تحذير شرعي صارم من فتاوى الاختبارات الموجّهة.. الخثلان يصفها بالخيانة والفساد التعليمي
الترند العربي – متابعات
أطلق فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمدرّس في الحرمين الشريفين، تحذيرًا صريحًا وقاطعًا من ظاهرة آخذة في الانتشار داخل بعض البيئات التعليمية، تتمثل في قيام بعض المعلمين بتحديد مواضع أسئلة الاختبارات مسبقًا للطلاب، مؤكدًا أن هذا السلوك يُعد خيانة صريحة للأمانة، وفسادًا تعليميًا لا يجوز السكوت عنه شرعًا ولا تربويًا.
وجاء تحذير الشيخ الخثلان خلال إجابته على سؤال ورد في برنامج «الجواب الكافي» المذاع على قناة المجد، حيث استعرض القضية من جوانبها الشرعية والتربوية والمجتمعية، مبيّنًا خطورتها العميقة وآثارها الممتدة التي لا تقف عند حدود الطالب أو المعلم، بل تتعداها إلى بنية المجتمع ومستقبل أجياله.

سؤال مباشر كشف ظاهرة مقلقة داخل المدارس
السؤال الذي فجّر هذا النقاش ورد من متصلة أفادت بأن بعض المعلمين يقومون بتوجيه الطلاب للمذاكرة من مواضع محددة فقط في المقرر الدراسي، بزعم أن أسئلة الاختبار لن تخرج عنها، متسائلة عن الحكم الشرعي لهذا الفعل، وحكم المذاكرة والاعتماد عليه من قبل الطالب.
هذا السؤال، وإن بدا بسيطًا في ظاهره، إلا أنه كشف عن ممارسة تعليمية خطيرة تتكرر بصور متعددة في عدد من المدارس، خصوصًا في فترات الاختبارات، حيث يتحوّل التقييم من أداة لقياس الفهم والتحصيل، إلى مجرد إجراء شكلي مفرغ من مضمونه.
تفصيل فقهي دقيق بين التعليم المشروع والغش المحرّم
في مستهل إجابته، قدّم الشيخ الخثلان تفصيلًا فقهيًا دقيقًا، فرّق فيه بين أسلوب تعليمي مشروع، وممارسة محرّمة تمثل غشًا وخيانة.
وأوضح أن تحويل المقرر العلمي إلى أسلوب سؤال وجواب بقصد تسهيل الفهم وتقريب المادة العلمية للطلاب، دون الإخلال بجميع محتويات المنهج، لا حرج فيه شرعًا، بل هو أسلوب تعليمي معروف، ومستخدم في كثير من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المرموقة.
وأشار إلى أن هذا الأسلوب له أصل شرعي، إذ ثبت أن النبي ﷺ استخدم طريقة السؤال والجواب في التعليم، كما في قوله: «أتدرون من المفلس؟» وقوله: «أتدرون ما الغيبة؟»، وهي طريقة تربوية تهدف إلى تنشيط الذهن وترسيخ المعلومة.

الخط الأحمر.. تحديد أسئلة الاختبار خيانة صريحة
لكن الشيخ الخثلان شدد على أن المحظور شرعًا، والمحرّم بشكل قاطع، يتمثل في قيام المعلم بتلقين الطلاب أسئلة الاختبار نفسها، أو تحديد مواضعها بدقة، بحيث يختزل المقرر كله في أجزاء بعينها، ويُطمئن الطلاب أن النجاح مضمون دون استيعاب شامل للمادة.
وأكد أن هذا الفعل يُفرغ الاختبار من معناه الحقيقي، ويحوّله من أداة تقييم إلى وسيلة شكلية للعبور، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل خيانة للأمانة العلمية، وغشًا صريحًا لا يجوز شرعًا، ولا يقرّه أي نظام تربوي سليم.
اختبارات بلا معنى.. وتخرّج بلا كفاءة
أوضح الشيخ الخثلان أن أخطر ما في هذه الممارسات أنها تُنتج طالبًا يحمل شهادة لا تعكس مستواه الحقيقي، ولا تمثل قدرته العلمية الفعلية، مما يؤدي إلى اجتيازه مراحل تعليمية متقدمة وهو غير مؤهل لها.
وبيّن أن الطالب الذي يتخرّج بهذه الطريقة، يكون قد حُرم من حقه الحقيقي في التعليم، حتى وإن ظن أنه استفاد مؤقتًا، لأن النتيجة النهائية ستكون ضعفًا في الكفاءة، وعجزًا عن مواكبة متطلبات الدراسة أو العمل لاحقًا.

الضرر لا يتوقف عند الطالب
لم يكتفِ الشيخ الخثلان بتشخيص الأثر الفردي، بل وسّع دائرة التحذير لتشمل المجتمع بأكمله، مؤكدًا أن هذه الممارسات تُعد شكلًا من أشكال الفساد التعليمي، الذي ينعكس على جودة المخرجات البشرية في مختلف القطاعات.
وأشار إلى أن المجتمعات لا تُبنى بالشهادات وحدها، بل بالكفاءات الحقيقية، وأن السماح بانتشار هذا النوع من الغش يؤدي إلى تخريج أجيال غير مؤهلة علميًا ولا مهنيًا، وهو ما يشكل خطرًا استراتيجيًا على التنمية، ويقوّض الثقة في المؤسسات التعليمية.
خيانة للأمانة قبل أن تكون مخالفة نظامية
وصف الشيخ الخثلان هذه الممارسات بأنها خيانة للأمانة قبل أن تكون مخالفة تعليمية أو نظامية، مؤكدًا أن المعلم مؤتمن على عقول الطلاب، وأن دوره لا يقتصر على إيصال المعلومة، بل يمتد إلى بناء القيم، وترسيخ معاني الصدق والإتقان والمسؤولية.
وأضاف أن من يفرّط في هذه الأمانة، إنما يسيء إلى مهنته، ويهدم الرسالة السامية للتعليم، ويشارك – بقصد أو بغير قصد – في إضعاف المجتمع.
واجب المجتمع تجاه هذه الظاهرة
دعا الشيخ الخثلان إلى عدم التهاون مع هذه الممارسات، مؤكدًا أن السكوت عنها يُعد مشاركة ضمنية فيها، وأن الواجب الشرعي والأخلاقي يقتضي محاربتها.
وبيّن أن من يعلم بوقوع مثل هذا الغش، فعليه أولًا نصح فاعله وتذكيره بحرمة ما يقوم به، فإن لم يستجب، وجب رفع أمره إلى الجهات المختصة، لأن الضرر هنا عام، ولا يجوز السكوت عنه بحجة المجاملة أو الخوف من العواقب.
رسالة مباشرة للطلاب وأولياء الأمور
وجّه الشيخ الخثلان رسالة واضحة للطلاب وأولياء الأمور، داعيًا إلى عدم الانسياق وراء هذا النوع من التسهيل الزائف، مؤكدًا أن النجاح الحقيقي لا يأتي من حفظ مواضع محددة، بل من الفهم والاستيعاب.
وأشار إلى أن الطالب الذي يبني علمه على الغش، سيكتشف عاجلًا أو آجلًا أن ما ظنه طريقًا مختصرًا كان في الحقيقة طريقًا مسدودًا.
أزمة تعليمية تتطلب وقفة جادة
تعكس هذه القضية أزمة أعمق في بعض البيئات التعليمية، حيث يتحوّل التركيز من بناء المعرفة إلى تحقيق النتائج السريعة، ومن جودة المخرجات إلى نسب النجاح الشكلية.
ويرى مختصون أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تكاتفًا بين الجهات التعليمية، والمعلمين، وأولياء الأمور، والإعلام، لترسيخ ثقافة التقييم العادل، وربط النجاح الحقيقي بالكفاءة لا بالحيل.
التعليم أمانة.. والاختبارات ميزان عدل
اختتم الشيخ الخثلان حديثه بالتأكيد على أن الاختبارات وُضعت لتكون ميزان عدل يقيس مستوى الطالب الحقيقي، وأن العبث بها هو عبث بمستقبل الأمة، داعيًا إلى إعادة الاعتبار لقيمة الأمانة في التعليم، ومحاسبة كل من يفرّط فيها.
هل يجوز للمعلم توجيه الطلاب للمذاكرة بأسلوب سؤال وجواب؟
نعم، إذا كان الهدف تقريب المادة العلمية دون تحديد أسئلة الاختبار أو اختزال المنهج، فهذا أسلوب تعليمي مشروع.
ما الحكم الشرعي لتحديد مواضع أسئلة الاختبار مسبقًا؟
هذا الفعل محرّم شرعًا، ويُعد غشًا وخيانة للأمانة، وفسادًا تعليميًا لا يجوز.
هل يأثم الطالب إذا اعتمد على هذه الطريقة؟
إذا علم الطالب أن هذا غش وتجاوز، فلا يجوز له الاعتماد عليه، وعليه أن يجتهد في تحصيل العلم كاملًا.
ما واجب من يعلم بوقوع هذا الغش؟
الواجب نصح الفاعل أولًا، فإن لم يستجب، يجب رفع الأمر للجهات المختصة.
لماذا يُعد هذا السلوك خطرًا على المجتمع؟
لأنه يؤدي إلى تخريج أجيال غير مؤهلة، ويضعف جودة التعليم، ويقوّض الثقة في الشهادات والمؤسسات التعليمية.
اقرأ أيضًا: جيل الصقور القادم يدخل المنافسة.. «شوط المدارس» يفتح أبواب مهرجان الملك عبدالعزيز أمام الطلاب

