاميرا تصور وترصد الحياة الشخصية والأسرية بين الزوج وزوجته والأب وأبنائه والاخ وأخوته كل هذا في شاشة عرض لملايين البشر داخل البيت مع الأسرة يضحكون ويتحدثون ويتشاجرون كله معرض العامة معرض وفي بعض الأحيان عمل أيضا لكسب المال.
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث قيمة الإنسان من القيمة المادية للعلامة التجارية لحذاؤه، ومن اسم ساعته، ونوع عربيته أو مكان سكنه!
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث أصبحنا نعمل لنعيش لا نعيش لنعمل .
أحدثك من القرن الواحد والعشرين الذي قتل فيه أحدهم أحدهم وسط الظهيرة وفصل رأسه عن جسده وسط جمع من البشر يصورون ” ضمن المرض التصويري الذي ذكرته سابقا من الفئة المصورين ” ، وبنفس المبدأ بالطبع إذا رأي حريق يندلع في طابق سكني. رُبما ينشغل بالتصوير عن اخبار المطافي ” عمي التكنولوجيا في التصدر والسبق الخبري نسي الإنسانية دورها ”
أحدثك من القرن الواحد والعشرين حيث العلاقات غير الرسمية “مرتبطين بلغة العصر” أشيك ومن لا يرضاها يشكك بنفسه من كثرة النقد واتهامه بالباطل أنه “معقد” ويا حبذا لو كانت العلاقة بمنطلق ومسمى آخر ظريف للغاية “صديق، صديقة، best friend”! من الذي ابتدع أن هذا مبرر للتواصل؟! ألم ينهي خالقهم عن الصداقات بين الجنسين قال تعالي (ولا متخذات أخدان) والخدن في اللغة يعني الصاحب أي أنها لا تتخذ صاحبًا وعلى غرازه لا يتخذ كذلك هو صاحبه. فمنذ متى أصبحت علاقة الصداقة بينهم طبيعية ومن يرفضها هو الرجعي؟!
تركوا البوصلة التي تُقيد الاتجاه وتشير إليه وكلا بهواه يحكم وينشر حتى انتشر في العصر ما لا يرضى الله ولا يرتضيه ذويه.
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث اختفت الفئة الآمرة الناهية الذاكره للمباديء والعقائد وكأنهم فقدوا الأمل من ما رآوه، ومعهم عذرهم فيم يصنعون،
ماذا يصنعون في كوب ماء كُبّ فيه نهر حبر؟!
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث اختفى الأديب الموسوعة والقاريء بشراهه بل والقاريء أصلا، ظهرت كتابات وانتشرت في الوسط تحتوي على كتابات لو رآها أصغر كاتب من قرنين ماضيين لشعر أنها نكته من فرط الهذل الذي وصلنا إليه فمثلا في بعض الكتب في يد الشباب هذه الأيام لمحت سطور فيها “خبط السبت دماغي وأنا ماشية تحت البلكونة….لابلابلابلا ”
لعلك توقعت محتوى الكتاب ومستوى القراءة والأدب وعلى نتاجه مستوى العقول التي نشأت وهي ترى هذا هو نوع الكتابات والأدب العصري.
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث يقولون “ناقشني بعيدا عن الدين” “أنا رأيي بدون بقى عقد…”
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث شك أهل الحق في أنفسهم من فرط بجاحة أهل الباطل وشيوعهم وفرط عددهم.
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث الطالح غلب الصالح حتى بدا الصالح رجعي متشدد وأحيانا ساذج.
أحدثكم من القرن الواحد والعشرين حيث أصبح من يوافق رأيه رأي كاتب بمثل هذا المقال مضموم لصفوف الرجعيين وشاذ عن المجتمع في فكره وغريب في رأيه ولعل أحدهم يخبرك أنه يجب عليك أن تبحث عن طبيب نفسي لمعالجة رؤيتك للحياة، وبصراحة أكثر وواقعية أكثر للأسف ستشعر للحظة بأنك بالفعل رُبما تحتاج ذلك من فرط قلب الموازين .