التمهل لا البطء
محمد عبدالله الأنصاري
في سنة 1975 كان العالم يجلس في المقاعد الأولى لمشاهدة فيلم المخرج الكبير ستانلي كوبريك “Barry Lyndon”. قدم ستانلي في هذا الفيلم نوعًا من السرد والمشاهد قد يبدو غير مألوف الآن.. التمهل هو عنوان هذه التجربة، بمدة تصل إلى ثلاث الساعات أخذتنا كل ساعة في مسار قصصي بعيد عن الآخر في حياة باري. حاز فيلم Barry Lyndon جائزة الأوسكار حينها كأفضل فيلم، في أكثر الفترات السينمائية عمقًا بأفلام ثمينة “Godfather 1971″، و”Chinatown 1974”. بعد إلقاء نظرة عمومية حول السينما في جميع فتراتها، تنقسم الأفلام الكلاسيكية في نظري إلى “أفلام متمهلة” و”أفلام بطيئة” تبدو متشابهة جدًا حتى بالنسبة إليّ.. ولكن مشاهدة أعمال مثل Andrei Tarkovsky ، ومشهد الافتتاحية الشهير في فيلم sacrifice ، الكاميرا تزحف على مهل.. تتيح لنا كمشاهدين التمعن والتفكير في العالم المحيط بالشخصيات، بهذه الصورة كان يدعونا Tarkovsky نحو إعطاء المجال للشخصيات لتتنفس وأيضًا لأنفسنا. كما أن للعزف على أوتار التمهل أوزانًا وقوافي لا تسرد القصص على أجزاء متفككة فقط لتمنح الفيلم وقتًا كما يحدث في أفلام العصر الإلكتروني، حيث يكتمل في الفيلم كل العناصر السينمائية إلا المعنى، الذي يعتبر بالنسبة لفيلم المخرج Abbas Kiarostami في سنة 1997 Taste of Cherry ، أساسًا بنُيت عليه الرحلة.. في قصة قد تكون الأكثر تمهلاً، Kiarostami يمنحنا الفرصة لفهم اختيارات الشخصية في الفيلم التي قررت الانتحار، ومرافقتنا لهذا الرجل في رحلة بحثه عمن يدفنه تحت شجرة الكرز. قد تجد من يقول إن الفيلم المتمهل يجب أن يكون في حدود الساعتين إلى الثلاثة، ومن يقول إن الفيلم البطيء هو من يحاول الوصول إلى الساعتين، في حين أن التمهل هو الوجه الآخر للبطء ولكن بمغزى.
لا تبدو هذه المعركة غريبة على ريدلي سكوت المخرج الذي لا يقل عظمةً من نابليون نفسه برزمة أفلام مثل blade Runner وGladiator، لكن هنا لن نجول في أحياء نابليون المليئة بالدماء، بل سأتحدث عن اختيارات المخرج ريدلي سكوت، وسرده للقصة من منظور شخصية نابليون النرجسية كان مثيرًا للاهتمام، والطموح والأهداف الوهمية للمستعمر نابليون هي مسارنا، وحبيبته وزوجته جوزفين بدورها كانت بوصلة هذا العمل، الذي اختار فيه ريدلي أسلوبًا قد يبدو قريبًا لفيلمه Gladiator مع وجود الممثل خواكين فينيكس في دور نابليون بدلاً من راسل كرو. بدأ الفيلم في وتيرة سريعة كتسلق نابليون للعرش، والتمهل في الأحداث جاء في الجزء الثاني والثالث من العمل، باختلاف الآراء حول مدة الفيلم التي تمنح الفيلم شعور البطء وبانتظار الجميع للنسخة الأطول على منصة أبل، ولكن كتابة تسلسل الأحداث وارتفاع وقع الحروب، مع انخفاض الحماس في غرف السياسيين الفرنسيين منح الفيلم شخصية مختلفة، وتمهل ريدلي سكوت في سرد أحداث القصة وعدم الإكثار من مشاهد العنف والحروب قد يكون قريبًا بعض الشيء من رؤية المخرج ستانلي كوبريك في فيلم Barry Lyndon. ولو أن ستانلي لم يفارق الحياة بعد فيلمه الأخير Eyes wide shot لكان فيلم نابليون هو آخر أعماله بعدما أجرى بحثًا عميقًا على مدى سنوات وكتابته للسيناريو عن الشخصية، ولكن موت ستانلي كوبريك قبل أن يتم عمل السنوات بإنتاج الفيلم، وبعلاقة الصداقة التي جمعت ريدلي سكوت بالمخرج ستانلي كوبريك، فقد قرأ سكوت سيناريو كوبريك لنابليون والتوجه الفني الذي كان يريده كوبريك. وقال سكوت في مقابلة أجراها بعد إنتاج فيلم نابليون: «لقد قرأت نص كوبريك، وهو نسخة منa birth-to-death» . ويقول سكوت لـ«MovieMaker»: «أنا لا أعمل بهذه الطريقة، أحاول أن أحصل على رؤية داخلية حول ما هو مثير للاهتمام حول هذا الرجل، ستين معركة غير عادية، لكن المعارك والحركة قد تصبح مملة، يجب أن يكون الفيلم أكثر من مجرد أكشن، على الجمهور أن يخففوا ويتناسبوا مع مدى أهمية هذا الرجل الغامض”.
“هل يوجد رواية صحيحة للقصص والأحداث الواقعية؟” تساءل دائمًا ما يجول ويدور بعد مشاهدة فيلم كـ”نابليون”. لماذا لم يظهر ريدلي سكوت بشاعة الاستعمار؟ اختيار خواكين فينيكس لأداء دور شخصية نابليون قصير القامة، هل هي أجندة أوروبية لتعظيم أحد أبطالها؟ الجواب: قد يكون هناك نوع من الالتزام من صانعي الأفلام نحو هذه القصص والأحداث التي تعتبر جزءًا من التاريخ. ولكن السينما ليست مرآة، بل فن يعكس ويصور الماضي، والحاضر، والمستقبل.