اقتصاد

هل تستفيد المنشآت الصغيرة من مبادرات التمويل الحكومية بالشكل الكافي؟

الترند العربي – متابعات

تُعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد السعودي، حيث تمثل أكثر من 99% من إجمالي منشآت القطاع الخاص، وتسهم بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تسعى لرفع هذه النسبة إلى 35% بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة السعودية حزمة واسعة من مبادرات التمويل والدعم، إلا أن التساؤل يظل مطروحًا حول مدى استفادة هذه المنشآت فعليًا من تلك المبادرات على أرض الواقع.

منظومة تمويل واسعة وأهداف طموحة
خلال السنوات الأخيرة، توسعت برامج التمويل الحكومية بشكل لافت، عبر جهات متعددة أبرزها بنك التنمية الاجتماعية، وصندوق التنمية الوطني، ومنشآت، وبرامج كفالة، إضافة إلى مبادرات تمويلية بالتعاون مع البنوك التجارية وشركات التمويل. وتهدف هذه المنظومة إلى تسهيل الوصول إلى رأس المال، وخفض المخاطر على المقرضين، ودعم رواد الأعمال في مراحل التأسيس والنمو.

برنامج «كفالة»، على سبيل المثال، لعب دورًا محوريًا في ضمان قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة لدى البنوك، ما أسهم في رفع حجم الإقراض وتقليل تحفظ المؤسسات المالية. كما قدم بنك التنمية الاجتماعية قروضًا ميسرة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع الناشئة، مع فترات سماح وشروط سداد مرنة.

تحديات الوصول إلى التمويل
رغم هذا الزخم، تشير آراء عدد من أصحاب المنشآت الصغيرة إلى وجود فجوة بين المبادرات المعلنة والاستفادة الفعلية. من أبرز التحديات تعقيد الإجراءات، وطول مدة الموافقات، واشتراطات الضمانات في بعض البرامج، إضافة إلى ضعف الوعي المالي لدى بعض رواد الأعمال بآليات الاستفادة المثلى من هذه المبادرات.

كما تواجه منشآت ناشئة صعوبات في إعداد دراسات جدوى مقنعة أو قوائم مالية معتمدة، وهو ما يحد من فرص قبول طلبات التمويل، خصوصًا في المراحل المبكرة للمشروع.

تفاوت الاستفادة بين القطاعات والمناطق
تُظهر البيانات أن الاستفادة من التمويل الحكومي ليست متساوية بين جميع القطاعات، حيث تحظى قطاعات مثل التجارة والخدمات والدعم اللوجستي بحصة أكبر، مقارنة ببعض الأنشطة الابتكارية أو التقنية ذات المخاطر الأعلى. كما يبرز تفاوت جغرافي، إذ تتركز نسبة كبيرة من التمويلات في المدن الكبرى، مقابل استفادة أقل في بعض المناطق الطرفية.

جهود لمعالجة الفجوة
في المقابل، تعمل الجهات المعنية على معالجة هذه التحديات عبر تبسيط الإجراءات، وتوسيع نطاق الضمانات، وتقديم برامج غير مالية موازية مثل الإرشاد، وبناء القدرات، والدعم الاستشاري. كما يجري التركيز على التحول الرقمي لتسهيل التقديم والمتابعة، وربط رواد الأعمال بمنصات موحدة تقلل من التعقيد الإداري.

بين الدعم والواقع
يمكن القول إن السعودية تمتلك واحدة من أوسع منظومات دعم وتمويل المنشآت الصغيرة في المنطقة، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا الدعم إلى أثر اقتصادي مباشر ومستدام. فنجاح المبادرات لا يُقاس فقط بحجم التمويل المخصص، بل بمدى وصوله إلى المستفيدين، وقدرته على تمكين المنشآت من الاستمرار والنمو وخلق الوظائف.

ومع استمرار تطوير السياسات وتحسين كفاءة البرامج، يبقى الرهان قائمًا على تعزيز الوعي، ومواءمة شروط التمويل مع طبيعة المشاريع الصغيرة، بما يضمن تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في اقتصاد متنوع تقوده منشآت قادرة على المنافسة والنمو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى