منوعات

أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين

الترند العربي – متابعات

في حدث علمي لافت يعيد كتابة فصول من تاريخ الحياة على كوكب الأرض، أعلن باحثون في الصين عن اكتشاف آثار أقدام أحفورية لديناصورات وفقاريات أخرى يعود تاريخها إلى نحو 200 مليون عام، في واحدة من أهم الاكتشافات المتعلقة بعلم آثار الأقدام القديمة خلال السنوات الأخيرة. الاكتشاف، الذي جرى في مقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، لا يضيف رقمًا جديدًا إلى سجل الحفريات فحسب، بل يقدّم دليلًا مباشرًا وحيًّا على سلوك الكائنات المنقرضة، وأنماط حركتها، وبيئاتها، في فترة مفصلية من تاريخ الأرض تسبق ازدهار الديناصورات العملاقة التي يعرفها العالم اليوم.

هذا الكشف العلمي، الذي أكّد صحته فريق بحثي من جامعة الصين لعلوم الأرض، يعكس أهمية ما يُعرف بـ”آثار الأقدام الأحفورية” باعتبارها مصدرًا فريدًا لفهم الماضي، إذ تحفظ لنا لحظات عابرة من حياة كائنات انقرضت منذ ملايين السنين، لكنها بقيت مطبوعة في الصخور كأن الزمن توقّف عندها.

أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين
أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين

آثار الأقدام الأحفورية… سجل الحركة والسلوك وليس العظام فقط

يُعد علم آثار الأقدام الأحفورية فرعًا بالغ الأهمية من علم الحفريات، لأنه يختلف جوهريًا عن دراسة العظام والهياكل الصلبة. فالعظام تخبرنا عن شكل الكائن وبنيته، أما آثار الأقدام فتخبرنا عن حياته اليومية، كيف كان يمشي، هل كان يسير منفردًا أم ضمن مجموعات، مدى سرعته، وحتى طبيعة الأرض التي كان يتحرك عليها.

في هذا السياق، يكتسب اكتشاف سيتشوان خصوصية استثنائية، لأن الآثار المكتشفة ليست أثرًا واحدًا معزولًا، بل أكثر من عشرين أثرًا موزعة على طبقات صخرية متعاقبة، وهو ما يشير إلى استيطان طويل الأمد لكائنات مختلفة في المنطقة نفسها، وليس مجرد مرور عابر لديناصور أو اثنين.

أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين
أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين

موقع الاكتشاف… سيتشوان تكشف وجها آخر من تاريخها الجيولوجي

مقاطعة سيتشوان معروفة تاريخيًا بتنوعها الجغرافي ومناخها الرطب نسبيًا مقارنة بمناطق أخرى من الصين، لكن الاكتشاف الأخير يضيف بُعدًا زمنيًا مذهلًا لتاريخها. فقبل 200 مليون عام، في نهاية العصر الترياسي وبدايات العصر الجوراسي، كانت هذه المنطقة تحمل ملامح بيئية مختلفة تمامًا عما نراه اليوم.

الطبقات الصخرية التي احتضنت الآثار تُظهر أن المنطقة كانت في ذلك الزمن بيئة مناسبة لحياة برية متنوعة، تحتوي على مساحات طينية ورطبة تسمح بتشكّل آثار الأقدام وحفظها، ثم تغطيتها لاحقًا بطبقات رسوبية حمتها من عوامل التعرية عبر ملايين السنين.

أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين
أثار تمشي عبر الزمن… اكتشاف آثار أقدام ديناصورات عمرها 200 مليون عام يفتح نافذة نادرة على ماضي الأرض في الصين

ديناصورات ثيروبودية… مفترسات تركت بصمتها في الصخور

أبرز ما توصل إليه الباحثون هو وجود آثار أقدام لديناصورات تنتمي إلى فئة الثيروبودات، وهي ديناصورات آكلة للحوم كانت في مقدمة السلسلة الغذائية في تلك الحقبة. وتتميّز الثيروبودات بأقدام ثلاثية الأصابع، حادة المخالب، وهو ما يتطابق مع شكل الآثار المكتشفة.

وتشير اختلافات أحجام آثار الأقدام إلى أن المنطقة لم تكن موطنًا لنوع واحد فقط من الثيروبودات، بل استضافت أنواعًا متعددة أو أفرادًا في مراحل عمرية مختلفة، ما يعزز فرضية وجود نظام بيئي متكامل يدعم مفترسات بأحجام متفاوتة.

الكيروثيريا… أقدام تشبه يد الإنسان من عصور سحيقة

إلى جانب آثار الديناصورات اللاحمة، اكتشف الفريق آثار أقدام لكائن يُعرف باسم الكيروثيريا، وهو نوع من الآثار يتميّز ببنية تشبه يد الإنسان، مع خمسة أصابع واضحة. هذه الآثار تُنسب عادة إلى الزواحف الأركوصورية المبكرة، وهي مجموعة تطورية تضم أسلاف الديناصورات والتماسيح والطيور.

وجود آثار الكيروثيريا في الموقع نفسه يفتح الباب أمام فهم أوسع لتنوع الفقاريات التي عاشت في تلك المنطقة، ويشير إلى أن البيئة لم تكن مهيمنة بالكامل من قبل الديناصورات، بل كانت تشهد تفاعلات بين مجموعات مختلفة من الكائنات البرية.

طبقات متعاقبة… دليل على الاستيطان طويل الأمد

من النقاط اللافتة في هذا الاكتشاف أن آثار الأقدام وُجدت في عدة طبقات صخرية متعاقبة، وليس في طبقة واحدة فقط. هذا التفصيل يحمل دلالة علمية كبيرة، لأنه يعني أن الكائنات كانت تعود إلى هذه المنطقة مرارًا وتكرارًا على فترات زمنية مختلفة، ربما للتغذية أو العبور أو الاستقرار الموسمي.

هذا النمط يعكس استقرارًا بيئيًا نسبيًا في تلك الفترة، ويوحي بأن المنطقة كانت توفر موارد طبيعية كافية من المياه والنباتات والحيوانات الصغيرة، ما جعلها نقطة جذب للحياة البرية على مدى آلاف السنين.

الخشب المتحجر… شاهد صامت على غابات العصر القديم

لم يقتصر الاكتشاف على آثار الأقدام فقط، بل عثر الباحثون أيضًا على قطع من الخشب المتحجر بالقرب من المسارات الأحفورية، بما في ذلك جذوع أشجار متساقطة وأخرى قائمة في أماكنها الأصلية. هذا الاكتشاف المرافق يضيف بعدًا بيئيًا بالغ الأهمية، إذ يوفر دليلًا مباشرًا على الغطاء النباتي الذي كان موجودًا في المنطقة.

الخشب المتحجر يدل على وجود غابات أو تجمعات نباتية كثيفة نسبيًا، ما يؤكد أن البيئة لم تكن صحراوية أو قاحلة، بل كانت غنية بالنباتات التي شكّلت أساس السلسلة الغذائية لذلك النظام الإيكولوجي القديم.

نافذة على العصر الترياسي-الجوراسي… لحظة تحوّل في تاريخ الحياة

يعود تاريخ هذه الآثار إلى نحو 200 مليون عام، وهي فترة حرجة في تاريخ الأرض، تُمثّل الانتقال من العصر الترياسي إلى العصر الجوراسي. في تلك المرحلة، شهد الكوكب تغيرات مناخية وبيئية كبيرة، أعقبت واحدة من أضخم حالات الانقراض الجماعي في تاريخ الحياة.

هذا الاكتشاف يساعد العلماء على فهم كيف استجابت الكائنات الحية لهذه التغيرات، وكيف بدأت الديناصورات في التوسع والهيمنة تدريجيًا على البيئات البرية، مستفيدة من الفراغ البيئي الذي خلّفه انقراض مجموعات سابقة.

لماذا تُعد آثار الأقدام أكثر من مجرد فضول علمي؟

قد يبدو للبعض أن آثار الأقدام مجرد تفاصيل ثانوية مقارنة بهياكل عظمية كاملة، لكن في الحقيقة، تحمل هذه الآثار قيمة علمية فريدة. فمن خلال قياس طول الخطوة والمسافة بين الآثار، يمكن للباحثين تقدير سرعة الكائن وطريقة مشيه. كما يمكن تحليل اتجاه الحركة لمعرفة ما إذا كانت الحيوانات تتحرك منفردة أو ضمن مجموعات.

في حالة اكتشاف سيتشوان، تُظهر بعض المسارات اتجاهات متقاربة، ما قد يشير إلى عبور متزامن لكائنات متعددة، وهي فرضية تفتح نقاشًا علميًا حول السلوك الاجتماعي المبكر لبعض الديناصورات أو الزواحف المعاصرة لها.

الصين وسجلها الحافل بالحفريات الديناصورية

يُضاف هذا الاكتشاف إلى سجل طويل من الاكتشافات الديناصورية في الصين، التي تُعد واحدة من أغنى دول العالم في هذا المجال. فمنذ العقود الماضية، كشفت الأراضي الصينية عن هياكل عظمية شبه كاملة لريش الديناصورات، وأدلة على تطور الطيور، والآن تضيف آثار الأقدام فصلًا جديدًا إلى هذه القصة المتكاملة.

التنوع الجيولوجي الواسع في الصين، إلى جانب برامج البحث العلمي المتقدمة، جعل منها مختبرًا طبيعيًا لدراسة تطور الحياة على الأرض عبر مئات الملايين من السنين.

ما الذي يعنيه هذا الاكتشاف لمستقبل البحث العلمي؟

يرى الباحثون أن اكتشاف آثار أقدام متعددة في موقع واحد يفتح المجال أمام دراسات أعمق تشمل إعادة بناء النظم البيئية القديمة باستخدام النماذج الرقمية والمحاكاة ثلاثية الأبعاد. كما يمكن أن يساعد في ربط هذا الموقع بمواقع أخرى مشابهة حول العالم، لرسم خريطة أوسع لحركة الديناصورات وانتشارها في حقب مبكرة.

ومن المتوقع أن تشهد المنطقة مزيدًا من أعمال التنقيب والدراسة خلال السنوات القادمة، مع احتمالية العثور على آثار إضافية أو حتى بقايا عظمية تدعم ما كُشف عنه حتى الآن.

التفاعل بين العلم والطبيعة… قصة لم تنتهِ بعد

ما يميّز مثل هذه الاكتشافات هو أنها تذكّر الإنسان بعمق الزمن الذي سبق وجوده، وبأن الأرض كانت مسرحًا لحياة معقدة وغنية قبل ملايين السنين. آثار الأقدام، رغم بساطتها الظاهرية، تمثّل اتصالًا مباشرًا بين حاضرنا ومستقبلنا من جهة، وماضٍ سحيق لا يزال يخفي الكثير من أسراره من جهة أخرى.

في كل أثر قدم مطبوع في الصخر، هناك قصة حركة، لحظة حياة، ونبض كائن عاش ومشى ثم اختفى، لكن بصمته بقيت لتصل إلينا بعد 200 مليون عام.

ما الذي يميز آثار الأقدام الأحفورية عن العظام؟
آثار الأقدام تكشف عن السلوك وطريقة الحركة والبيئة، بينما تركز العظام على الشكل والتركيب الجسدي.

كم يعود عمر الآثار المكتشفة في سيتشوان؟
يعود تاريخها إلى نحو 200 مليون عام، أي إلى نهاية العصر الترياسي وبداية العصر الجوراسي.

ما هي الديناصورات الثيروبودية؟
هي ديناصورات آكلة للحوم، تمشي على قدمين، وتتميّز بأقدام ثلاثية الأصابع ومخالب حادة.

ما أهمية العثور على خشب متحجر في الموقع؟
الخشب المتحجر يوفّر أدلة على البيئة النباتية والمناخ، ويساعد في إعادة بناء النظام الإيكولوجي القديم.

هل يمكن أن تُكتشف آثار أخرى في المنطقة؟
نعم، فوجود طبقات متعاقبة وآثار متعددة يشير إلى احتمال كبير لوجود اكتشافات إضافية مستقبلًا.

اقرأ أيضًا: قمة تتجاوز النقاط… صراع الصدارة يشتعل بين السعودية والمغرب في كأس العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى