هزيمة النرجسي
عمر غازي
النرجسية هي اضطراب في الشخصية يتميز بوجود شعور متضخم بالأهمية الذاتية والحاجة المستمرة إلى الإعجاب، مع نقص في التعاطف مع الآخرين، فالشخص النرجسي يرى نفسه محور الكون، ويعتبر الآخرين مجرد أدوات لتحقيق رغباته، ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة أوهايو في عام 2014، يعتبر النرجسيون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات تؤذي من حولهم، مثل التلاعب والكذب والاستغلال، وذلك نتيجة لنقص التعاطف لديهم والاهتمام المفرط بأنفسهم، فالنرجسية ترتبط بمستويات عالية من العداء والتصرفات العدوانية، خصوصًا عندما يشعر النرجسي بأن مكانته مهددة.
قد يبدو الشخص النرجسي للوهلة الأولى واثقًا وجذابًا، ولكن التعامل معه يمكن أن يكون مدمرًا على المستوى النفسي، في دراسة نُشرت في مجلة “Personality and Social Psychology Bulletin” عام 2016، وُجد أن الأفراد الذين يتعاملون بشكل منتظم مع أشخاص نرجسيين يميلون إلى الشعور بالتوتر والقلق وفقدان الثقة بالنفس، حيث أن النرجسيين غالبًا ما يقومون بتقليل قيمة الآخرين ويقللون من شأنهم لرفع قيمة أنفسهم، مما يترك آثارًا نفسية عميقة على الضحايا، وتبين أن هذا النوع من العلاقات يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة مثل الاكتئاب والقلق المزمن.
من ضمن أشكال النرجسية التي تثير قلق العلماء بشكل خاص هو ما يعرف بالنرجسي الخفي، على عكس النرجسي التقليدي الذي يظهر بشكل واضح شعوره بالتفوق وحاجته إلى الإعجاب، فالنرجسي الخفي يتسم بمظهر أكثر هدوءًا وقدرة على التمويه، حيث يظهر النرجسي الخفي في البداية كشخص حساس وخجول، لكنه في الواقع يستغل الآخرين بطرق أكثر تحكمًا وتعقيدًا، وبحسب دراسة نشرتها جامعة ييل في عام 2017، فإن هذا النوع من النرجسية يمكن أن يكون أكثر ضررًا بسبب صعوبة التعرف عليه في البداية، مما يتيح له التلاعب بالآخرين لفترات طويلة دون أن يكتشف أمره.
فيما يتعلق بقدرة النرجسيين على التغيير أو العلاج، الأمر ليس سهلاً. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة أوسلو عام 2017، حيث أظهرت النتائج أنه من الصعب تحقيق تغيير جذري في سلوكيات النرجسيين بسبب عدم إدراكهم أو قبولهم لحاجتهم للعلاج، كما أن هذا الاضطراب يتميز بآليات دفاعية قوية تمنع الشخص من الاعتراف بمشكلته، مما يعقد من عملية العلاج، ومع ذلك، أوضحت الدراسة أن النرجسيين يمكن أن يستفيدوا من العلاج النفسي، ولكن فقط إذا تم تطبيقه بشكل مكثف وعلى مدى طويل، وركز العلاج على بناء التعاطف وتعديل السلوكيات المتعالية.
من ناحية أخرى، أظهرت دراسة حديثة من جامعة ستانفورد في عام 2021 أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يمكن أن يكون فعالًا جزئيًا في معالجة بعض جوانب النرجسية، خاصة فيما يتعلق بتقليل السلوكيات العدوانية وزيادة الوعي الذاتي، ومع ذلك، فإن نجاح العلاج يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد الشخص النرجسي لقبول التغيير والعمل على نفسه، وهو أمر نادر.
التعامل مع الشخص النرجسي يتطلب فهمًا عميقًا لطبيعة هذا الاضطراب، ووفقًا لدراسة نشرتها جامعة كاليفورنيا في عام 2018، فإن من المهم وضع حدود واضحة مع الشخص النرجسي لتجنب التلاعب العاطفي، حيث يميل النرجسيون إلى اختبار الحدود ومحاولة السيطرة على من حولهم، لذا فإن الحزم والثبات في التعامل معهم يعتبران من الأساليب الأكثر فعالية، كما أوصت الدراسة بالاعتماد على الدعم الاجتماعي، حيث يمكن أن يساعد التحدث مع الأصدقاء أو الاستعانة بخبير نفسي في التعامل مع الضغوط الناتجة عن العلاقات مع النرجسيين.
من خلال تجاربي الشخصية، يمكن القول إن هزيمة النرجسي لا تأتي من محاولة تغييره بقدر ما تأتي من حماية النفس ووضع الحدود الصحيحة، والتغلب على الهشاشة النفسية، وفي بعض الأحيان معاملته بنفس أسلوبه وقلب الطاولة عليه، فغالبًا ما يكون ضحية النرجسي شخص هش نفسيًا، بالإضافة إلى أن التعامل مع النرجسيين يتطلب وعيًا عاليًا وذلك لأنها شخصيات متلاعبة وتعمل على انتهاز نقاط ضعف الآخرين، ومع أن العلاج ممكن في بعض الحالات، إلا أن الواقع يشير إلى أن تغيير الشخصية النرجسية أمر أقرب إلى عالم الخيال.