بين البحر والصحراء.. كيف وضعت «شيبارة» و«ديزرت روك» السياحة السعودية على خريطة الفخامة العالمية؟
الترند العربي – متابعات
على امتداد الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، حيث يلتقي زرقة البحر الأحمر بامتداد الصحراء وجبال الحجاز، تتشكل ملامح مرحلة جديدة من السياحة الفاخرة، مرحلة لا تكتفي بجذب الزوار، بل تسعى إلى إعادة تعريف مفهوم الضيافة العالمية من قلب البيئة المحلية. وفي هذا السياق، برز منتجعَا «شيبارة» و«ديزرت روك» بوصفهما نموذجين متقدمين لمشاريع سياحية سعودية استطاعت خلال فترة قصيرة أن تحجز مكانها ضمن قوائم الأفضل عالميًا، وتلفت أنظار كبريات المؤسسات السياحية وخبراء الضيافة حول العالم.
هذا الحضور العالمي لا يأتي بمعزل عن التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع السياحة في المملكة ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، والتي تراهن على البحر الأحمر كأحد أعمدة السياحة الفاخرة المستدامة، بما يحمله من طبيعة بكر، وتنوّع بيئي نادر، وفرص استثمارية غير مسبوقة.

البحر الأحمر.. من كنز طبيعي إلى منصة عالمية للسياحة الفاخرة
يمتد البحر الأحمر السعودي بطول يزيد على 1800 كيلومتر، ويُعد من أقل البحار تلوثًا في العالم، كما يحتضن واحدًا من أغنى أنظمة الشعاب المرجانية وأكثرها تنوعًا واستدامة. هذه الخصائص البيئية جعلته محورًا لمشاريع سياحية ضخمة، لا تقوم على الاستهلاك التقليدي للموارد، بل على مفهوم “الانسجام مع الطبيعة” بوصفه عنصرًا أساسيًا في تجربة الضيف.
وفي هذا الإطار، لم يكن اختيار مواقع منتجعات مثل «شيبارة» و«ديزرت روك» قرارًا عشوائيًا، بل جاء نتيجة دراسات بيئية ومعمارية دقيقة، هدفت إلى خلق تجربة سياحية لا تفصل الإنسان عن محيطه الطبيعي، بل تعيد ربطه به بطريقة راقية ومسؤولة.

«شيبارة».. جزيرة الفخامة الهادئة فوق المياه الفيروزية
يقدّم منتجع شيبارة تجربة فريدة تقوم على العزلة الراقية والخصوصية العالية، حيث تنتشر الفلل الشاطئية والملاذات العائمة فوق سطح المياه في تصميم معماري مستقبلي يعكس فلسفة الاستدامة. يعتمد المنتجع على مواد صديقة للبيئة وتقنيات تقلل البصمة الكربونية، دون المساس بعناصر الفخامة والراحة التي يبحث عنها ضيوف هذا النوع من المنتجعات.
التجربة في شيبارة لا تتوقف عند الإقامة، بل تمتد إلى نمط حياة متكامل، يبدأ من الاستيقاظ على صوت البحر، ويمر بجلسات العافية والتأمل، ولا ينتهي عند تجارب الطهي المصممة بعناية لتقديم مزيج من النكهات العالمية والمحلية في آن واحد.

فنون الطهي كجزء من التجربة السياحية
يُعد المطبخ أحد الأعمدة الأساسية في تجربة شيبارة، حيث تتحول المطاعم إلى مساحات سرد ذوقي تعكس روح المكان. في مطعم «أرياماري»، تتلاقى نكهات البحر الأبيض المتوسط مع مكونات البحر الأحمر، في قوائم مصممة بعناية تعكس موسمية المكونات واحترام الطبيعة.
أما «لونارا»، فيقدّم تجربة أكثر دفئًا، تعتمد على الطهي على الحطب والمخبوزات الطازجة، فيما يأخذ مطعم «إيكي.رو» الضيوف في رحلة يابانية هادئة عبر تجربة الأوماكاسي، حيث تتحول الوجبة إلى طقس تأملي بحد ذاته.
هذه التجارب لا تُقدَّم بوصفها خدمات إضافية، بل كجزء من الهوية الكاملة للمنتجع، حيث يصبح الطعام وسيلة لفهم المكان، لا مجرد عنصر استهلاكي.

العافية بوصفها أسلوب حياة لا برنامجًا مؤقتًا
ضمن التحولات العالمية في مفهوم الرفاهية، لم تعد العافية تقتصر على جلسات السبا التقليدية، بل أصبحت نمطًا متكاملًا يشمل الجسد والذهن والبيئة. وفي شيبارة، تُقدَّم برامج العافية ضمن هذا المفهوم الشامل، عبر جلسات تأمل على ضفاف البحر، وعلاجات تعتمد على عناصر طبيعية مستوحاة من البيئة المحلية، بما يعزز الشعور بالانسجام الداخلي والهدوء النفسي.

«ديزرت روك».. حين تتحول الجبال إلى تجربة فندقية عالمية
على الجانب الآخر من المشهد، يقدّم منتجع «ديزرت روك» نموذجًا مختلفًا للفخامة، لا يعتمد على البحر، بل على الصحراء والجبال. صُمّم المنتجع ليكون جزءًا من تضاريس جبال الحجاز، لا عنصرًا دخيلًا عليها، حيث نُحتت الوحدات الفندقية داخل الصخور بأسلوب معماري جريء، يوازن بين الابتكار الهندسي واحترام الطبيعة.
هذا النهج جعل ديزرت روك محط اهتمام عالمي، تُوّج بحصوله على مفتاحين من دليل ميشلان، في سابقة تعكس مستوى التجربة التي يقدمها، ومعايير الضيافة الراقية التي يلتزم بها.

عام أول يؤسس لمكانة عالمية
خلال عامه الأول، لم يكتفِ ديزرت روك بجذب الزوار، بل تحوّل إلى مساحة ثقافية وسياحية تحتفي بالإبداع السعودي، عبر استضافة فنانين وطهاة ومصممين محليين، وتقديم تجارب تفاعلية تمزج بين الفن والطبيعة والطهي.
ويبرز هذا التوجه في الفعاليات الخاصة التي ينظمها المنتجع، والتي لا تُقدَّم بوصفها عروضًا ترفيهية فقط، بل كتجارب ثقافية تعكس هوية المكان وروح المنطقة، وتسهم في بناء سردية جديدة عن السياحة السعودية.
المطبخ السعودي في قلب التجربة العالمية
أحد أبرز ملامح الاحتفال في ديزرت روك يتمثل في تسليط الضوء على المطبخ السعودي، من خلال شراكات مع طهاة عالميين، وتقديم أطباق مستوحاة من المكونات المحلية، بأساليب حديثة تحافظ على جوهر النكهة دون تشويهها.
هذا الحضور للمطبخ المحلي ضمن سياق عالمي يعكس تحوّلًا مهمًا في النظرة إلى الثقافة السعودية، حيث لم تعد مجرد خلفية للمشهد السياحي، بل عنصرًا فاعلًا في تشكيل التجربة الكاملة.
السياحة الفاخرة كأداة قوة ناعمة
إدراج منتجعات سعودية ضمن قوائم الأفضل عالميًا لا يُعد إنجازًا سياحيًا فقط، بل يحمل أبعادًا أوسع تتصل بالقوة الناعمة للمملكة. فالسياحة الفاخرة تُسهم في إعادة تشكيل الصورة الذهنية، وتقديم المملكة بوصفها وجهة قادرة على المنافسة عالميًا في أكثر القطاعات تطلبًا.
كما تعكس هذه النجاحات قدرة المشاريع السعودية على الجمع بين الاستثمار والهوية، وبين الحداثة والاستدامة، في معادلة باتت مطلوبة عالميًا أكثر من أي وقت مضى.
ما الذي يعنيه هذا الإنجاز لمستقبل السياحة السعودية؟
نجاح شيبارة وديزرت روك يمثّل رسالة واضحة بأن المملكة لم تعد في مرحلة “الدخول” إلى سوق السياحة العالمية، بل في مرحلة المنافسة وصناعة المعايير. ومع تزايد عدد المشاريع المماثلة على ساحل البحر الأحمر، يتوقع أن تتحول المنطقة إلى واحدة من أهم وجهات السياحة الفاخرة عالميًا خلال العقد المقبل.
هذا التحول لا ينعكس فقط على الاقتصاد، بل على سوق العمل، ونقل المعرفة، وبناء خبرات محلية في مجالات الضيافة، والتصميم، والإدارة السياحية.
لماذا أُدرجت منتجعات شيبارة وديزرت روك ضمن الأفضل عالميًا؟
بسبب التصميم المعماري المبتكر، ومستوى الضيافة الفاخرة، والالتزام الصارم بمعايير الاستدامة، إضافة إلى التجربة المتكاملة التي تجمع بين الطبيعة والثقافة والخدمة الراقية.
ما الذي يميّز السياحة الفاخرة في البحر الأحمر السعودي؟
تميزها بطبيعة بكر غير مستهلكة، وشعاب مرجانية نادرة، ومشاريع صُمّمت لتنسجم مع البيئة بدلًا من السيطرة عليها، مع بنية تحتية حديثة وخدمات عالية المستوى.
هل تستهدف هذه المنتجعات السياح الدوليين فقط؟
رغم التركيز على السوق العالمية، فإن هذه المشاريع تُعد جزءًا من فتح القطاع السياحي أمام الزوار المحليين والإقليميين الباحثين عن تجارب استثنائية داخل المملكة.
كيف تخدم هذه المشاريع رؤية السعودية 2030؟
من خلال تنويع مصادر الدخل، وتعزيز السياحة غير النفطية، وبناء صورة دولية حديثة للمملكة، وتوفير فرص عمل ونقل خبرات في قطاع الضيافة.
هل ستتكرر هذه النماذج في مناطق أخرى؟
تشير الخطط المعلنة إلى تطوير مشاريع سياحية فاخرة مماثلة في عدة مناطق، خاصة على ساحل البحر الأحمر، مع الالتزام بنفس معايير الاستدامة والتميّز.
اقرأ أيضًا: خطوة بيئية نوعية.. تطوير تشغيل وحوكمة محميتي الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة

