من هو المفكر؟

عمر غازي
في عام 1980، نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية حوارًا مع الفيلسوف روجيه غارودي بعد خروجه من الحزب الشيوعي، سأله الصحفي: “كيف تتراجع عن أفكارٍ أفنيت فيها شبابك؟”، فرد غارودي: “لأنني لم أعد أؤمن بها، والمفكر لا يخاف من مراجعة نفسه، بل يخاف من أن يعيش عمره سجين فكرة خائفة من السقوط”، لم تكن تلك إجابة دفاعية، بل كانت تلخيصًا صادقًا لتعريف المفكر.
المفكر لا يُعرّف بكم كتبه ولا بعدد متابعيه ولا بعدد المؤتمرات التي حضرها، بل يُعرف بسؤاله، بقلقه الداخلي الذي لا يهدأ، بقدرته على تفكيك القناعات لا لتدميرها بل لإعادة تشكيلها، فليس كل من فكر أصبح مفكرًا، كما أن من يردد ما سمعه لا يستحق لقب الباحث، لأن المفكر لا يقف عند حدود المعرفة بل يسائلها، لا يلتزم بالأجوبة الجاهزة بل يستفزه ما لم يُقل بعد.
في دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2019، تبيّن أن أكثر من 72% من من يُنظر إليهم كقادة فكريين في مجتمعاتهم، لم يكونوا من خريجي الفلسفة أو العلوم الإنسانية، بل من خلفيات مهنية وعلمية مختلفة، لكن القاسم المشترك بينهم كان قدرتهم على الربط بين المعرفة والواقع، والتحرر من ثنائية التقليد والانبهار، وهو ما يُميّز المفكر عن المثقف، فالمثقف يملأ رأسه بالمعلومات بينما المفكر ينقّب فيها ليهدم ويبني.
من يعتقد أن الفكر ترف نخبوي لم يختبر لحظة انكشاف أمام سؤال صعب، ولم يعش قلق الانفصال عن القطيع، لأن المفكر لا ينتمي للسلطة ولا للمعارضة، بل ينتمي للحقيقة، حتى لو كانت مُرّة، وحتى لو خسر بسببها ما لا يُعوّض، لأن الفكر ليس رأيًا صاخبًا في فضاء رقمي، بل موقف وجودي من الحياة.
ويبقى السؤال قائمًا: هل نحن في زمن يُنصت فيه الناس لمن يُفكر، أم أننا في زمن من يصرخ أكثر؟ وهل نحن بحاجةلمفكرين جدد، أم أن الحاجة هي لمجتمع يعيد احترام الفكر من جديد؟