كُتاب الترند العربي

الرجل الذي عرف الكثير

وبالرغم من ذلك، وعلى خطا عائلة روبنسون الحديثة، ينطلق الزوجان نحو المجهول، يتبعون مغامرتهم دون أن يفقدوا عاطفتهم. إلى أين؟ إلى لندن. لديهم أسباب للاعتقاد بأن المؤامرة ستتكشف هناك. إن بطلا سلسلة المغامرات الكوميدية «زيغ وبوس» وهم يقتفون أثر «دوللي» لن يظهروا بطولةً أو منطقيةً أكثر من ذلك. «حاول وثق بالله». هذا هو أيضًا رأي مكتب شرطة اسكتلنديارد، الذين انتظروهم عند سلم الطائرة. ضابط مهم يرغب في تولي القضية، لكنه يخشى التعقيدات من نوع الذي تصفه الداخلية الفرنسية بأنها «مؤامرة كونية».

هل يستحق الأمر المخاطرة بتصعيد الوضع الدولي المتوتر أساسًا من أجل طفل صغير؟ يقول جيمس ستيوارت ودوريس داي نعم. من يمكن أن يلومهم؟ نحن أيضًا لدينا أطفال صغار، أو ربما فتيات صغيرات. ولكن لا يهم يجب عليهم أن يأخذوا زمام المبادرة. وفي الواقع، بقليل من الحظ – لكنهم يستحقون ذلك – يقتفي المحقق المبتدئ «بيري ماسون» آثار الخاطفين، مما يُحبط ودون قصد مؤامرة قوة أجنبية حاولت مرة أخرى تقويض هيبة إنجلترا القديمة.

من السهل أن نرى ما قد يصدم الأفراد الحساسين في هذه القصة: لمسة المبالغة وما جذب هيتشكوك بوضوح، هو إدخال هذا المبالغة في حياة عادية كحياتي وحياتك. قد تكون هذه هي أكثر أفلام هيتشكوك الغير ممكنة، ولكنه أيضًا الأكثر واقعية. ما هو «التشويق»؟ هو الانتظار، وبالتالي هو فراغ يجب ملؤه؛ ودائمًا ما يزداد ولع هيتشكوك بملئ هذا الفراغ بالأمور الجانبية التي ليس لها تأثير كبير على الحدث.. عندما يُترك الاستوديو لصالح التصوير في الموقع، يمنح مخرج فيلم «القبض على لص» لممثليه حرية أكبر، ويسمح لكاميرته بأخذ لقطات طويلة للمناظر الطبيعية، ويقتنص بعدسته بأناقة وقوة كل شخصية طريفة أو شيء غريب يأتي في طريقه. إن المشاهد في غرفة النوم، ومقهى العرب، ومكاتب الشرطة الفرنسية والإنجليزية، ومتجر الحيوانات المحنطة، وكنيسة البريسبتيريين، والحفلة الموسيقية أو السفارة يجب، في حال كانت منطقية، أن تجعل كل عشاق «بونويل Bunuel»، و«زافاتينني Zavattini» في هذا العالم يشعرون بالغيرة. اليوم، يبحث ألفريد هيتشكوك عن شخصياته، تمامًا كما يجبرهم على البحث حولهم. ليس لأنه فقد اهتمامه بهم، أبدًا، ولكن على الرغم من أنه سبق وصوّر الغباء أو الشر أو الجنون بلا تردد، إلا أنه لم يشدد من قبل وبهذه السخرية العميقة على سخافة أكثر الايماءات اليومية طبيعيةً. إن شخصيات فيلم «الرجل الذي عرف الكثير The man who knew too much ليست دمى بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنها في الوقت نفسه أكثر وأقل من الدمى المتحركة التي وصفها «فاليري Valery».

حسنًا، ستقول، ولكن ماذا عن التشويق؟ هل كان فخًا؟ لا أعتقد ذلك، إن التشويق في هذا الفيلم هو أقل مما هو موجود في أفلام أخرى. أولًا، لأن الشيء الاستثنائي يعمل كنقيض للشيء العادي، الذي، إذا تُرك بمفرده، لن يّولد سوى البهتان. ثانيًا، يجب على المرء الاعتراف، لأن هيتشكوك يؤمن بالقدر. يؤمن به مبتسمًا، لكنها الابتسامة التي تنجح في إقناعي. إذا كانت القصة ببساطة مرعبة، فربما لن نكون ساذجين بما فيه الكفاية لنشارك بها.

يقدم هيتشكوك لنا بمكر نهاية أنيقة، يتحدث في الفيلم بلغة الصالونات بدلاً من الفلسفة الألمانية! إن صوت رنين «الصنجات» يعطي انطباعًا عن شعبية المكان. نعم إن التأثير فظ، ولكنه سيكون أكثر فظاظة فيما لو حاول أن يتنكر ويتسلل دون أن يجذب الانتباه إليه. يقول الناس إن هيتشكوك يظهر الأسلاك الكهربائية في لقطاته كثيرًا. ولكن لأنه يظهرها، فإنها لم تعد مجرد أسلاك. إنها ركائز تصميم معماري رائعة تم تصميمها لتتحمل عيننا المدققة في كل شيء.

“ما سيكون سيكون Que sera, sera”: هذه المرة، سواء أعجبك ذلك أم لا، هذا مشروح في السيناريو. أعلم أن هيتشكوك لا يصدق ذلك بشكل كامل، لأن العبرة في الفيلم أيضًا «الله في عون الذين في عون أنفسهم». يقول دوستويفسكي: «عندما يؤمن “ستافروجين؛ Stavrogin”، فإنه لا يؤمن أنه يؤمن، ولكن حتى عندما لا يؤمن، فإنه لا يزال لا يؤمن أنه يؤمن.

لكننا يمكن أن نصدق دموع «دوريس داي Doris Day»، ولا توجد هناك دموع بطلة أخرى لهيتشكوك تبدو مشابهة لها. نحن الذين نعرف كل الأحداث، ونعلم أن قلقها غير مبرر، ربما نتعاطف بشكل أكبر معها. لماذا تبكي؟ لماذا تنتحب؟ ما الذي عليها عمله مع هذا الدبلوماسي الأجنبي؟ هل هي مجنونة جدًا، متهورة جدًا؟ إنها امرأة، أو بالأحرى هي مثلنا جميعًا. نحن نؤمن بالتشويق. نحن نؤمن بالقدر. يتزايد قلقنا بناءً على ما نعرفه، بينما قلقها يبنى على ما لا تعرفه. نحن نشاهدها بمسحة من القسوة، وشيء من الخوف المبالغ به، وشفقة لم نكن نعرف أنفسنا بقادرين عليها.

هذا الفيلم يأتي من مخرج من المفترض أنه كاره للنساء، حيث أن جوهر الفيلم هو رفض المرء للميتافيزيقيا، الحدس الأنثوي. إنه، مثل أفلامه السابقة، بلا تصنع، ولكنه يفوقهم بعرضه للحظات المجد والحرية. مثلاً عندما يحتجز الصبي الصغير في السفارة ويسمع صوت والدته وهي تغني في الصالون. لقد تأثرنا بعمل هذا الرجل الساخر والذكي بلمسة جمالية لا تأتي إلينا إلا بشكل خاطف من بعيد، ولكن لا يمكن للعقول الحالمة الاستغناء عن مثل هذه الرقة.

دعونا نحب هيتشكوك، الذي ينهكنا في رحلته كـ«رائد الأسلوب المشدود»، عندما يأخذنا عبر الطريق الأطول.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى