“إنجاز طبي سعودي غير مسبوق.. علاج أورام الدماغ بالإشعاع داخل العملية بمدينة الملك عبدالله الطبية”
الترند العربي – متابعات
في خطوة تُجسّد التقدّم النوعي الذي يشهده القطاع الصحي السعودي ضمن نموذج الرعاية الصحية الحديثة، أعلنت مدينة الملك عبدالله الطبية بالعاصمة المقدسة – عضو تجمع مكة المكرمة الصحي – عن نجاحها في إجراء أول علاج إشعاعي من نوعه في المملكة لأورام الدماغ باستخدام تقنية الإلكترونات داخل العملية (Intraoperative Electron Radiotherapy – IOERT)، وهي تقنية تُنفّذ داخل غرفة العمليات مباشرة بعد استئصال الورم، وتُعد من أحدث الطرق في علاج الأورام عالية الخطورة عالميًا.

تدخل دقيق لمريض ستيني أنهى معاناته خلال أسبوع
بدأت قصة النجاح عندما استقبلت المدينة مريضًا يبلغ من العمر 66 عامًا يعاني من انخفاض في مستوى الوعي وشلل نصفي في الجانب الأيسر من الجسم، وهي أعراض تُنذر بوجود مشكلة عصبية خطيرة.
وبعد سلسلة من الفحوصات الدقيقة، شملت التصوير المقطعي والرنين المغناطيسي المتقدم، تبيّن وجود ورم دماغي متكرر من النوع عالي الدرجة (High-Grade Glioma)، وهو أحد أكثر أنواع الأورام شراسةً وصعوبة في العلاج.
تقرر على الفور إجراء تدخل جراحي عاجل لاستئصال الورم، إلا أن الفريق الطبي قرر تطبيق خيارٍ مبتكر لم يُنفّذ من قبل في المملكة، وهو العلاج الإشعاعي بالإلكترونات أثناء العملية الجراحية نفسها.
وخلال العملية، وبعد استئصال الورم بدقة، استخدم الفريق جهاز الإشعاع داخل غرفة العمليات لتوجيه جرعة عالية من الإلكترونات مباشرة إلى منطقة الورم المستأصل، ما سمح باستهداف الخلايا السرطانية المتبقية في المكان نفسه دون الحاجة لتكرار الجراحة أو تأجيل العلاج الإشعاعي التقليدي.
وبعد أيام قليلة، أظهر المريض تحسنًا تدريجيًا ملحوظًا في الوعي والحركة، واستعاد قدرته على المشي دون مساعدة، ليغادر المستشفى بعد أسبوع واحد فقط من العملية وهو في حالة صحية مستقرة وخالية من المضاعفات.

تقنية “IOERT”.. ثورة في علاج الأورام الدقيقة
تُعد تقنية الإشعاع بالإلكترونات داخل العملية (IOERT) من أحدث ما توصّل إليه الطب في مجال علاج الأورام العصبية.
فبدلاً من انتظار تعافي المريض بعد الجراحة لإجراء جلسات الإشعاع الخارجية، يتمّ تطبيق العلاج الإشعاعي فور استئصال الورم داخل غرفة العمليات، باستخدام طاقة إلكترونية دقيقة تستهدف فقط المنطقة المصابة دون المساس بالأنسجة السليمة المحيطة بالدماغ.
وتكمن أهمية التقنية في أنها تقلّل من احتمالية عودة الورم، وتختصر مدة العلاج الكلي من عدة أسابيع إلى جلسة واحدة داخل العملية، كما تقلل من المضاعفات العصبية الناتجة عن الإشعاع التقليدي، وتتيح للمريض التعافي السريع واستئناف حياته اليومية في وقت قياسي.
وتُستخدم هذه التقنية في عدد محدود من المراكز الطبية المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وبهذا الإنجاز تدخل مدينة الملك عبدالله الطبية نادي المؤسسات الطبية الرائدة التي تطبّق هذا النوع من العلاج المتطور، في إنجاز يُعد الأول من نوعه على مستوى المملكة ومنطقة الشرق الأوسط.

تكامل الفرق الطبية.. سرّ النجاح
أكدت المدينة الطبية أن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا التكامل الكامل بين الفرق المتخصصة، حيث شارك في الإجراء فريق من جراحي المخ والأعصاب، وأطباء علاج الأورام الإشعاعي، والفيزياء الطبية، والتخدير، والتمريض الجراحي، إلى جانب الدعم الفني من إدارة المعدات الطبية والهندسة السريرية.
وقد تمّ استخدام أنظمة توجيه رقمية عالية الدقة لتحديد موضع الجرعة الإشعاعية أثناء الجراحة، بحيث تُسلّط الإلكترونات على المنطقة المستهدفة دون تجاوز الحدود الآمنة للأنسجة العصبية السليمة، وهو ما يتطلب تنسيقًا لحظيًا بين الجراح وأخصائي العلاج الإشعاعي والفيزيائي الطبي.
وقال أحد أعضاء الفريق الجراحي إن الدقة في توزيع الإشعاع كانت شبه ميكروسكوبية، مشيرًا إلى أن التقنية سمحت بتقليل مدة العملية بنسبة 30% مقارنة بالعمليات التقليدية، وخفض احتمالية عودة الورم بشكل كبير.
الأثر الإكلينيكي والتقني للعلاج داخل العملية
تكشف الدراسات الحديثة أن العلاج الإشعاعي داخل العملية يوفّر جرعة علاجية أكثر فاعلية بمرتين مقارنة بالإشعاع الخارجي، لأنه يُطبق في بيئة خالية من العوائق الحيوية كالجلد والعظام، مما يسمح بوصول الإشعاع مباشرة إلى الخلايا السرطانية المتبقية بعد الجراحة.
كما أن هذا النوع من العلاجات يقلل من زمن التعافي الكلي بنسبة تصل إلى 50%، ويُجنّب المريض تكرار الجراحات أو التنقل المستمر بين العيادات الإشعاعية، وهو ما يُعد تحولًا جذريًا في إدارة أورام الدماغ عالية الخطورة.
ويُسهم أيضًا في خفض التكلفة الإجمالية للعلاج، إذ يتم تقليص عدد الجلسات الإشعاعية الخارجية من 25 إلى جلسة واحدة، ما يقلل العبء المالي على المريض والمؤسسة الطبية في آنٍ واحد.
مدينة الملك عبدالله الطبية.. نموذج وطني للرعاية التخصصية المتقدمة
تُعد مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة من أكبر المراكز المرجعية في المملكة في مجالات علاج الأورام، وجراحة الأعصاب، وزراعة الأعضاء، والعناية المركزة المتقدمة.
وقد نجحت خلال الأعوام الأخيرة في تنفيذ برامج علاجية متقدمة، شملت زراعة النخاع، والعلاج المناعي، والجراحة الروبوتية، إلى جانب اعتمادها كمركز تدريبي معتمد من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
ويمثل هذا الإنجاز الجديد خطوة إضافية في مسيرة المدينة نحو تحقيق الريادة الإقليمية في الطب التخصصي عالي التقنية، بما يواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تعزيز جودة الحياة وتوطين الخدمات الطبية المعقدة داخل المملكة، دون الحاجة لتحويل المرضى إلى الخارج.
العلاج الإشعاعي الموجّه بالإلكترونات.. كيف يعمل؟
تُستخدم الإلكترونات في هذه التقنية كحاملات طاقة عالية السرعة تُوجّه مباشرة إلى منطقة الورم عبر ذراع إشعاعي محمول داخل غرفة العمليات.
وتُعدّ دقتها العالية إحدى أبرز مزاياها، إذ يتم ضبط عمق اختراق الإشعاع بدقة ميليمترية، لتفادي أي تأثير على الأنسجة العصبية السليمة.
كما تتيح هذه التقنية للأطباء تحديد جرعة مخصصة لكل مريض بناءً على خصائص الورم وحجمه وموقعه في الدماغ.
ووفقًا لتقارير الفيزياء الطبية بالمدينة، فإن نسبة الأمان في تطبيق الجرعة تجاوزت 99.7%، وهو ما يجعل هذا الإجراء من أكثر تطبيقات العلاج الإشعاعي أمانًا على الإطلاق.
تعاون علمي وبحثي مع مؤسسات دولية
أكدت المدينة الطبية أن هذا الإنجاز جاء ثمرة شراكات علمية مع مراكز عالمية متقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تمّ تدريب الكوادر السعودية على أحدث أجهزة العلاج الإشعاعي داخل العملية، بالتعاون مع مختبرات الفيزياء الطبية في جامعة فيينا الطبية ومركز هايدلبرغ للأورام بألمانيا.
كما تخطط المدينة لإطلاق برنامج بحثي سعودي لدراسة فعالية التقنية على المدى الطويل، ومقارنة نتائجها مع المرضى الذين يتلقون العلاج الإشعاعي الخارجي، بهدف تطوير بروتوكولات علاجية وطنية متخصصة في أورام الجهاز العصبي المركزي.
انعكاسات طبية وإنسانية واسعة
لم يكن هذا النجاح مجرد إنجاز تقني، بل رسالة إنسانية تؤكد أن الطب السعودي بلغ مرحلة النضج والقدرة على ابتكار الحلول محليًا.
فالمريض الستيني الذي استعاد حركته ووعيه بعد أسبوع من العملية يُجسّد المعنى الحقيقي للتحول الطبي في المملكة، حيث تتلاقى الخبرة البشرية بالتقنية الحديثة لخدمة الإنسان.
وقالت إدارة المدينة إن مثل هذه العمليات تُعيد الأمل للمرضى الذين كانوا سابقًا يضطرون للسفر خارج المملكة للعلاج، مؤكدة أن جميع الإمكانات الآن متاحة داخل المملكة بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة للقطاع الصحي.
ما الفرق بين الإشعاع داخل العملية والإشعاع التقليدي؟
الإشعاع داخل العملية يُنفّذ مباشرة بعد استئصال الورم أثناء الجراحة، ويستهدف المنطقة المصابة بدقة دون تأخير، بينما الإشعاع التقليدي يُجرى بعد أسابيع من الجراحة عبر جلسات متعددة.
هل تُستخدم التقنية لكل أنواع الأورام؟
لا، فهي تُستخدم حاليًا في الأورام الصلبة عالية الخطورة أو المتكررة مثل أورام الدماغ والثدي والمستقيم، عندما يكون خطر عودة الورم مرتفعًا.
هل تسبب التقنية آثارًا جانبية خطيرة؟
نادرًا جدًا، لأن الإشعاع يُسلّط على منطقة محددة بعد إزالة الورم، مما يقلل من الضرر على الأنسجة السليمة ويخفض المضاعفات العصبية.
هل يمكن تطبيق التقنية في مستشفيات أخرى بالمملكة؟
نعم، تعمل وزارة الصحة والهيئة العامة للغذاء والدواء على تقييم التجربة لبدء تعميمها تدريجيًا في المراكز المتخصصة بالأورام خلال السنوات القادمة.
خاتمة
تؤكد مدينة الملك عبدالله الطبية بهذا الإنجاز أن المملكة تدخل مرحلة جديدة في طب الأورام العصبية المتقدم، حيث يُصبح العلاج بالإشعاع داخل العملية واقعًا سعوديًا لا إنجازًا مستوردًا.
وبين جراحٍ يحمل مشرط الدقة، وفيزيائيٍّ يضبط مسار الإلكترونات، وفريقٍ وطني متكامل يسعى لخدمة الإنسان، تتجسد قصة نجاح تُكتب اليوم في مكة المكرمة لتُضاف إلى سجلّ المنجزات الطبية السعودية المتصاعدة عالميًا.
إنها رسالة واضحة: الطب السعودي لا ينتظر التطور.. بل يصنعه.
اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي يكشف عن الأورام قبل تشخيص الطبيب بـ4 سنوات


