الأسرة والمجتمع

مفهوم الزواج عند الشباب.. هل تراجع بسبب الغلاء أم تبدّل القيم؟

مفهوم الزواج عند الشباب.. هل تراجع بسبب الغلاء أم تبدّل القيم؟

الترند العربي – متابعات

شهد العالم العربي في العقدين الأخيرين تحوّلات اجتماعية واقتصادية عميقة، انعكست بوضوح على نظرة الشباب إلى مؤسسة الزواج. ففيما كان الزواج يُعد خطوة أساسية وضرورية في حياة الإنسان العربي، أصبح اليوم خيارًا مؤجلًا أو حتى محل تساؤل لدى كثير من الشباب، وسط تراجع نسب الإقبال عليه وارتفاع معدلات العزوف، خصوصًا في فئة العشرينيات والثلاثينيات. فهل السبب الرئيسي هو الغلاء وتكاليف المعيشة المرتفعة؟ أم أن هناك تحولًا أعمق في منظومة القيم والاهتمامات؟

مؤشرات مقلقة: تأخر سن الزواج وتزايد العزوف
تشير إحصائيات متعددة إلى أن متوسط سن الزواج في الدول العربية ارتفع خلال السنوات الماضية. ففي السعودية مثلًا، بلغ متوسط سن الزواج للذكور 27 عامًا وللإناث 25 عامًا، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء. أما في مصر، فقد أظهر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن هناك ارتفاعًا في نسبة غير المتزوجين في الفئة العمرية بين 30 و39 عامًا.

وفي الجزائر وتونس ولبنان، بات تأخر الزواج والعزوف عنه يمثل ظاهرة لافتة، تدفع بها ظروف اقتصادية ضاغطة، إلى جانب متغيرات ثقافية واجتماعية.

أولًا: الغلاء وتكاليف الزواج
يعد الجانب الاقتصادي من أبرز العوامل المباشرة التي تدفع الشباب للعزوف عن الزواج أو تأجيله، ويشمل ذلك:

ارتفاع المهور ومتطلبات الزواج مثل القاعات، الأجهزة، الذهب، وتأثيث المنزل.

البطالة أو انخفاض الدخل، وهو أمر شائع في أوساط الشباب العربي، خصوصًا حديثي التخرج.

الضغوط المرتبطة بتأمين سكن مستقل، حيث أصبح الحصول على شقة خاصة أمرًا شبه مستحيل لدى البعض دون دعم عائلي.

غلاء المعيشة بشكل عام، مما يجعل الالتزام بمسؤوليات أسرة أمرًا يفوق قدرة كثير من الشباب.

وفي هذا السياق، تشير دراسات إلى أن أكثر من 60% من الشباب العرب يعتبرون الزواج “عبئًا اقتصاديًا” لا يمكن تحمله دون دعم مباشر من الأهل.

ثانيًا: تبدّل القيم وتغيّر الأولويات
لكن هل العامل الاقتصادي وحده يكفي لتفسير هذا التحوّل؟ الإجابة ليست بهذه البساطة، إذ إن تغيّر المفاهيم والقيم المجتمعية بات أيضًا مؤثرًا بارزًا، ومن أبرز الملامح:

ازدياد النزعة الفردية، حيث أصبح الكثير من الشباب يفضلون “الحرية الشخصية” والتركيز على الذات، والتطور المهني والسفر بدلًا من الالتزامات الأسرية.

انتشار مفاهيم جديدة عن العلاقات، خصوصًا في ظل تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الغربية، ما أدى إلى تغيّر نظرة البعض لمفهوم الزواج التقليدي.

تراجع سلطة الأعراف والتقاليد، ولم يعد الزواج ضرورة اجتماعية كما كان في السابق، بل أصبح خيارًا قابلًا للنقاش والتأجيل.

صعود دور المرأة، وتوجهها نحو الاستقلال المهني والمالي، ما غيّر أيضًا طبيعة التوقعات من الزواج وجعل الكثير من النساء يعيدن التفكير في توقيته أو جدواه.

ثالثًا: نموذج الزواج التقليدي.. هل لا يزال ملائمًا؟
يتساءل البعض إن كان النموذج التقليدي للزواج (شقة – حفل كبير – قائمة تجهيزات طويلة – أطفال بعد عام) لا يزال ملائمًا للجيل الجديد، الذي يُفضّل البساطة والتفاهم على الشكل والبهرجة.

ظهرت مبادرات في دول مثل الأردن والسعودية والكويت لتيسير الزواج، مثل تقليل المهور، وتشجيع الزواج الجماعي، ومنح قروض ميسّرة للمقبلين على الزواج. إلا أن أثر هذه المبادرات يبقى محدودًا دون مراجعة عميقة للمنظومة الاجتماعية المرتبطة بالزواج.

هل نحن أمام أزمة أم تحوّل طبيعي؟
يرى باحثون أن ما يحدث ليس بالضرورة أزمة، بل تحوّل اجتماعي طبيعي في ظل تطور الأدوار والقيم وأنماط الحياة، خصوصًا في المجتمعات المدنية والجامعية. وقد يكون تأخر الزواج مؤشرًا على وعي الشباب بأهمية بناء حياة مستقرة قبل تأسيس أسرة، بدلًا من الوقوع في زيجات فاشلة أو غير ناضجة.

الحاجة لنموذج زواج عصري وواقعي
سواء كان السبب غلاء المعيشة أو تغيّر القيم، فإن الأمر يستدعي إعادة التفكير في نموذج الزواج المعتمد في المجتمعات العربية. فالمطلوب ليس التخلي عن مؤسسة الزواج، بل تطويرها بما يناسب واقع الشباب الحالي وتطلعاتهم. زواج أكثر بساطة، وأقل تكلفة، وأكثر تركيزًا على الشراكة الحقيقية والتفاهم، هو ما قد يُعيد الثقة في هذه المؤسسة، ويجعلها مرة أخرى حلمًا قابلًا للتحقيق، لا عبئًا يخشاه الشباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى