الوعي واللا وعي
فاطمة العدلاني
ليست الأشياء كما تبدوا وليس دائمًا ما نعتقد به حتى عن أنفسنا يكن صحيحا، أيبدو هذا غريبًا؟!
كنت أعتقد بشكل جازم أنني لا أحب الكتابة ولا أهوى القراءة مثل الكثير، كنت أشعر بالملل في منتصف الورقة وأكملها كما لو أنني أنتظر رسالة خاصة لي من كاتب قد دُفن منذ مئات السنين.
حين وجدت بين طيات الأوراق الصديق الوفي سأخبركم كيف كان شعارًا أمامي وهميًا ثم عشته واقعا، كنت أشعر بالوحدة في سفري كل يوم وتنتابني نفسي ربما شق على البشر تحملي فلم يخطر ببال أحد أن يسأل عني في الصباح وكأنه ليس طبيعيًا أن يصحوا الإنسان في السادسة صباحا ليذهب إلى وجهته دون محادثة البشر وأين هم وهم نائمون! لكنه اللاوعي الدراماتيكي الذي ينقذه كل يوم، كتابًا جديدًا ليغذيه بما هو أنفع له.
واليوم كان من نصيب غذاء العقل كتابًا لم أجد في حقيبتي سوى كتابًا لإحسان عبد القدوس أخذني لعالم آخر حين وجدت اسمه (الهزيمة كان اسمها فاطمة) فأخذني الغرور لعالم آخر من الشغف.. أنا فاطمة، فمن تكون فاطمة التي هزمت!؟
صوت من اللاوعي عازم على تصميمه يقول “يثقل عليّ كتابة كل شيء فالقلم والكتاب يذكروني دائمًا كما لو مازلت في المدرسة” ثم أُكمل في صمت وشغف كتاب الهزيمة الذي ترك كل أسماء الفتيات وجاء باسمي وكأنني انتظر لو أن إحسان عبد القدوس داخل الكتاب وأنا على صدد معاتبته في بعض أوراق الكتاب، ولكن هكذا اكتشفت حبي للقراءة حين رأيت كم من السهل أن أقرأ كتابًا كاملًا دون ملل وأدركت حينها أنها “ليست الفكرة ولكنها الطريقة”، أدركت أنني فقط لم أكن لأبحث عما يروقني، لم يأت الورق الذي يجذب انتباهي.
ورقًا عمره أعوام وأعوام منذ أن تعلمت الكتابة وأنا أشكي لها كصديقة مقربة وحتى اﻵن أظن أنني لا أحب الكتابة!! أضحكني ظني العنيد حتى أنه من الواضح أن الكتابة هي من تحبني!
اتخذت من الورق صديقًا لا يفشي سرًا ولا تؤرقني منه نفسي بعد الفصح ولا أخجل سوى خشية أن يقرأ أحدهم ما كتبت يدي عن فرحي لكلمة وحزني لحرفٍ فأظهر كم أن روحي هشه وليست كما تبدوا.
أعلم كم أن الحظ لم يحالفني أن أحظى بصديقة العمر نكبر سويًا ويشرح صدري بالحديث معها لساعات أئتمنها على أسراري التي لا أخبرها لنفسي، ربما لا أود أن أخبر إحداهن في الواقع عن حياتي الشخصية أو ﻷنني لم أجد من العقول ما أثق به حتى اﻵن، تجاوزت العشرين وما زلت أشعر أنني بالمكان غير المناسب، كل الأمور تبدوا بطريقتي الخاصة لا تشبه أحد وكنت أعتقد أن هذا هو الطبيعي لأن لكل إنسان فكره الخاص وبصمته التي لا تتكرر وعقله وسيكوليچيته، ولكن الغريب في الأمر أن المتشابه كثير جدًا مما أحدث بفكري الشاذ الفريد وليس بالضرورة أن يكون الشاذ سيئا فالشاذ هو ما انفرد عن الجمع، أحدث تشابه الفكر والتصرف في السلوك للمجتمع طفرة لأولي الطابع المتميز المنفردين عن الجمع الشاذين عن القطاع فظهر أولئك كما لو كانو ليس بموطنهم.
أخرجت صندوقًا لي باﻷمس من دولاب خاص بي مغلق لسنوات ولا أدري كيف لطفلة لم تتجاوز السادسة أن يخطر ببالها هذا!
وجدت ورقًا منذ السابعة منذ أن كان خطي نسخا متلاصقا كطلاصم غير مفهومة، ورق من زميلاتي بآخر يوم بالمرحلة الإبتدائية، كلمات عابرة وقصاصات ورقية،
نصف قلادة بنصف قلب لي والنصف الآخر معها ومكتوب عليها بالإنجليزية أصدقاء إلى الأبد ورقم مرفق معها، ساقني شغفي إلى الهاتف حتى أسأل عنها فما أن سمعت صوتها حتي أخبرتني أنها ما زالت محتفظة بالقلادة وأنها تفقدني وتبحث عن رقمي للتو في نفس اللحظة “أصدفة أم ماذا؟ ”
وجدت ورقًا أيضًا لرفيقات الثانوية بنفس الطريقة لا أعرف هل كنت اقترح نفس الشيء في كل فترة دراسية وأنني منذ المهد أحب الكتابة! اللاوعي “أنا لا أحب الكتابة”
ولكن ما لفت انتباهي أنني لا أحب القراءة والكتابة فكيف طرأ لي بالفكر منذ الطفولة أن أكتب مجلدات التواريخ هامة بها ما أسعدني وأشد ما طرأ علي وأبكاني!
اللاوعي “أنا لا أحب الكتابة” ضحكت حين تذكرت ما فعلته بعد عامًا ونصف من دراستي بالجامعة أنني أيضا حينها جمعت وريقات من رفيقاتي بها كلمات عابرة لا زلت أحتفظ بها! ما هذا ! اللاوعي ” أنا لا أفضل الكتابة ”
أحيانا يعتقد الإنسان بالخطأ حتي عن نفسه ولكن إذا نصب كمينا من الوعي لللاوعي سيصدر حكما ذاتيا بنفسه علي نفسه بالأدلة والبراهين :
أنا لا أحب القراءة أنا أهواها وأعشقها
ولا أحب الكتابة أنا فقط أراها حياتي
ولا أحب الكتابات الورقية والجوابات القديمة والتلغراف والمراسلات النصية أنا فقط مغرمة بها.