كُتاب الترند العربي

لا تؤجل حياتك إلى الغد

محمود عبدالراضي

في الحياة نحن لا نكبر، بل نؤجل، نؤجل الضحكة حتى تُستحق، ونؤجل السفر حتى “يتيسر”، ونؤجل الحب حتى “نستقر”، ونؤجل الحياة حتى إشعارٍ آخر، كأن الزمن موظف حكومي سيُخبرنا متى يحين الموعد.

نظن أن العمر يملك خاصية الحفظ المؤقت، نضغط على زر “Pause” لحين جمع المال، أو استقرار الحال، أو شفاء الأوجاع، ولكن لا أحد يخبرنا أن الحياة لا تعرف هذا الزر، وأن اللحظة حين تمر، تُغلق خلفها الباب دون وداع.

كثيرون أولئك الذين قضوا أعمارهم في جني المال، ليكتشفوا لاحقاً أنهم ادّخروا صحّتهم أيضاً، جمعوا العملات ليشتروا بها الوقت، فوجدوه قد نفد، وأن ما جمعوه لا يشتري ضحكة واحدة من القلب، ناموا على وسادة الأمل في “غدٍ أفضل”، فاستيقظوا على سرير في مستشفى.

اللحظة مثل فنجان القهوة، إن أجلتها فقدت حرارتها، وإن أتيت إليها متأخراً، وجدتها فاترة، بلا طَعمٍ ولا عطر، كم من فنجان سكبناه دون أن نرتشفه؟ وكم من ذكرى خططنا لصنعها، فصنعت منا غرباء عن أنفسنا ونحن ننتظر الوقت المناسب؟

الطفل الذي يُسعده دراجة اليوم، قد يحتقرها غداً بعدما يكبر، وأنت كذلك، ما تريده الآن بشغف، قد تملّه لاحقاً ولو قُدّم لك مجاناً، فإحساسك اليوم ليس وعداً بالثبات، بل هو ضيف يطرق بابك الآن، فإما أن تفتح له، أو ترحل عنه الفرصة دون رجعة.

نؤجل الحب حتى نجد “الوقت الأنسب”، ونؤجل الاعتذار حتى “تهدأ النفوس”، ونؤجل الحياة حتى نجد “النسخة المثالية منها”، وفي النهاية، لا نجد شيئاً سوى تأجيل بلا نهاية، كأننا نكتب سيرةً ذاتية مؤجلة إلى إشعار غير معلوم.

ولذا.. عِش الآن، لا من باب الاندفاع، بل من باب الحكمة، عِش اللحظة بكامل حضورك، لا تؤجل ضحكتك، لا تنتظر سماءً بلا غيوم لتفرح، ولا جسداً بلا وجع لتسافر، ولا ظرفاً بلا نقص لتُحب.

فاللحظة القادمة قد لا تأتي، وإن أتت، قد تأتي خالية منك، أو تأتي وأنت لست كما كنت، فلا تظن أن الأشياء تحفظ نفسها لك حتى تعود، ولا تظن أن القلب ينتظرك بذات الدفء.

الحياة لا تنتظر المترددين، والفرح لا يطرق باب المؤجلين، عشها الآن، بكل ما فيها، فإن تأجيل الحياة، هو أقصر طريق إلى الموت المؤجل.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى