آراء

“إلهام علي” المبدع كقوة ناعمة

ياسر مدخلي

تعد القوة الناعمة أسلوبًا أكثر ذكاء وتحضرًا وإنسانية لتحقيق أهداف الدول والمنظمات في تكوين مكانة أعلى وتأثير أكبر وقدرة جاذبة للجماهير؛ مما يعزز التأييد والإعجاب باستثمار إمكانياتها الطبيعية ذات القيمة المعنوية.

ويتلخص تعريف مصطلح القوة الناعمة من وجهة نظر مبتكره جوزيف ناي بأنها “أن يرغب الآخرون فيما تريد” وذلك من خلال استخدام النفوذ والقدرات الثقافية لأي مجتمع لبث تأثير يكتسح الحياة اليومية في مجتمعات أخرى، ببساطة: كما فعلت الأكلات الصينية في الغرب، وكما فعلت الأفلام الأميركية في المشرق، وكما حضرت الأغنية وسافرت من بلدها لتطوف العالم وتصنع حالة من التأثير تجذب التأييد والإعجاب لموطنها.

ومن أهم أشكال القوة الناعمة “الرموز الوطنية” التي تفتخر بها أوطانها في عدة مجالات فيكتسب الفرد المبدع رصيدًا جماهيريًا مؤثرًا يعزز مكانة بلاده، كما فعل بيليه للبرازيل التي شغف بها جماهير الرياضة على مستوى العالم، وما صنعه فان جوخ الهولندي في عشاق الرسم، واستثمار مصر في المطربة أم كلثوم ونجيب محفوظ ويوسف شاهين، ولا أحد ينكر حضور الروسي دستويفسكي والكولومبي ماركيز، كونهم رموز بلدانهم في مجال الرواية العالمية. ونجد في كل مجال من الفنون والعلوم أسماء كثرًا تتسابق الدول الذكية في استثمارها كقوة ناعمة لتنافس من يقابلها لدى الدول الأخرى.

وعندما نذكر المسرح يتجلى لنا طيف الشاعر ويليم شكسبير الذي أصبح حضوره ككاتب بريطاني أقوى جماهيريًا من حضور أسخيليوس فقط، لأن بريطانيا اعتزت به واستطاعت تخليده في الوقت التي أهملت اليونان رمزها الفارس والفيلسوف والمسرحي الذي خف وهجه ولم ينل هالة شكسبير الذي جاء بعده بقرون. وكذلك في السينما نجد لكل دولة رموزها التي ترفع رايتها في المحافل الفنية وتحصد إعجاب الجماهير حول العالم.

هذه المقدمة هي مدخل لأهمية رعاية الفنان الذي ما زال – عالميًا – يعمل منفردًا معتمدًا على جهوده الشخصية ويواجه الكثير من الصعوبات لأداء فنه وفرض قدراته ومنافسة زملائه الذين يتمتع عدد منهم بدعم لوجستي ومعنوي كبير من الجهات المختصة في بلاده!! فمن المهم أن ترعى المنظمات ومؤسسات الدول المبدع الوطني وتنميه، بل وتصنعه في مجالات معينة ليكون لها حضور وتعزز قواها الناعمة بالذخيرة الإبداعية التي تضعها على خارطة العلوم والفنون. وأيضًا من العدل أن تتم رعاية الرمز الناجح الذي أثبت جدارته في المجال الذي يبدع فيه وقدم إنتاجًا مشرفًا في مشوار لم يسلم خلاله من الصعوبات المحبطة والمؤلمة.

وهنا تجب الإشارة إلى «إلهام علي» الممثلة الطموحة التي بدأت في سنوات لم يكن التمثيل فيها أمرًا سهلاً على الشباب، فكيف بشابة انطلقت وأصرت على بناء مجدها مؤمنة بنفسها، وسعت لترسم مشوارها في أكثر الظروف صعوبة مترحلة بين دول الخليج لاقتناص فرصة لموطئ قدمها كسعودية بين نجمات لهن تاريخ طويل في هذا المجال. واليوم ونحن نرى إلهام علي قد نالت من اسمها كل نصيب، فهي مصدر للإلهام من خلال اعتلائها العديد من منصات التتويج والتكريم، ولها جماهيرية عربية تتسع وتكبر باستمرار، وتقدم نموذجًا للقدوة الإبداعية كممثلة ملتزمة بعملها ومواظبة عليه وشغوفة به، وقدمت التضحيات لتصنع لنفسها اسمًا تفاخر به كسعودية أصبحت تتسابق عليها الإنتاجات الفنية بن الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، ولها رصيد كبير في مشوار فني لمعت بشكل مشرف محليًا ودوليًا. وهذه التدوينة لفتة تقديرية «متواضعة» إلى إلهام علي النموذج الذي نريد أن نراه في كل شاب وشابة يعمل بجدية ليطور نفسه ويقدم موهبته بإخلاص ويتفانى مستشعرًا مسؤولية أنه يمثل وطنًا كريمًا وعظيمًا وتليق به الإنجازات.

فقد حققت السعودية المركز 19 من بين 121 دولة حول العالم بالقفز 5 مراتب هذا العام، وكذلك ارتفاع 22% في قيمة العلامة الوطنية التي تقدر بـ941 مليار دولار، وهي اليوم في صدارة دول الشرق الأوسط وضمن قائمة 20 عالميًا، بحسب تقرير براند فاينانس للقوة الناعمة 2023.

لم يعد الفن ترفًا، وليس محض هواية عارضة، أو ممارسة هامشية في المجتمع. الفن كما يحدث الآن مع إلهام، وحدث من قبل مع نجومنا ونجماتنا السابقين كتأثير اجتماعي وحضور ثقافي وقوة ناعمة تجذب الإعجاب والتأييد، وتكون صورة تكسر النمطية وتعيد لصناعة السينما والإنتاج الفني الوطني وزنه ومكانته بعد سنوات من الغياب والاجتهادات التي غيبته، ولم تصمد أمام الظروف القاهرة للمجال الفني انتاجيًا وإعلاميًا ولوجستيًا.

لقد أولت السعودية اهتمامًا كبيرًا بالهواة وقطاعات الثقافة والسياحة، وعززت الحوكمة، وحاربت الفساد، ومكنت التقنيات الحديثة في كل مناحي الحياة، وقدمت الحوافز، ورفعت سقف الطموح والحرية، وتقدم بجدية الدعم المالي واللوجستي لمواكبة تطلعات المحترفين في الثقافة نحو المزيد لجعل جودة مهنتهم «الثقافية» أكثر رصانة وأقدر على النمو الذي يوازي التقدم في كل المجالات. وبالوعي المتنامي سنمتلك في كل مدرسة وبيت ونادٍ ومؤسسة يدًا تشارك بفعالية لصناعة الرمز، وترعى الموهوبين، وتشجع الشغوفين، وتخلد المبدعين الذين تركوا لنا إرثًا قيِّمًا يمكنه الصمود بمرور الزمن ومنافسة أكثر الإبداعات قوة عالميًا.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى