
في آخر يوم من 2025.. لا تنتهي الحكاية
ملك الحازمي
ليس كل من أنهى عامه مثقلاً كان عاجزاً، ولا كل من بدا متماسكاً كان في سلام. ففي آخر يوم من 2025، يقف كثيرون أمام أنفسهم وهم يشعرون بأن هذا العام لم يمر كما مرّت أعوام سابقة، شيء ما تغيّر في الداخل، ليس على شكل حزن واضح، ولا على هيئة طمأنينة كاملة، بل كتبدّل هادئ في طريقة النظر للحياة وللذات.
في مثل هذه التحولات، يظهر الألم ليس كحدث عابر، بل كتجربة تمتد وتبحث عن مخرج. وحين لا يجد هذا المخرج طريقه في الحديث أو التفسير أو حتى البكاء، يتجه بصمت إلى مسارات أخرى، إلى الكتابة، إلى العمل، إلى التعلّم، إلى الإبداع بوصفه وسيلة بقاء أكثر منه ترفاً. من منظور علم النفس، يُفهم هذا المسار بوصفه تعويضاً انفعالياً صحياً، حيث يُعاد توجيه الشحنة العاطفية المؤلمة نحو نشاط منتج يمنح الفرد إحساساً نسبياً بالسيطرة في وقت تراجع فيه شعوره بالأمان.
هذا التحول لا يُلغي الألم ولا يُنكره، لكنه يُعيد تنظيمه داخلياً، ولهذا نلاحظ أن بعض أكثر الفترات قسوة تكون مصحوبة بتركيز أعلى وإنتاج صامت لكنه عميق. فالعقل، حين يشعر بالتهديد، يبحث عن وسائل تحافظ على توازنه، ويأتي الإبداع هنا كأحد أنقى أشكال هذا التنظيم النفسي، لا لأنه يحل المشكلة، بل لأنه يجعلها قابلة للاحتواء.
ولهذا، لا يظهر هذا التحوّل دائماً بوضوح، ولا يُلاحظ من الخارج، لكنه يُعاش في التفاصيل الصغيرة. في الالتزام اليومي، في الاستمرار رغم التعب، وفي القدرة على النهوض في اليوم التالي دون ضجيج أو إعلان.
وربما لهذا السبب، حين نتأمل تجارب كثير من الناس، نلاحظ أن جزءاً كبيراً من طاقتهم الإنتاجية لم يكن وليد استقرار أو رفاه، بل خرج من احتكاك مباشر بالألم، ومن محاولات داخلية لإعادة التماسك، ومن حاجة صادقة لأن يكون للحياة معنى يمكن الإمساك به. وفي 2025، يتكرر هذا المشهد بصورة أكثر وضوحاً، أشخاص واجهوا خيبات أو خسارات ثقيلة، ولم يتوقفوا عندها، بل أعادوا توجيه طاقتهم نحو العمل أو التطوير أو البدء من جديد.
هذا لا يعني أن الألم انتهى أو تلاشى، بل يعني أنه تغيّر شكله، فأصبح أقل فوضى وأكثر وعياً، وأقرب لأن يُحتوى بدل أن يُقاوَم. وهنا يظهر الفرق بين من يغرق في ألمه، ومن يسمح له أن يتحرّك في اتجاه لا يستهلكه بالكامل، ولا يختزل حياته في تجربة واحدة مهما كانت قاسية.
وإذا كنت اليوم، في آخر يوم من هذا العام، تلاحظ أنك أصبحت أكثر إنتاجاً بعد التعب، أو أكثر وعياً بعد الصدمة، أو أكثر صدقاً مع نفسك بعد الخذلان، فهذا لا يعني أنك تجاوزت ما حدث أو انتهيت منه. قد يعني فقط أنك وجدت طريقة تعيش بها معه دون أن يبتلعك، أو أنك منحت مشاعرك مساراً أقل إيلاماً للخروج، حتى لو لم يكن هذا المسار نهائياً.
لا أحد يطلب منك أن تكون بخير، ولا أن تطوي الصفحة، ولا أن تبدأ من الصفر. بعض التجارب لا تُغلق بنهاية عام، بل تُعاد قراءتها بهدوء، وتستمر في تشكيلنا ونحن نمضي. أحياناً يكفي أن نواصل السير، وأن نسمح للألم أن يتحوّل إلى حركة لا إلى ثِقل، وإلى طاقة تُبقي الحياة ممكنة، لا كاملة.
المصدر: سبق



