القوطية والقصص الشعبية المصورة “بيني دريدفلز”
تغريد العتيبي
منذ تكوُّن القوطية كصنف، نشأت كصوت للعامة والثقافة الشعبية لكنّ ارتباطها بالرمزيات والمخيلات الظﻻمية جعلت منها مساحة للقراءة النقدية، سواء التحليلية النفسية أو الصدمات أو النظريات الثقافية والسياسية، ومحاولة قراءة أصابع الاتهام المصورة للوحشية، حيث أصبحت في الوقت المعاصر ترى على أنها جسر يجمع الأكاديمي بالثقافة العامة. لكن مع تزامن طباعة الروايات القوطية الكلاسيكية الطويلة قد تواجد بجانبها انتشار كبير لقصص مصورة تباع في الشوارع، تُدعى “بني دريدفلز” في القرن التاسع عشر، عودةً إلى قيمتها السوقية حيث بيعت بشيلنغ واحد في شوارع لندن، واحتوائها على قصص مفزعة سواء كانت تصويرات لجرائم حقيقة أو مستوحاة أو من وحي الخيال المطلق لقتلة ودموية وعنف بلا حدود، لأنها كانت تنشر مجهولة الهوية فلا يُعتمد لها اسم مؤلف أو ناشر معين. فقط كوسيلة إثارة ومتعة للعامة والقراء الذين استبعدهم «أصحاب الأقلام» والأكاديميون. من تلك القصص ذهب بعض النقاد إلى القول بأنها أحد أوائل الإلهام لما أصبح يعرف لاحقًا بالقصص المصورة أو الكومكيس؛ حيث إن تلك القصاصات الشعبية أيضًا أصبحت تقص وترسم الأساطير سواء الشعبية أو المعاصرة آنذاك، وتضع أيضًا مخاوف وصوت الشعب على الورق، كالحكم على القتلة أو توجيه أصابع الاتهام وغيره، فقد أشبعت وخلقت وغذت جدليات عدة في شوارع لندن العامة، بعيدة عن صوت ودائرة النقد والثقافة الرسمية. لكن رخص قيمتها وانتشارها السريع واعتمادها على الإثارة أكثر من الأساليب الأدبية فقد اجتاحت المخيلة العامة للقوطية. نتاج ذلك أيضًا تقدم مدى الرسم والتصوير في الدموية والإثارة ومدى الطلب لقصص وسلاسل معينة لأساطير أو قتلة، اعتقد العامة بوجودهم أو حولهم إلى كيانات خارقة مثل سلسلة جرائم سويني تود وجاك السفاح «الريبر»، وفارس الظلام وفارني مصاص الدماء وسبرينغفيلد جاك، وغيرهم الكثير، ممن ألهموا في حد ذاتهم أعمال قوطية أصبحت الأيقونة في صنف القوطية والرعب كدراكولا متشبعة ببعض عناصر فارني مصاص الدماء.
يرى البعض في الوقت المعاصر أن تلك القصاصات والحكايات ذات قيمة كبيرة وكأنما تمثل بودكاست الجرائم والحقائق في ذاك الوقت. لكنها خلقت بالطبع جدليات أخلاقية في من يمكن أن يقتني أعمالًا لم تكن تحت أي رقابة في تصوير الدموية والظلامية وأي شريحة تنتمي له وتستهدفه. فمن هنا بدأ أيضًا ينشأ هرم أدبي من يقتني تلك الأعمال الشعبية ومن يقرأ شكسبير أو الروايات الفكتورية الواقعية الطويلة. وامتد ذلك إلى ذعر مجتمعي، عندما لم يستطع المجتمع الفكتوري المحافظ والمتزمت في حصر تلك القصاصات الشعبية من الانتشار. بالرغم من ذلك كما ذكر فقد ألهمت أهم روايات القوطية كدراكولا عندما تفككت قيود العصر الفكتوري ومحاولته في تقسيم المنتجات الأدبية إلى «ذوق عالٍ» و«ذوق البسطاء». برام ستوكر من خلال دراكولا وأهميتها النقدية المعاصرة، وانتمائها إلى كلٍّ من الدوائر الأكاديمية، حيث تقام مؤتمرات كاملة مختصة في دراسة أدب مصاصي الدماء واقتباسات دراكوﻻ تحت اسم “دراكوﻻ” وجائزة “برام ستوكر” للاحتفاء بإرث أدب الرعب المعاصر والأوساط الشعبية كحفلات التنكر والهالوين وغيرها من تأثير عولمة القوطية حيث أصبح أب مصاصي الدماء والوجه الأكثر شهرة في الرعب.
لكن من أحد الانتقادات الموجهة في خضم العصر الفكتوري لتلك الحكايات المصورة هي عدم احتوائها على “هدف تربوي أو تعليمي أو أخلاقي”، حيث اقتنيت من قبل عديد من الأطفال في القرن التاسع عشر طارحة سؤالًا آخر في ما يريد أن يقرأ الأطفال والمراهقون وماذا يمكن أن يقدم صنفٌ يعتمد الإثارة والرعب لهذه الشريحة؟ صدى ذلك الصوت تكرر في منتصف القرن العشرين، عندما أصبح هناك ثورة وانفجار في مبيعات الكوميكس والقصص المصورة الأمريكية المعتمدة على الأبطال الخارقين، لكننا نرى بعضًا من تلك الجدليات متغلغلة هنا، حيث يقدم “كابتن أميركا” صورة العدالة الأميركية، ولا يقتل “باتمان” الرجل الوطواط أعداءه، وإنصاف الرجل الخارق “سوبرمان”. لكنّ تلك التصويرات انتقلت من صوت إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى لتصور مدى بساطة وسذاجة المفاهيم الأولية في خلق جو “هادف” عوضًا عن جذاب ومثير للتساؤل والتفكير، جاعلًا من قرائه عناصر في الاستجواب لتلك المفاهيم ومناقشتها، من خلال تقديم تحديات وتعقيدات أكثر.
لكن القصاصات الشعبية الفكتورية لم تعتمد أيًّا من تلك الأخلاقيات أو القيود، فكان جل اعتمادها هو على صنفها القوطية غير المراقبة، وانعدام المسؤولية في نشر المحتويات، لعدم نشر أسماء في الغالب، أو اتخاذ معظمهم ألقابًا، فكان الغالب ينشر ويرسم ما يشاء من مشاهد الرعب. لكن كما نرى التحول إلى القرن العشرين أتى بقصصه المصورة الخاصة وبأساليبه الأدبية المقننة، كالكوميكس الأمريكية أو الروايات المصورة، أو المانجا الياباني بتاريخها الفريد، بعيدًا عن تلك المؤثرات. ممهدة الطريق إلى الصورة الأدبية المعاصرة في تقبل وتنوع الأساليب الأدبية للحكايات والقصص. عوضًا عن الهرم الأدبي نرى كوكبة من الأصناف والتداخلات ناقلة صورة من البراعة والأصالة والقراءات النقدية لتلك الأعمال، سواء كوميك أو مانجا أو رواية مصورة، مكونةً أيضًا أصوات نقاشات فريدة في الرسم وأساليبه والاقتباسات من تلك إلى رسوم متحركة أو اقتباسات من لوحات فنية معروفة إلى قراءات في اختزالات الأسطر والمساحات البيضاء والأساطير التي ألهمت تلك الحكايات.
المصدر: سوليوود