عمر غازيكُتاب الترند العربي

صناعة الحب

صناعة الحب

صناعة الحب

عمر غازي 

في عام 1997، جلس عالم النفس الأمريكي آرثر آرون في مختبره مع عدد من المتطوعين الغرباء، وطلب من كل زوجين أن يطرحا على بعضهما 36 سؤالًا عميقًا، ثم ينظرا في عيون بعضهما لأربع دقائق بصمت، لم يكن الهدف إثارة المشاعر، بل دراسة القرب النفسي، لكن المفاجأة أن اثنين من المشاركين وقعا في الحب وتزوجا بعد أقل من ستة أشهر، كانت تلك التجربة العلمية واحدة من أولى المحاولات المنظمة لإثبات أن الحب لا يولد صدفة فقط، بل يمكن صناعته بتدرج ووعي.

الناس يظنون أن الحب شعور عشوائي، برق يضرب القلب دون مقدمات، لكن الحقيقة أن الحب، مثل أي علاقة بشرية عميقة، يحتاج إلى تصميم، إلى بناء متدرج يتأسس على الانتباه، والفضول، والرغبة في الفهم، وليس فقط على الانجذاب اللحظي، فبحسب دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2021 فإن العلاقات العاطفية التي بُنيت على فترات تعارف وتفاهم طويلة، واستكشاف مشترك للقيم والأهداف، تدوم بنسبة 60% أكثر من العلاقات التي تأسست على الإعجاب المفاجئ أو الظروف العابرة.

الحب ليس شعورًا يهبط من السماء، بل تجربة بشرية معقدة تتغذى على التفاصيل الصغيرة، على الرسائل غير المنطوقة، على الانصات، وعلى اختيار أن نبقى حتى عندما يكون الرحيل أسهل، وكل من يظن أن الحب مجرد شغف لحظي، سيتحول في أول مطب عاطفي إلى شخص يشتكي من الخذلان، بينما هو لم يمنح نفسه أو الآخر الوقت الكافي لبناء الحب، فالشعور دون بناء كالجدار دون أساس، جميل للحظة، وقابل للانهيار في أي لحظة.

ثقافة اليوم تقدم الحب كسلعة سريعة، كوجبة جاهزة لا تحتاج إلى جهد، المسلسلات، والمحتوى الرومانسي على المنصات، تبيع الناس وهمًا مفاده أن الحب الحقيقي يأتي في أول نظرة، وأن التفاهم يحدث دون كلام، وهذا ما يجعل كثيرين ينكسرون حين يواجهون الواقع، لأنهم لم يُدرَّبوا على الصبر في العلاقات، ولا على فن الصيانة العاطفية، فالحب يحتاج إلى مهارات، مثل أي مهارة أخرى في الحياة، يحتاج إلى تعلّم، وإلى إخفاق، وإلى إعادة محاولة.

لكن السؤال الحقيقي ليس عن وجود الحب، بل عن القدرة على صناعته، هل نستطيع أن نزرع مشاعر حقيقية بين شخصين لم يربط بينهما التاريخ أو المصادفة؟ الإجابة ليست رومانسية كما يتوقع البعض، بل علمية، فبحسب دراسة أجراها مركز العلاقات الاجتماعية بجامعة كاليفورنيا عام 2020، فإن الانفتاح العاطفي، والتعاطف، وتكرار التجارب المشتركة، ترفع احتمالية نشوء مشاعر الحب بنسبة 75%، وهي نتيجة تؤكد أن الحب لا يحتاج فقط إلى شرارة، بل إلى نار تُشعلها التفاصيل اليومية.

الحب ليس وهمًا، لكنه ليس معجزة أيضًا، إنه مشروع يمكن بناؤه حين تتوفر الإرادة، والاستعداد للمجازفة، والقدرة على تجاوز الصورة النمطية، فالحب لا يسكن في القصائد ولا في الورود وحدها، بل في الحديث الليلي عن الأحلام، في رسائل الاطمئنان، في الشراكة وسط الضغوط، وفي الالتزام حين تخفت المشاعر، وتبقى فقط الرغبة الصادقة في أن نكمل الطريق سويًا.

ويبقى السؤال: هل نبحث عن الحب كمنجم نادر؟ أم نبنيه كما تُبنى المدن، حجرًا بعد حجر، حتى يصبح بيتًا آمنًا في قلب الآخر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى