آراء

في معنى أن تكون الأفلام مدوّنة حياة!

إيمان الخطاف

في نقاش سينمائي جمعني مع أحد الزملاء المحنكين في عوالم الفن السابع، خذلته ذاكرته لوهلة وهو يحاول استرجاع اسم الفنان الذي يتحدث عنه قائلًا: “هذاك الولد إللي مثّل بفيلم The Aviator”. المضحك أنه يقصد ليوناردو دي كابريو الذي يقترب من عامه الخمسين، وما إن بدأت علامات الدهشة على وجهي، إلا واستدرك بالقول: “آوه ما عاد هو ولد الحين!”.

احتفاظ زميلي بالصورة الذهنية الممتلئة بالحيوية والشباب للفنان الذي يقاربه في العمر “كلاهما من مواليد السبعينيات” استوقفني، لأنه لم يدرك أن الزمن مر سريعًا، وأن الشاب «جاك داوسون» الذي كان يركض ويقفز بخفة على متن تيتانيك عام 1997، اختلف كثيرًا عن “راندال ميندي” صاحب الوجه الممتلئ بالتجاعيد في Don’t Look Up (2021).

وكثيرًا ما يتداول الجمهور التعليقات الغريبة تجاه تحوّلات نجوم السينما.. عن الطفلة التي كبرت فجأة، والشابة التي أصبحت جدّة، والفتى الذي لم يعد وسيمًا. لا أتناول العمر هنا، لأن الفن لا يكبر ولا يشيخ مهما مرت عليه السنون، لكني أقصد تجميد الذاكرة السينمائية تجاه الفنان – في مرحلة ما أو دور معين – واستدعاء تفاصيل حياتنا المتزامنة مع الفيلم الذي قدمه، وتلك الفترة التي عشناها وقت صدور الفيلم، باعتبارها جزءًا من ذاكرتنا.

حين أقول إن الأفلام هي مدوّنة حياة، فلأنها شاهدة على أهم مراحلنا وتصوراتنا تجاه كل شيء، ولا يتعلق الأمر بعشاق السينما فقط، بل بعموم الناس. أتذكر هنا صديقة تتحدث عن فترة قبولها لدراسة الماجستير، مبينة أن سفرها تزامن مع صدور فيلم Joker «2019» الذي كانت صالات عرض السينما في أيامه تغص بالمشاهدين من كل أصقاع الدنيا؛ مما دعا صديقتي لتوثيق فترة مهمة بحياتها مع تصدّر هذا الفيلم لشباك التذاكر!

أن يترافق طيش مراهقتك مع فيلم ما، وتسترجع ذكرى حُبك الأول مع فيلم آخر، وتستعيد خيبة الفشل مع فيلم مختلف.. هذا المزيج السينمائي يجعلنا نلتحم أكثر بأفلامنا المفضلة والمشاهد الخالدة فيها. ولأني صحفية، فدائمًا ما أحرص على سؤال كل صُنَّاع الأفلام الشباب الذين أقابلهم في لقاءاتي: «ما أكثر فيلم محفور في ذاكرتك؟ ما أكثر فيلم تأثرت به؟»، ورغم بساطة هذه الأسئلة، فإنها توحي لي بأمرين: أولهما المدرسة السينمائية التي تخرّج فيها هذا الفنان، وثانيهما رؤيته حيال نفسه وذاته التي تتشكّل – بلا شعور- مع ذائقته الفنية.

أمَّا السينمائيون من جيل الرواد، فأفضّل سؤالهم عن فيلمهم الأول، لأني أثق بأنه الأكثر تأثيرًا على حياتهم ككل وليس مسيرتهم الفنية فحسب. أتذكر هنا لقائي قبل أيام مع الفنان إبراهيم الحساوي، الذي أطلقت عليه لقب «جوكر السينما السعودية»، وحين سألته عن بداياته السينمائية عاد بالذاكرة إلى فيلمه الأول «عايش» الذي صدر عام 2009، وكتبه وأخرجه عبدالله آل عياف، رئيس هيئة الأفلام حاليًا.

حديث الحساوي عن «عايش» ترك أثرًا داخلي، حيث عاد بذاكرتي إلى سنواتي الأولى في استكشاف ماهية الأفلام السعودية، لدرجة أني عدت لمشاهدة الفيلم من جديد على اليوتيوب، وهو بالمناسبة عمل جميل أنصح الجميع بمشاهدته. لكن الشاهد هنا أن هذا الفيلم القصير استطاع إعادتي نحو مرحلة كاملة كنت أقضيها في محاولة فهم ما الذي تريد أن تقوله أفلامنا المحلية، وكنت خلالها أبحث باستمرار عن روابط مشاهدة هذه الأفلام، حيث لم تكن هناك دور عرض تحتضنها، وهي مرحلة رغم مشقتها فإنها مليئة بالشغف والفضول.. كل ذلك أعاده لي فيلم «عايش»!

ومن عوالم هوليوود إلى سينمانا السعودية، فإني سعيدة بأن ذاكرتنا أصبحت مطعّمة بأفلام محلية تتجه لتدوين حياتنا بشكل جديد. فزميلي الذي استرجع شبابه مع ليوناردو دي كابريو لم يكن في زمانه أفلام سعودية، في حين أن لدينا اليوم شبان سيتحدثون في المستقبل عن مراحل حياتهم بنكهة سينمائية محلية؛ منهم من يربط تخرّجه بصدور «شمس المعارف»؛ وآخر تزوّج مع “سطار”؛ وثالث وصل مولوده الأول مع “راس براس”.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى