عملية دقيقة تنقذ حياة مريض أربعيني بعد نزيف دماغي حاد في مستشفى الدرعية
الترند العربي – متابعات
في إنجاز طبي يعكس تطور القدرات الصحية في المملكة العربية السعودية، نجح فريق متخصص في جراحة المخ والأعصاب بمستشفى الدرعية، عضو تجمع الرياض الصحي الثالث، في إنقاذ حياة مريض أربعيني كان يعاني من نزيف دماغي خطير ناتج عن تشوّه شرياني وريدي عميق، في حالة نادرة تتطلب تدخلًا عالي الدقة وخبرة متخصصة. العملية المعقدة، التي أجريت باستخدام تقنيات جراحية وتنظيرية متقدمة، جاءت لتؤكد جاهزية المنظومة الصحية السعودية في التعامل مع الحالات الحرجة وتقديم رعاية متقدمة تضاهي أكبر المراكز الطبية العالمية.

الحالة الطارئة التي قلبت مسار يومٍ عادي
بدأت القصة عندما وصل المريض البالغ من العمر 42 عامًا إلى قسم الطوارئ في مستشفى الدرعية وهو يعاني من صداع حاد ومفاجئ، يصاحبه دوار واضطراب في الوعي. وخلال وقت قصير، أظهرت المؤشرات الأولية احتمال وجود نزيف داخلي خطير داخل الدماغ، ما استدعى استنفار الفريق الطبي المختص.
الفريق الطبي أوضح أن الأعراض التي ظهر بها المريض تُعد من العلامات التحذيرية التي تدل على وجود نزيف نشط داخل الجمجمة، وهو ما يتطلب تدخلاً طبيًا سريعًا، لأن التأخر في التعامل مع مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى تدهور مفاجئ في الوظائف العصبية.
فحوصات دقيقة تكشف وجود تشوّه شرياني وريدي خطير
بعد دخول المريض إلى غرفة الفحص العاجل، خضع لسلسلة من الفحوصات شملت الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي، إضافة إلى قسطرة الدماغ التشخيصية. وقد كشفت النتائج وجود تشوّه شرياني وريدي (AVM) يقع بالقرب من البطينات الدماغية—وهي منطقة شديدة الحساسية لدرجة قد تجعل الوصول إليها جراحيًا محفوفًا بالمخاطر.
التشوّه الشرياني الوريدي يُعد من أبرز أسباب النزيف الدماغي لدى الشباب، ويتميز بوجود شبكة من الأوعية الدموية غير الطبيعية التي تسمح بمرور الدم من الشرايين إلى الأوردة دون المرور بالشعيرات الدموية، ما يرفع احتمالية الانفجار والنزيف في أي لحظة.

خطورة موقع التشوّه وتأثيره على حياة المريض
موقع التشوّه قريبًا من البطينات الدماغية جعل الأمور أكثر تعقيدًا، إذ أن أي تدخل غير دقيق قد يؤدي إلى المساس بمراكز حيوية مسؤولة عن الحركة، الإدراك، الذاكرة، والتوازن. كما أن النزيف في هذه المنطقة قد يتسبب في ارتفاع خطير في ضغط الدماغ، ما يؤدي إلى فقدان الوعي أو حتى الوفاة إذا لم تتم السيطرة عليه بسرعة.
التقرير الطبي أكد أن حجم التشوّه ونشاطه الدموي يجعلان نسبة الخطر مرتفعة، ما يتطلب قرارًا طبيًا عاجلًا بالتدخل الجراحي المباشر لمنع حدوث نزيف ثانٍ قد يكون مميتًا.
قرار طبي مصيري: التدخل الجراحي العاجل
بعد تقييم الحالة من قبل فريق من جراحي المخ والأعصاب واستشاريي الأشعة التداخلية، تقرر أن الحل الأمثل هو استئصال التشوّه بشكل كامل عبر تدخل جراحي دقيق مع الاستعانة بالقسطرة الدماغية كأداة مساعدة لتحديد أماكن الشرايين المغذية للتشوّه.
هذا النوع من العمليات يحتاج إلى غرفة عمليات مجهزة بالكامل بتقنيات رؤية ثلاثية الأبعاد وأجهزة مراقبة عصبية متقدمة تساعد الفريق على العمل بدقة متناهية لتجنب أي ضرر للمراكز العصبية.
تجهيزات معقدة قبل دخول غرفة العمليات
قبل البدء في العملية، خضع المريض لجلسة تقييم كامل لوظائفه الحيوية، كما جرت تهيئة فريق التخدير لتأمين السيطرة على العلامات الحيوية طوال ساعات الجراحة. وتم وضع خطة جراحية تتضمن ثلاث مراحل أساسية:
- إيقاف النزيف الحالي والسيطرة عليه
- ربط الأوعية الدموية المغذية للتشوّه
- استئصال التشوّه بالكامل
هذه الخطة تمت بالتنسيق بين 12 من المختصين، منهم جراحو مخ وأعصاب، وأخصائيو أشعة، وأطقم تمريض مدربة على العمليات الدقيقة.

ساعات من الجراحة الدقيقة داخل غرفة العمليات
دخل المريض غرفة العمليات في حالة مستقرة نسبيًا، وبدأ الفريق الطبي عملية الاستئصال التي استمرت عدة ساعات. استخدم الفريق تقنية القسطرة الدماغية أولًا لتتبع مسار الأوعية الدموية غير الطبيعية، ثم بدأ الجراحون العمل على إزالة التشوّه بصبر ودقة شديدة.
أحد الجراحين أكد أن العمل على منطقة البطينات يعد من أكثر العمليات حساسية في طب الأعصاب، لأن أي خطأ بسيط قد يؤدي إلى تأثيرات عصبية دائمة. ومع ذلك، تمكّن الفريق من تنفيذ العملية دون أي مضاعفات تُذكر، بفضل استراتيجيات جراحية متقدمة وأجهزة مراقبة دقيقة.
نجاح كامل للعملية دون مضاعفات
بعد الانتهاء من الاستئصال، خضع المريض للفحوصات الفورية للتأكد من عدم وجود أي تسرب دموي أو نشاط غير طبيعي في الدورة الدموية داخل الدماغ. وأظهرت النتائج أن التشوّه تم استئصاله بالكامل، وأن الدماغ عاد إلى مستواه الطبيعي من الضغط.
المريض نُقل بعدها إلى العناية المركزة لمراقبة وظائفه العصبية بدقة على مدار 48 ساعة، قبل أن يبدأ في استعادة وعيه تدريجيًا دون تسجيل أي خلل عصبي ملحوظ.
تعافٍ سريع يغلق صفحة الخطر
بعد أيام قليلة من العملية، تمكن المريض من الجلوس والتحرك والتحدث بصورة طبيعية. كما أثبتت الفحوصات التالية أن الدورة الدموية الدماغية مستقرة ولا توجد أي مؤشرات على عودة النزيف.
وفي نهاية الأسبوع الأول بعد الجراحة، غادر المريض المستشفى بصحة جيدة مع برنامج متابعة يمتد لثلاثة أشهر للتأكد من تعافيه الكامل.
تصريح الفريق الطبي: إنجاز جديد يؤكد جاهزية القطاع الصحي
استشاري جراحة المخ والأعصاب الدكتور عبدالعزيز المبارك، والذي قاد الفريق الجراحي، أكد أن التشخيص المبكر والتدخل الجراحي السريع هما مفتاح إنقاذ حياة المريض.
وأوضح أن مثل هذه الحالات كانت في السابق تمثل تحديًا كبيرًا، لكن التطور الهائل في تقنيات التصوير الطبي والجراحة العصبية في المملكة جعل من الممكن التعامل معها بكفاءة عالمية.
دور تجمع الرياض الصحي الثالث في دعم التخصصات الدقيقة
نجاح العملية يعكس مستوى التطور الذي تشهده منشآت تجمع الرياض الصحي الثالث، والتي تعمل ضمن منظومة القطاع الصحي السعودي لتقديم خدمات متقدمة في التخصصات الحرجة. ويأتي هذا ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى رفع جودة الحياة ودعم الخدمات الصحية التخصصية.
نقلة نوعية في علاج التشوّهات الشريانية الوريدية
تعد هذه العملية واحدة من العمليات النادرة التي تتطلب الدمج بين الجراحة الدقيقة والقسطرة الدماغية في آن واحد، وهو أسلوب علاجي لا يتوفر إلا في مراكز طبية متقدمة.
كما أن المملكة أصبحت خلال السنوات الأخيرة بيئة جاذبة للكوادر الطبية المتخصصة، ما ساعد في رفع مستوى الإنجازات الطبية وتحقيق نتائج تضاهي أفضل المراكز العالمية.
توعية المجتمع: خطورة إهمال الأعراض العصبية المفاجئة
الخبراء أكدوا أن أعراض مثل الصداع الشديد المفاجئ، فقدان التوازن، الإغماء، أو ضعف الأطراف، يجب التعامل معها كحالات طارئة، لأن التشوّهات الشريانية قد لا تعطي أعراضًا واضحة إلا عند حدوث نزيف.
وتُشدد وزارة الصحة على أهمية التوجه الفوري للطوارئ عند ملاحظة أي علامات تشير إلى نزيف دماغي، لأن الساعات الأولى تُعد حاسمة لإنقاذ حياة المريض ومنع المضاعفات.
ما هو التشوّه الشرياني الوريدي؟
هو اتصال غير طبيعي بين الشرايين والأوردة داخل الدماغ، يؤدي إلى تدفق دم مرتفع الضغط قد يسبب نزيفًا مفاجئًا.
هل الجراحة هي الحل الوحيد؟
تعتمد طريقة العلاج على حجم التشوّه وموقعه، وقد تُستخدم القسطرة أو الأشعة التداخلية في بعض الحالات.
ما فرص الشفاء؟
مرتفعة جدًا إذا تم التدخل مبكرًا وفي مركز متخصص يمتلك خبرات جراحية متقدمة.
هل العملية آمنة؟
نعم، ومع التقنيات الحديثة أصبحت أكثر دقة وأمانًا خاصة عند إجرائها في مراكز متقدمة مثل مستشفى الدرعية.
اقرأ أيضًا: “إنجاز طبي في العلا.. إنقاذ كلية شابة بعملية نادرة تُجرى لأول مرة بالمحافظة”



