الترند العربي – متابعات

في صورة جديدة من صور الريادة الطبية والإنسانية السعودية، بدأت اليوم في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالرياض المرحلة الأولى من عملية فصل التوأم السيامي الجامايكي «أزاريا وأزورا»، وهي واحدة من أكثر العمليات تعقيدًا ضمن سلسلة عمليات فصل التوائم التي تُشرف عليها المملكة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بقيادة الفريق الطبي والجراحي السعودي المتخصص، تحت رئاسة معالي د. عبدالله الربيعة – المستشار بالديوان الملكي والمشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

هذه العملية التي تُنفذ على أرض الرياض ليست مجرد إجراء طبي، بل قصة إنسانية كبرى تجمع بين التقنية الطبية المتقدمة، والخبرة التراكمية للفريق السعودي، والدور الإنساني الذي جعل المملكة إحدى أهم الدول في العالم في مجال فصل التوائم السيامية.

ومنذ وصول التوأم إلى المملكة في أواخر يوليو الماضي عبر طائرة الإجلاء الطبي الجوي التابعة لوزارة الدفاع، بدأت الخطة العلاجية الممتدة التي وضعتها المملكة لإنقاذ حياتهما، في مشهد يعكس حجم الالتزام السعودي تجاه الإنسان أيًا كانت جنسيته أو بلده.

رحلة الوصول إلى الرياض.. قفزة أمل لأسرة جامايكية من أقصى الكاريبي إلى قلب المملكة

عاشت الأسرة الجامايكية لحظات عصيبة منذ ولادة التوأم أزاريا وأزورا، فالحالتان وُلدتا بتشوهات نادرة للغاية، وباشرت الجهات الصحية في جامايكا البحث عن حلّ، إلا أن الإمكانات لم تكن كافية لإجراء جراحة فصل بهذا التعقيد.

وعندما تواصلت أسرة التوأم مع برنامج فصل التوائم السيامية السعودي المعتمد عالميًا، لم تتردد المملكة في تقديم الدعم الكامل ونقل الطفلتين فورًا عبر الإجلاء الطبي الجوي، ليبدأ مشوار علاجي جديد عنوانه الرحمة والإنسانية، وميدانه الرياض.

استقبل الطاقم الطبي السعودي الطفلتين فور وصولهما، وبدأت مرحلة تقييم دقيق استمرت عدة أشهر للتأكد من إمكانية إجراء العملية، وتحديد مراحل الجراحة وخطواتها، نظرًا لأن التوأم لديهما اشتراكات معقدة للغاية.

التشخيص الطبي: اشتراكات متعددة أبرزها في الكبد والبطن والصدر وعيوب خطيرة بالقلب

كشف الفريق الطبي أن التوأم أزاريا وأزورا متحدتان في عدة مناطق مهمة تشمل:

• أسفل الصدر
• البطن كاملًا تقريبًا
• الكبد (اشتباه تام)
• الأغشية المحيطة بالقلب
• الأمعاء

غير أن أكثر التحديات خطورة كانت تتعلق بالطفلة أزورا؛ إذ أظهرت الفحوصات أن قلبها لا يضخ سوى 20% فقط من المعدل الطبيعي، ما يجعلها أكثر عرضة للمضاعفات أثناء العملية وبعدها.

وبيّن الفريق الطبي أن هذا النوع من العيوب يُعد من أخطر أنواع التحديات التي يواجهونها في عمليات فصل التوائم، إذ قد يتعرض الطفل لعدم القدرة على الاستمرار في الحياة دون دعم طبي عالي الجودة قبل وأثناء وبعد العملية.

ومع ذلك، أكد د. الربيعة أن القرار بالمضي في العملية اتُّخذ بعد دراسة عميقة، وأن المملكة لديها الخبرة التقنية والعملية للتعامل مع الحالات الأكثر تعقيدًا على مستوى العالم.

عملية تمتد لـ 9 ساعات.. مقسمة على 6 مراحل جراحية دقيقة

تُعد هذه العملية ضمن أكثر جراحات فصل التوائم تعقيدًا في تاريخ المملكة، حيث أوضح د. الربيعة أن الجراحة تتكون من:

المرحلة الأولى:

تجهيز الفريقين الطبيين، وتعقيم وتجهيز غرف العمليات، وتجهيز الأجهزة الداعمة، إضافة إلى التخدير الكامل للتوأم مع مراعاة الاختلاف في وظائف القلب والتنفس.

المرحلة الثانية:

تصوير دقيق ومباشر لمنطقة الارتباط عبر الأجهزة الجراحية الذكية، لتحديد نقاط الارتباط بدقة ميليمترية، خاصةً على مستوى الكبد والصدر والأمعاء.

المرحلة الثالثة:

فصل الأنسجة المشتركة خطوة بخطوة، مع المحافظة على الأوعية الحيوية، وضبط النزيف لحظة بلحظة، وهو من أكثر مراحل العملية حساسية.

المرحلة الرابعة:

إعادة بناء الأعضاء الحيوية لكل طفلة على حدة، ومعالجة أي نقص أو تشوه.

المرحلة الخامسة:

إغلاق المناطق الجراحية بدقة، وتشكيل الصدر والبطن عبر ترقيع أنسجة مناسبة لكل طفلة.

المرحلة السادسة:

نقل التوأم إلى العناية المركزة ومتابعة الوظائف الحيوية عبر فرق متعددة التخصصات.

الفريق الطبي المشارك في العملية يتكون من:

• جراحين متخصصين
• استشاريي تخدير
• فريق القلب
• خبراء أشعة
• متخصصي عناية مركزة أطفال
• متخصصي تمريض
• فرق مساندة تقنية

يعمل هذا الفريق بتناغم وتجربة تمتد لأكثر من 33 عامًا جعلت السعودية الدولة رقم 1 عالميًا في عمليات فصل التوائم السيامية.

السعودية.. الرقم الأصعب عالميًا في عمليات فصل التوأم السيامي

منذ عام 1990 وحتى اليوم، أشرفت المملكة على:

• 135 حالة توائم سيامي من حول العالم
• نجاح فصل 60 حالة بنسب نجاح تُعد الأعلى عالميًا
• استقبال توائم من أكثر من 30 دولة

هذه الأرقام لم تتحقق من فراغ، بل من بنية طبية قوية، وبرنامج وطني تُشرف عليه الدولة، ودعم غير محدود من القيادة السعودية، ووجود أجهزة طبية متطورة لا تتوفر إلا في أقل من 15 دولة حول العالم.

ومع التطور الهائل الذي يشهده القطاع الصحي السعودي ضمن رؤية 2030، باتت المملكة مقصدًا طبيًا عالميًا في حالات التوائم السيامية.

الفريق الطبي السعودي.. بصمة عالمية وإنجازات إنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا

د. عبدالله الربيعة هو اسم عالمي مرتبط بعشرات قصص النجاح في فصل التوائم السيامية، وقائد لأبرز فرق الجراحة في العالم.

ويؤكد د. الربيعة دائمًا أن سرّ النجاح ليس فقط في المهارة الجراحية، بل في التكامل بين الفريق بكامل تخصصاته، وقدرة المستشفيات السعودية على توفير:

• غرف عمليات متقدمة
• تصوير ثلاثي الأبعاد
• أجهزة مراقبة فورية
• تقنية محاكاة كاملة قبل إجراء الجراحة
• عناية مركزة للأطفال بمستوى عالمي

وفي هذه العملية تحديدًا، تبرز أهمية تنسيق عمل متخصصي القلب نظرًا للعيب الخطير لدى الطفلة أزورا، وهو ما يجعل الفريق في حالة تأهب دائم طوال الساعات التسع.

قصة إنسانية جديدة تُضاف لسجل المملكة في خدمة الإنسان

من جامايكا إلى الرياض، وُلد أمل جديد لأسرة صغيرة كانت على وشك فقدان فلذتي كبدها.
رحلة معقدة، لكنها ليست جديدة على السعودية التي سبق وأن أنقذت توائم من:

• اليمن
• مصر
• ليبيا
• العراق
• سوريا
• المغرب
• الفلبين
• بولندا
• نيجيريا
• ماليزيا
• وغيرها

ولأن العمل الإنساني أصبح جزءًا من هوية المملكة، فإن هذه العمليات تُجرى مجانيًا بالكامل بقرار من القيادة السعودية.

التوأم في العناية المركزة بعد المرحلة الأولى.. وتقييم مستمر للحالة

بعد انتهاء المرحلة الأولى من العملية، أعلن الفريق الطبي أن الطفلتين نُقلتا إلى العناية المركزة للأطفال لاستكمال المتابعة الطبية الحيوية، خصوصًا للطفلة أزورا، التي تحتاج مراقبة دقيقة بسبب ضعف أداء القلب لديها.

ويُتوقع أن تستمر المتابعة لعدة أسابيع قبل اتخاذ قرار بشأن الخطوة التالية، مع اعتماد خطة علاجية مخصصة لكل طفلة حسب تطور الاستجابة الجسدية.

رؤية طبية–إنسانية تُجسد روح السعودية الجديدة

لا تنفصل هذه الإنجازات عن رؤية المملكة 2030 التي جعلت القطاع الصحي محورًا رئيسيًا للتطوير، ومركزًا عالميًا للتدريب والأبحاث والابتكار الطبي.

إجراء مثل هذه العمليات يعكس:

• قوة البنية التحتية الطبية
• مستوى التعليم الطبي
• تطور مراكز الأبحاث
• دعم القيادة
• جودة الكوادر الوطنية
• ريادة المملكة في العمل الإنساني الدولي

ولهذا، أصبحت تجربة السعودية في فصل التوائم مرجعًا عالميًا يُدرّس في كليات الطب حول العالم.

ما مدى صعوبة عملية فصل التوأم السيامي الجامايكي؟
العملية تُعد من أكثر العمليات تعقيدًا بسبب الاشتراكات في الصدر والبطن والكبد والأمعاء، ووجود عيب خطير في قلب إحدى الطفلتين.

هل نسبة النجاح مرتفعة؟
يعتمد الأمر على الاستجابة أثناء الجراحة وفي العناية المركزة. الفريق السعودي يمتلك أعلى نسب نجاح عالميًا، لكن لكل حالة تحدياتها الخاصة.

لماذا تستغرق العملية 9 ساعات؟
لأنها تتضمن 6 مراحل دقيقة تتطلب جهدًا جماعيًا من عشرات الأطباء والمختصين، إضافة إلى التعامل مع أعضاء مشتركة حساسة.

من يتحمل تكاليف العملية؟
المملكة العربية السعودية تتكفل بكامل التكاليف ضمن برنامجها الإنساني العالمي لفصل التوائم السيامية.

ما المتوقع بعد العملية؟
يبقى التوأم في العناية المركزة للمراقبة، ثم تبدأ مرحلة إعادة التأهيل الطبي مع متابعة مستمرة للتأكد من استقرار الوظائف الحيوية.

اقرأ أيضًا: بدء عملية فصل التوأم السيامي النيجيري “حسانة وحسينة” في السعودية