رسالة الأرض إلى المجهول.. نصف قرن على أجرأ محاولة للتواصل مع الفضاء
الترند بالعربي – متابعات
تحلّ اليوم الذكرى الحادية والخمسون على واحدة من أكثر اللحظات جرأة في تاريخ التواصل البشري: إرسال رسالة راديوية إلى الفضاء تحمل معلومات عن كوكب الأرض وسكانه، عبر تلسكوب أريسيبو الشهير في بورتوريكو عام 1974. لم تكن التجربة مجرد إشارة عابرة، بل كانت حدثًا علميًا وإنسانيًا جمع بين طموح الإنسان في اكتشاف ما وراء الحدود، وبين قلقه من أن يكون هذا التواصل بابًا لشيء مجهول.
وقد أعادت الجمعية الفلكية بجدة فتح ملف هذه التجربة بمناسبة مرور 51 عامًا على إطلاقها، مسلّطة الضوء على تفاصيل الرسالة، وأجواء إطلاقها، والجدل العلمي والفلسفي الذي أثارته. فهذه الرسالة التي تسبح حتى اليوم في عمق الفضاء، ما زالت تشكّل علامة فارقة في تاريخ علم الفلك، وفي تاريخ علاقة الإنسان بالمجهول.

الرسالة التي أرادت أن تعرّف الكون بالإنسان
يشرح المهندس ماجد أبو زاهرة، رئيس الجمعية الفلكية بجدة، أن الرسالة التي أُطلقت من تلسكوب أريسيبو لم تكن مجرد كلمات أو رموز، بل كانت بثًا قويًا للغاية استمر لثلاث دقائق فقط، لكنه حمل في داخله عدة طبقات من المعلومات:
- بيانات عن العناصر الكيميائية الأساسية على كوكب الأرض.
- وصفًا مبسطًا لتركيب الحمض النووي DNA.
- رسمًا لشكل الإنسان وأنظمة القياس.
- توضيحًا لموقع الأرض داخل النظام الشمسي.
- مخططًا يرمز إلى تلسكوب أريسيبو نفسه، وكأنه توقيعٌ علمي للرسالة.
تم إرسال هذه المعلومات بصيغة الشفرة الثنائية (0 و1)، من خلال تغيير طفيف في التردد يصل إلى 10 هيرتز، وهو الأسلوب ذاته الذي كانت تستخدمه مودمات الكمبيوتر في إرسال البيانات عبر خطوط الهاتف.

إلى أين تذهب الرسالة؟
وفق الحسابات الفلكية، تتجه الرسالة إلى عنقود النجوم ميسييه 13 (M13)، وهو تجمّع هائل يضم حوالي 300 ألف نجم على بعد 25 ألف سنة ضوئية من الأرض.
ورغم أن الرسالة ستحلق في الفضاء لأكثر من 13 ألف سنة قبل الوصول إلى المنطقة المستهدفة، يؤكد الخبراء أن الهدف لم يكن التواصل المباشر، بل إظهار قدرة الإنسان العلمية والتقنية في تلك الحقبة، وتوثيق لحظة تطور حضاري.

جدل العلماء: هل كانت خطوة حكيمة؟
منذ إطلاق الرسالة وحتى اليوم، ظلّ الجدل قائمًا بين العلماء حول ما إذا كان هذا النوع من الإشارات خطوة حكيمة أم مخاطرة غير محسوبة.
مخاوف بعض العلماء
- كشف موقع الأرض لمخلوقات قد تكون أكثر تقدمًا أو عدائية.
- صعوبة توقع طبيعة الحضارات الفضائية إن وُجدت.
- إمكانية إساءة تفسير مضمون الرسالة.
الرأي المقابل
- فرص التقاط الرسالة ضئيلة جدًا بالنظر إلى اتساع الكون.
- وجود أي حضارة قادرة على التقاط الإشارة يعني أنها متقدمة بما يكفي لتكون غير معنية بالغزو.
- الرسالة كانت “احتفالًا علميًا” أكثر من كونها محاولة تواصل حقيقية.

لحظة الإطلاق.. عندما صمتت القاعة وهتف الفضاء
وُضعت مكبرات صوت في القاعة التي شهدت الحدث، وعُرضت “الترجمة الصوتية” للإشارة لحظة إرسالها. وما إن سمع الحضور تلك الترددات حتى خرج معظمهم إلى الخارج، لينظروا إلى التلسكوب العملاق الذي كان يرسل أعظم رسالة عرفها الفضاء من البشر حتى ذلك الوقت.
يصف الحضور تلك اللحظة بأنها كانت مزيجًا من الدهشة والخوف والانبهار. فقد كان البشر للمرة الأولى يرسلون بطاقة تعارف إلى الكون الواسع.

تلسكوب أريسيبو.. منبع الرسالة وحديقة الأسئلة
تلسكوب أريسيبو الراديوي، الذي غمر القلوب رهبة منذ تأسيسه في ستينيات القرن الماضي، لعب دورًا كبيرًا في:
- اكتشافات فلكية مهمة.
- تتبع الكويكبات القريبة من الأرض.
- دعم برامج البحث عن الحياة خارج الأرض (SETI).
- رصد موجات الجاذبية في بدايات اكتشافها.
ورغم انهيار التلسكوب عام 2020، ما زال إرثه العلمي يزداد لمعانًا، وتظل رسالة أريسيبو أحد أبرز إنجازاته.
ماذا لو تلقى أحدهم الرسالة؟ سيناريوهات العلماء
1. حضارة متقدمة علميًا
ستتمكن من تحليل الرموز والشيفرة بسرعة، وقد ترد بإشارة مماثلة.
لكن الرد سيستغرق آلاف السنين للوصول.
2. حضارة أقل تطورًا
ربما لن تستطيع تفسير الإشارة، وقد تفسرها كظاهرة طبيعية.
3. حضارة عدائية
يرى بعض العلماء أنه إن وُجدت حضارة عدائية متقدمة بما يكفي لالتقاط الرسالة، فإن موقع الأرض معروف أصلاً من إشعاعاتها الراديوية العشوائية على مدار عقود.
ماذا تعني الرسالة لنا اليوم؟
بعد مرور نصف قرن على إطلاقها، أصبحت رسالة أريسيبو:
- رمزًا لطموح الإنسان.
- مثالاً على التعاون العلمي الدولي.
- دليلًا على أن الإنسان يبحث دائمًا عن معنى أوسع لوجوده.
- علامة على أن العلم يمكنه تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية.
كما أنها تذكر البشرية بأنها جزء صغير من كون هائل، وأن السعي لاكتشاف الآخر — حتى المجهول — جزء أصيل من طبيعة الإنسان.
الرسالة التي ما زالت تسبح في صمت الفضاء
تواصل الرسالة رحلتها الطويلة في ظلام الكون، بينما يواصل العلماء على الأرض التساؤل:
- هل يوجد هناك أحد ليستقبلها؟
- هل نحن وحدنا؟
- هل يمكن أن يأتي يوم نتلقى فيه إشارة مشابهة؟
وحتى يأتي ذلك اليوم، تظل رسالة أريسيبو شهادة علمية على شغف البشر بالمعرفة.
هل يمكن أن تصل الرسالة إلى كائنات فضائية فعلًا؟
احتمالية التقاطها ضعيفة جدًا نظرًا لمسافة 25 ألف سنة ضوئية، لكن من حيث المبدأ فهي ممكنة.
ما الهدف الحقيقي من إرسال رسالة أريسيبو؟
إظهار قدرة الإنسان التقنية وتوثيق حدث علمي تاريخي، أكثر من محاولة تواصل فعلية.
هل يمكن أن تكون هناك مخاطر من إرسال رسائل إلى الفضاء؟
البعض يرى أنها مخاطرة، بينما يرى آخرون أن الإشعاعات الراديوية للأرض تكشف موقعنا أصلًا.
لماذا اختير عنقود M13 تحديدًا؟
لأنه غني بالنجوم، ما يزيد احتمالية وجود كواكب صالحة للحياة حوله.
اقرأ أيضًا: مرصد الختم الفلكي يوثق ظهور هلال شهر جمادى الأولى



