انفجار ساكوراجيما.. بركان يوقظ اليابان على فجرٍ رمادي يهزّ سماء كاجوشيما
الترند بالعربي – متابعات
مع الساعات الأولى من فجر اليوم، استيقظت محافظة كاجوشيما في جنوب غربي اليابان على واحد من أكثر المشاهد الطبيعية قوةً وإثارة، بعدما انفجر بركان ساكوراجيما مطلقًا أعمدة كثيفة من الرماد والدخان ارتفعت في السماء حتى 4400 متر، في مشهدٍ بدا وكأنه لوحة كونية تتقاطع فيها النار مع الغبار ومع ضوء الفجر الباهت الذي غطّته الغيوم البركانية الداكنة. الحدث الذي وثّقته وكالة الأرصاد الجوية اليابانية أعاد إلى الواجهة واحدًا من أنشط البراكين في العالم وأكثرها مراقبة، وسط حالة ترقب وقلق طبيعيين لدى السكان، رغم الاعتياد النسبي على نشاط هذا البركان التاريخي.

ساكوراجيما.. بركان لا ينام في الجنوب الياباني
يُعتبر بركان ساكوراجيما أحد أكثر البراكين نشاطًا في الأرخبيل الياباني، وتاريخه الطويل الممتد عبر آلاف السنين جعله علامةً بارزة في الوعي الجغرافي والجيولوجي للبلاد. موقعه على بعد بضعة كيلومترات فقط من مدينة كاجوشيما يمنح أي ثوران أهمية مزدوجة؛ فهو مشهد طبيعي مذهل، لكنه في الوقت نفسه عامل يثير الحذر، إذ إن قربه من السكان يجعل متابعة نشاطه أمرًا لا ينفصل عن حسابات السلامة اليومية. لذلك تتعامل السلطات اليابانية مع ساكوراجيما كبركان نشط دائمًا، لا يتوقف عن إرسال مؤشرات تحتاج للمراقبة.
وعلى الرغم من أن اليابانيين اعتادوا منذ زمن طويل على محددات بيئية معقدة تشمل الزلازل والتسونامي والبراكين، فإن كل ثوران جديد يعيد السؤال الأبدي حول مدى استعداد المناطق القريبة لمواجهة أي تصاعد مفاجئ في النشاط البركاني، خصوصًا في ظل الطبيعة الجغرافية للمنطقة.

فجرٌ مضطرب.. أعمدة الرماد ترتفع فوق 4 كيلومترات
لم يكن انفجار ساكوراجيما الأخير مجرد ثوران عابر، فقد تحدثت وكالة الأرصاد عن أعمدة رماد ودخان وصلت إلى ارتفاع 4.4 كيلومترات في غضون دقائق قليلة، وهو ما جعل السكان القريبين يشعرون برهبة المشهد، رغم تأكيدات السلطات بعدم وجود إصابات أو خسائر مادية حتى لحظة إصدار البيان. وترافق ارتفاع الرماد مع صوت هدير عميق يُسمع عادةً في الانفجارات البركانية، ما يعكس القوة الداخلية التي تدفع المواد البركانية إلى السطح تحت ضغط هائل.
وتشير السجلات البركانية إلى أن ساكوراجيما اعتاد إصدار انفجارات متفاوتة القوة، بعضها بسيط لا يتعدّى إرسال دخان خفيف، وبعضها ـ مثل ما حدث اليوم ـ يمتد إلى أعمدة سميكة تغطي أجزاء واسعة من السماء، وتصل أحمالها إلى مناطق مجاورة بفعل الرياح.

استمرار النشاط البركاني بعد الانفجار الأولي
أكدت وكالة الأرصاد اليابانية أن الثوران لم يكن حدثًا منفصلًا، بل تبعه نشاط مستمر، وهو أمر معتاد مع هذا النوع من البراكين التي تملك غرفًا صهارية نشطة ودائمة الحركة. يُتوقع أن يستمر انبعاث الرماد لفترات متفاوتة، ما قد يؤثر على جودة الهواء في بعض مناطق محافظة كاجوشيما. كما رجّحت الوكالة تساقط الرماد على عدد من المناطق، وهو ما يستوجب احتياطات من السكان والسائقين، خصوصًا في الطرق التي يمكن أن تتأثر بالرؤية الضعيفة الناتجة عن تراكم الغبار البركاني.
وفي الوقت الذي لم تُصدر فيه السلطات اليابانية أي تحذيرات من تدفقات بركانية أو حمم متقدمة، فإن استمرار انبعاث الرماد يشير إلى أن النشاط تحت السطح لا يزال ديناميكيًا، وأن مراقبة الساعات المقبلة ستكون ضرورية لتقييم التطور.
ساكوراجيما بين الجغرافيا والتاريخ.. لماذا يثير هذا البركان كل هذا الاهتمام؟
ينتمي بركان ساكوراجيما إلى فئة البراكين “النشطة للغاية”، وهو محاط بتكوينات طبيعية تجعل غليانه الداخلي جزءًا من المشهد الدائم. تاريخيًا، شهد البركان انفجارات كبيرة مثل ثوران عام 1914 الذي كان الأقوى في تاريخه الحديث، حين تحولت الجزيرة البركانية الصغيرة إلى شبه جزيرة بعد تدفقات حممية ربطتها بالبر الرئيسي.
وتشير الدراسات إلى أن ساكوراجيما يأتي ضمن حزام “Ring of Fire” الذي يضم عددًا من أعنف البراكين والزلازل في العالم، وتتحرك صفائحه الأرضية باستمرار، ما يجعل النشاط الجيولوجي جزءًا من الدورة الطبيعية للحياة في المنطقة.
ما يميز ساكوراجيما عن غيره هو قربه الشديد من المناطق المأهولة بالسكان، وهو ما يجعل التعامل معه معادلة دقيقة تجمع بين العلم والخبرة والاحتياطات المتقدمة التي طورتها اليابان عبر عقود طويلة من التعايش مع الظواهر الطبيعية.

الرماد البركاني.. من خطر بيئي إلى مشهد طبيعي خلاب
رغم أن الرماد البركاني قد يشكل تحديات صحية وبيئية، إلا أن له جانبًا فريدًا يمنحه جمالًا بصريًا خاصًا. فالرماد حين يتصاعد بهذا الشكل الكثيف ويحجب جزءًا من ضوء الشمس، يخلق تكوينات ضوئية تشبه اللوحات الطبيعية، وتنعكس على الغلاف الجوي بألوان رمادية وزرقاء وبرتقالية في بعض الأحيان. كثير من المصورين وعشاق الطبيعة يتابعون ثورانات ساكوراجيما تحديدًا لالتقاط صور نادرة لهذه الظواهر.
لكن خلف الجمال هناك ضرورة للاحتياط، إذ قد يؤثر الرماد على التنفس، وعلى حركة الطيران، وعلى البنية التحتية. وفي بعض الحالات يتسبب الرماد المتراكم في تعطيل الطرق والمركبات، وهو ما دفع السلطات اليابانية إلى متابعة التطورات بدقة لضمان تنبيه السكان في الوقت المناسب.
نظام الإنذار والتحذير الياباني.. نموذج عالمي في الاستعداد
لا يمكن الحديث عن ساكوراجيما دون الإشارة إلى منظومة التحذير المتقدمة التي تعتمدها اليابان، حيث تعمل عشرات المحطات البركانية على رصد الزلازل الصغيرة تحت البركان، ودرجة حرارة الغازات، ونوعية الانبعاثات، وحركة الأرض حول المخروط البركاني. كل هذه البيانات تُمكّن السلطات من إصدار تقييمات فورية وتحديد مستوى الخطر.
وفي حالة الثوران الأخير، أكدت وكالة الأرصاد أن الوضع لا يستدعي رفع مستوى التحذير إلى درجة الإخلاء، ما يعكس اطمئنانًا نسبيًا بأن الثوران كان ضمن الإطار المتوقع، وأنه لم يكن ذو طابع انفجاري مدمّر يمكن أن يشكل تهديدًا مباشرًا للسكان.
المحافظة تستعد للاحتمالات.. ولا إصابات حتى الآن
رغم أن الثوران لم يُسجل أي إصابات بشرية أو خسائر مادية، فإن السلطات المحلية في كاجوشيما رفعت مستوى الجاهزية، وبدأت في إصدار إرشادات للسكان، تشمل تجنّب المناطق المكشوفة في حال استمرار تساقط الرماد، واستخدام الأقنعة الواقية عند الضرورة، والحذر أثناء القيادة في المناطق التي تتأثر بالرؤية المنخفضة.
وتشير إجراءات الطوارئ المحلية إلى أن السلطات اليابانية تتعامل مع هذه الحوادث باعتبارها جزءًا من طبيعة المنطقة، لكنها لا تستهين بأي احتمال قد يؤدي إلى تأثيرات أكبر، خصوصًا مع وجود مجتمعات سكنية قريبة من نطاق البركان.
المشهد العلمي.. ماذا يعني هذا الثوران لخبراء البراكين؟
وفق التحليلات الأولية، يبدو أن الثوران الأخير كان ناتجًا عن ضغط داخلي متصاعد في غرفة الصهارة، وهو ما دفع الغازات والرماد للخروج بقوة. العلماء الذين يدرسون ساكوراجيما يعتبرونه مختبرًا طبيعيًا حيًا، إذ يوفر بيانات غنية عن كيفية حركة الصهارة، وعن طبيعة التغيرات الجيولوجية التي تسبق الانفجارات.
الارتفاع الكبير للأعمدة البركانية يشير إلى قوة حرارية كامنة، وهو ما يدفع الباحثين إلى مراقبة احتمالات حدوث انفجارات لاحقة. ومع ذلك، فكل المؤشرات الحالية تؤكد أن النشاط يميل إلى الثورانات المتوسطة التي لا يُتوقع أن تتحول إلى ثوران ضخم ما لم تظهر علامات إضافية.
ساكوراجيما من جديد.. بركان يفرض حضوره على جدول العالم الإخباري
لا يمر نشاط بركاني في اليابان دون أن يستحوذ على اهتمام العالم، نظرًا لأهمية المنطقة جغرافيًا واقتصاديًا وديموغرافيًا. فاليابان ليست دولة يمكن للمخاطر الجيولوجية أن تمر بها دون أن تجعل العالم يلتفت. وساكوراجيما تحديدًا حاضر دائمًا في نشرات الأخبار العلمية والبيئية، ويُعد واحدًا من البراكين الأكثر تصويرًا في العالم.
الصور التي خرجت اليوم للسماء الداكنة فوق كاجوشيما كانت كافية لجعل الثوران يتصدر وسائل الإعلام الدولية، رغم عدم وجود خسائر. وهذا يعكس حالة الاهتمام العالمي بالبراكين باعتبارها ظواهر طبيعية مهيبة لا تزال حتى اليوم تُذكر الإنسان بقوة الأرض وطاقتها الكامنة.
هل يشكل ثوران ساكوراجيما خطرًا على السكان؟
حتى الآن، لم تُسجل أي إصابات أو أضرار، وتشير التقييمات إلى أن النشاط ما يزال ضمن المستويات المتوسطة.
هل يتوقع حدوث انفجارات أكبر؟
العلماء يراقبون تطور النشاط، لكن لا توجد مؤشرات فورية على ثوران ضخم.
هل يؤثر الرماد البركاني على الرحلات الجوية؟
قد يؤثر في بعض الحالات عند ارتفاع الكثافة، لكن لم تُعلن أي اضطرابات حتى الآن.
ما سبب ارتفاع أعمدة الدخان إلى 4400 متر؟
يعكس ذلك القوة الحرارية والضغط الداخلي في غرفة الصهارة التي دفعت الرماد بقوة كبيرة نحو الغلاف الجوي.
اقرأ أيضًا: المبطي يكتب المجد في ميدان الجنادرية.. ذهبية تضع الفروسية السعودية في صدارة الرياض 2025
