تقنية

السعودية تُعيد تعريف الأمن السيبراني.. من الدفاع إلى الريادة الاقتصادية الرقمية

الترند العربي – متابعات

لم يعد “الأمن السيبراني” في السعودية مجرد درعٍ دفاعي لحماية الأنظمة من الهجمات الرقمية، بل تحوّل إلى قوة اقتصادية استراتيجية تدعم الابتكار، وتُسهم في خلق وظائف نوعية، وتعزز ثقة المستثمرين، لتصبح المملكة من بين الدول القليلة التي دمجت الأمن السيبراني في صميم منظومتها الاقتصادية والتنموية.

الأمن السيبراني السعودي.. من الحماية إلى التمكين

وفقًا لبيانات شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC) الشرق الأوسط، تتصدر السعودية المنطقة في نضج واستعداد الأمن السيبراني، حيث تخطط 87 في المائة من الشركات لاعتماد “الذكاء الاصطناعي التوليدي” في منظوماتها الدفاعية خلال الأعوام المقبلة، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو بناء اقتصاد رقمي آمن ومبتكر.

ويؤكد سامر عمر، مدير قسم الأمن السيبراني والثقة الرقمية في “بي دبليو سي” الشرق الأوسط، أن السعودية أصبحت “واحدة من أبرز الأسواق عالميًا من حيث الجاهزية والنضج السيبراني”، مشيرًا إلى أن الاستثمار المتواصل في التقنيات الناشئة مثل “الذكاء الاصطناعي التوليدي” جعل المملكة مركزًا عالميًا للأمن السيبراني الذكي.

الذكاء الاصطناعي في الدفاع السيبراني

تشير التقارير إلى أن شركات سعودية مثل “هيوماين” (HUMAIN) تسهم في تطوير حلول متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقليل الاعتماد على المحللين البشريين، وأتمتة عمليات مراقبة الالتزام بمعايير الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA). هذه التحولات تضع السعودية في طليعة الدول التي توظف الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني بشكل ممنهج ومدروس.

لكن التوسع في الذكاء الاصطناعي يطرح تحديات جديدة، إذ يرى ثلث قادة الشركات في المنطقة أن هذه التقنيات وسّعت نطاق الهجمات المحتملة، ما يستدعي أطر حوكمة دقيقة ووعيًا مؤسسيًا بالاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات الحديثة.

من الرقابة إلى الثقة الرقمية

أظهرت دراسة “برايس ووترهاوس كوبرز” أن 63 في المائة من مجالس إدارات الشركات في المنطقة تُعد فعالة في الإشراف على الأمن السيبراني، بينما لا تتجاوز نسبة سرعة الاستجابة للحوادث 27 في المائة، ما يعكس الحاجة إلى رفع جاهزية القيادات التنفيذية.

ويؤكد سامر عمر أن مديري الأمن المعلوماتي يجب أن يتحولوا إلى شركاء استراتيجيين لمجالس الإدارة، وأن يتحدثوا بلغة الأعمال لا التقنية فقط، مشددًا على أن “الثقة الرقمية أصبحت ميزة تنافسية كبرى، لا مجرد عنصر حماية”.

الحوسبة السحابية والسيادة الرقمية

تسعى 68 في المائة من الشركات السعودية إلى نقل عملياتها إلى الحوسبة السحابية خلال عام 2025، وهو تحول يتطلب موازنة دقيقة بين الابتكار وحماية البيانات. وقد أصبحت السعودية موطنًا لأكبر مزودي خدمات الحوسبة السحابية عالميًا، بفضل التنظيمات الصارمة من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA) وهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية (CST).

ويرى الخبراء أن التعاون بين كيانات مثل “أرامكو” و”إس تي سي” أسهم في بناء القدرات المحلية وتسريع التحول الرقمي مع الحفاظ على سيادة البيانات الوطنية.

المشاريع الكبرى كمختبرات للأمن السيبراني

تمثل مشاريع مثل نيوم والبحر الأحمر والقدية مختبرات حقيقية لتطبيق أحدث مفاهيم الأمن السيبراني، نظرًا لتداخل أنظمة تكنولوجيا المعلومات والتشغيل الصناعي وإنترنت الأشياء فيها.

ويشير عمر إلى أن هذه المشاريع تتبنى فلسفة “الأمن بالتصميم”، حيث يُدمج خبراء الأمن والخصوصية في مراحل التصميم الأولى، لضمان حماية البنية التحتية منذ البداية، مما ساهم في تقليل المخاطر وتعزيز “الثقافة السيبرانية” في المؤسسات.

حوكمة ذكية ومعايير رائدة

رغم أن 25 في المائة فقط من الشركات في المنطقة تشعر بثقة عالية في الامتثال للوائح الذكاء الاصطناعي، يرى عمر أن السعودية تمثل نموذجًا عالميًا في سرعة التنظيم والتكيّف، إذ تتابع النماذج الناجحة دوليًا وتطور عليها محليًا، مع إشراك الجامعات لتضمين هذه المفاهيم في المناهج التعليمية.

رأس المال البشري.. قلب الأمن السيبراني

يشدد عمر على أن “العنصر البشري هو المحرك الحقيقي للنضج السيبراني الوطني”، داعيًا إلى تأسيس مراكز تميز ومختبرات محاكاة (Cyber Ranges) لتدريب الكفاءات السعودية في بيئات واقعية.
وتشير الدراسات إلى أن 73 في المائة من الشركات تعتبر الأمن السيبراني ركيزة لبناء الثقة مع العملاء، ما يحوله إلى أداة اقتصادية تولد الثقة والإيرادات، لا مجرد حاجز دفاعي.

ويختم عمر حديثه قائلًا: “في الاقتصاد الرقمي، الثقة هي العملة الأهم، والمملكة اليوم لا تحمي بياناتها فقط، بل تبني سمعتها وتصدّر خبراتها للعالم”.

ما الذي يجعل السعودية رائدة في الأمن السيبراني؟
الاستثمار المستمر في البنية التحتية، وتأسيس الهيئات التنظيمية المتخصصة، وتبنّي الذكاء الاصطناعي في الدفاع الرقمي، جعل المملكة نموذجًا عالميًا في النضج السيبراني.

كيف يساهم الأمن السيبراني في النمو الاقتصادي؟
من خلال تعزيز الثقة الرقمية، وجذب الاستثمارات، وتوفير وظائف نوعية، وتحويل الأمن إلى قيمة اقتصادية ترفع كفاءة الأعمال وتدعم التنافسية العالمية.

ما علاقة مشاريع “نيوم” و”البحر الأحمر” بالأمن السيبراني؟
تعمل هذه المشاريع كمختبرات لتطبيق فلسفة “الأمن بالتصميم”، حيث تُدمج الحماية ضمن البنية الرقمية منذ المراحل الأولى للتخطيط والبناء.

ما مستقبل الأمن السيبراني في السعودية بحلول 2030؟
تسعى المملكة لتصدير خبراتها ومنتجاتها السيبرانية للأسواق العالمية، لتصبح قوة سيبرانية عالمية تدعم الاقتصاد الرقمي وتُعيد تعريف مفهوم الأمن في عصر الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى