«مهمة العدالة 2025»… بكين تشدّد الخناق على تايوان وتدخل مرحلة استعراض القوة المفتوح
الترند العربي – متابعات
بدأت الصين، اليوم الإثنين، واحدة من أخطر وأوسع مناوراتها العسكرية في محيط جزيرة تايوان، في تصعيد غير مسبوق يعكس انتقال الأزمة من مستوى الرسائل السياسية إلى اختبار ميداني مباشر لموازين القوة في مضيق تايوان، وسط قلق دولي متزايد من انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة قد تعيد رسم خرائط النفوذ في شرق آسيا.
وتحمل المناورات اسم «مهمة العدالة 2025»، في تسمية ذات دلالة سياسية واضحة، تعكس إصرار بكين على ربط تحركاتها العسكرية بمفهوم “السيادة” و”إعادة التوحيد”، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع تايبيه وحلفائها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
بدأت هذه التحركات في ظل بيئة إقليمية ودولية مشحونة، حيث تتقاطع الحسابات العسكرية مع الرهانات الجيوسياسية، ويصبح مضيق تايوان ساحة اختبار ليس فقط لتوازن الردع الصيني – التايواني، بل لمنظومة الأمن الآسيوي بأكملها.

أكبر حشد عسكري صيني حول الجزيرة
وُصفت المناورات الحالية بأنها الأضخم من حيث النطاق والحجم منذ عقود، إذ دفعت الصين بأسطول كبير من السفن الحربية والطائرات المقاتلة، إلى جانب وحدات صاروخية وقوات دعم إلكتروني، في انتشار يطوق الجزيرة فعليًا من الشمال والجنوب والشرق.
وأعلنت قيادة المسرح الشرقي في الجيش الصيني تحديد سبع مناطق لإجراء تدريبات بالذخيرة الحية، وهو ما أدى إلى شلل شبه كامل في حركة الملاحة الجوية والبحرية المحيطة بتايوان، وإلى إغلاق فعلي لممرات استراتيجية تعد من بين الأكثر ازدحامًا في العالم.
ويرى مراقبون أن هذا الحشد لا يهدف فقط إلى التدريب، بل إلى محاكاة سيناريو حصار شامل، يُختبر فيه رد فعل تايوان وقدرتها على الصمود في حال تطور النزاع إلى مواجهة طويلة الأمد.
استهداف الموانئ… رسالة واضحة
أحد أخطر جوانب المناورات تمثل في محاكاة استهداف موانئ حيوية، من بينها ميناء كيلونغ في شمال الجزيرة، وميناء كاوهسيونغ في الجنوب، وهما شريانان أساسيان للتجارة والطاقة والغذاء.
ويحمل هذا الاستهداف الافتراضي رسالة استراتيجية مفادها أن بكين تمتلك القدرة على خنق الاقتصاد التايواني خلال فترة قصيرة، دون الحاجة إلى إنزال بري شامل، وهو ما ينسجم مع عقيدة “الضغط المتدرج” التي طورتها الصين في السنوات الأخيرة.
وتُعد الموانئ التايوانية نقطة ضعف حيوية، إذ تعتمد الجزيرة بشكل كبير على الواردات لتأمين احتياجاتها الأساسية، ما يجعل أي حصار بحري عامل ضغط هائل على القيادة السياسية في تايبيه.

اضطراب الملاحة العالمية
لم تقتصر تداعيات المناورات على تايوان وحدها، بل امتدت إلى حركة الطيران العالمية، حيث تأثرت أكثر من 100 ألف رحلة جوية دولية نتيجة اضطرار شركات الطيران إلى تغيير مساراتها بعيدًا عن مناطق الحصار.
ويُعد مضيق تايوان أحد أهم الممرات الجوية والبحرية في العالم، ما يجعل أي اضطراب فيه عامل قلق للأسواق العالمية، وسلاسل الإمداد، والتجارة الدولية، خاصة في ظل اعتماد صناعات حيوية على صادرات المنطقة.
وتشير تقديرات أولية إلى أن استمرار المناورات لفترة طويلة قد يرفع تكاليف النقل والشحن، ويؤثر على أسعار الطاقة والسلع، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من هشاشة واضحة.

استعراض تقنيات عسكرية جديدة
لم تكتفِ الصين بالحشد التقليدي، بل استعرضت خلال المناورات تقنيات عسكرية متقدمة، شملت كلابًا آلية مسلحة، وطائرات مسيّرة صغيرة قادرة على العمل في أسراب، إضافة إلى أنظمة حرب إلكترونية متطورة.
ويهدف هذا الاستعراض إلى إبراز جاهزية الجيش الصيني لخوض حروب المستقبل، حيث تلعب الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في موازين القوة.
ويرى محللون أن هذه الرسائل موجهة ليس فقط لتايوان، بل للولايات المتحدة وحلفائها، في إطار صراع أوسع حول التفوق التكنولوجي والعسكري في القرن الحادي والعشرين.
التوقيت… ما وراء الرسالة
جاءت المناورات بعد 11 يومًا فقط من إعلان الولايات المتحدة عن صفقة أسلحة جديدة لتايوان بقيمة 11.1 مليار دولار، شملت أنظمة دفاعية وصاروخية متقدمة، وهو ما اعتبرته بكين “تدخلًا سافرًا” في شؤونها الداخلية.
ويرى مراقبون أن اختيار هذا التوقيت لم يكن عشوائيًا، بل يعكس رغبة صينية في الرد السريع، وإعادة ترسيم الخطوط الحمراء، وإظهار أن أي دعم عسكري لتايوان سيقابَل بتصعيد ميداني مباشر.
كما تزامنت المناورات مع تصريحات يابانية أثارت غضب بكين، بشأن استعداد طوكيو للرد العسكري على أي عدوان إقليمي، ما يضيف بعدًا إقليميًا خطيرًا للأزمة.

تايبيه ترفع الجاهزية القصوى
في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية رفع جاهزية قواتها إلى أعلى مستوى، ونشرت وحدات إضافية في مواقع استراتيجية، مع تكثيف الدوريات الجوية والبحرية.
وعرضت تايوان خلال الأيام الماضية أنظمة صواريخ «هيمارس» الأميركية، القادرة على استهداف مواقع ساحلية داخل البر الصيني، في رسالة مفادها أن أي هجوم سيقابل برد مؤلم.
وأكدت القيادة التايوانية التزامها بمبدأ الدفاع عن النفس، والاستعداد لكل السيناريوهات، مع التشديد على أن الجزيرة لن تخضع للضغوط العسكرية أو السياسية.
حسابات الردع المتبادل
تعكس التطورات الحالية دخول الأزمة مرحلة “الردع المتبادل المكشوف”، حيث يسعى كل طرف إلى إظهار قدرته على إلحاق الضرر بالآخر دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
وتدرك بكين أن أي عمل عسكري مباشر قد يستدعي تدخلًا أميركيًا، بينما تدرك تايبيه أن استفزاز الصين بشكل مفرط قد يسرّع سيناريو المواجهة.
هذا التوازن الهش يجعل أي خطأ في الحسابات، أو حادث عرضي، شرارة محتملة لتصعيد يصعب احتواؤه.
مضيق تايوان… عقدة الأمن الآسيوي
يُعد مضيق تايوان أحد أخطر بؤر التوتر في العالم، حيث تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى، وتُختبر فيه مفاهيم السيادة، والتحالفات، والردع النووي التقليدي وغير التقليدي.
وترى الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، بينما تعتبر تايبيه نفسها كيانًا سياسيًا مستقلًا بحكم الأمر الواقع، مدعومًا بشبكة علاقات دولية غير رسمية.
أما الولايات المتحدة، فتنتهج سياسة “الغموض الاستراتيجي”، التي تقوم على عدم إعلان موقف واضح بشأن التدخل العسكري، مع الاستمرار في دعم القدرات الدفاعية لتايوان.
انعكاسات على الإقليم والعالم
لا تقف تداعيات «مهمة العدالة 2025» عند حدود تايوان، بل تمتد إلى شرق آسيا بأكمله، حيث تراقب دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا التطورات بقلق بالغ.
وتخشى هذه الدول من أن يؤدي أي صدام في مضيق تايوان إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتعطيل التجارة، وجرّ المنطقة إلى سباق تسلح مكلف.
كما تتابع الأسواق العالمية هذه التطورات بحذر، في ظل حساسية الاقتصاد العالمي لأي اضطراب جيوسياسي في الممرات الاستراتيجية.
رسائل سياسية إلى الداخل الصيني
تحمل المناورات أيضًا بعدًا داخليًا، حيث تسعى القيادة الصينية إلى تعزيز صورة القوة والحزم، في وقت تواجه فيه تحديات اقتصادية واجتماعية.
ويُعد ملف تايوان أحد الملفات التي تحظى بإجماع قومي داخل الصين، ما يجعل استعراض القوة وسيلة لتعزيز الشرعية السياسية، وإظهار أن القيادة ماضية في حماية ما تعتبره “مصالح وطنية عليا”.
هل يقترب شبح المواجهة؟
رغم التصعيد، يستبعد كثير من المحللين اندلاع حرب شاملة في المدى القريب، معتبرين أن ما يجري يندرج ضمن “حرب الأعصاب” والضغط المتبادل.
إلا أن استمرار المناورات بهذا الحجم، وتكرارها بوتيرة متصاعدة، يزيد من احتمالات سوء التقدير، ويقلص هامش المناورة الدبلوماسية.
ويحذر خبراء من أن أي حادث غير مقصود، كتصادم طائرات أو سفن، قد يتحول بسرعة إلى أزمة يصعب احتواؤها.
الدبلوماسية تحت الاختبار
في ظل التصعيد العسكري، تبدو القنوات الدبلوماسية تحت ضغط غير مسبوق، حيث تتراجع فرص الحوار المباشر، وتتصاعد لغة التحذير والإنذار.
ويرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد تحركات دبلوماسية مكثفة، سواء عبر قنوات خلفية أو من خلال أطراف دولية، في محاولة لاحتواء التوتر ومنع الانفجار.
تايوان بين الحصار والرهان الدولي
تجد تايوان نفسها في قلب معادلة معقدة، حيث تعتمد على دعم دولي غير مضمون بالكامل، في مواجهة قوة عسكرية كبرى تعتبرها جزءًا من أراضيها.
ويمثل هذا الوضع تحديًا استراتيجيًا طويل الأمد، يتجاوز الحسابات العسكرية، ليشمل الاقتصاد، والسياسة، والهوية الوطنية.
الصين ورسالة الردع الشامل
تسعى بكين من خلال «مهمة العدالة 2025» إلى ترسيخ معادلة جديدة، مفادها أن تكلفة دعم تايوان أو السعي لتغيير الوضع القائم ستكون باهظة.
وتؤكد هذه المناورات أن الصين باتت أكثر استعدادًا لاستخدام القوة كأداة ضغط، دون الوصول إلى حد الحرب الشاملة، في إطار استراتيجية طويلة النفس.
العالم يراقب بقلق
في النهاية، تضع هذه التطورات العالم أمام اختبار جديد لقدرة النظام الدولي على احتواء النزاعات الكبرى، في زمن تتراجع فيه فعالية المؤسسات متعددة الأطراف، وتتقدم فيه سياسات القوة.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت «مهمة العدالة 2025» مجرد استعراض قوة مؤقت، أم خطوة إضافية على طريق أزمة طويلة قد تعيد تشكيل النظام الدولي.
ما هي «مهمة العدالة 2025»؟
هي مناورات عسكرية صينية واسعة النطاق حول تايوان، تُعد الأكبر من نوعها، وتحاكي سيناريو حصار واستهداف استراتيجي للجزيرة.
لماذا أثارت هذه المناورات قلقًا دوليًا؟
لأنها شملت حصارًا فعليًا لتايوان، وأثرت على الملاحة العالمية، ورفعت احتمالات التصعيد العسكري في منطقة حساسة استراتيجيًا.
ما علاقة المناورات بصفقة الأسلحة الأميركية لتايوان؟
تُعد المناورات ردًا مباشرًا على صفقة الأسلحة الأميركية، ورسالة تحذير من بكين ضد أي تدخل خارجي.
كيف ردت تايوان على التصعيد؟
رفعت تايوان جاهزية قواتها إلى أقصى مستوى، واستعرضت أنظمة صاروخية قادرة على الردع.
هل تقترب المنطقة من حرب شاملة؟
رغم التصعيد، لا يزال اندلاع حرب شاملة مستبعدًا على المدى القريب، لكن المخاطر تتزايد مع استمرار التوتر.
اقرأ أيضًا: الخارجية السعودية تحذّر من تصعيد خطير على الحدود الجنوبية وتؤكد: أمن المملكة خط أحمر


