
خمسون سنة من الحب
فاروق يوسف
اختلف العرب في محبتها. لكل فريق موهبته في التعبير عن الشغف بأثرها الذي يتلمس خلوده من خلال جمل، تختلف من شخص إلى آخر.
فمَن يحب “أهل الهوى والأوِّلَة في الغرام وأنا في انتظارك” ليس كمَن يحب “أنت عمري وبعيد عنك وليلي ونهاري.”
وما بين الفريقين هناك فريق يفضل “هجرتك ويا ظالمني والأمل.”
لكل فريق أسبابه المستلهمة من حب السيدة التي تربعت على عرش الغناء العربي بطريقة استثنائية تسمح لها بالبقاء في ذلك الموقع حتى وأن غابت جسديا.
وقد يكون لقب “الهرم الرابع” هو أكثر ألقابها تعبيرا عن ذلك الوجود الذي يصل الوهم بالواقع فيكون الخيال حقيقة يمكن تلمس الطريق إليها من خلال الآهات.
آهات الحب في وصاله وفراقه، في متعته ولوعته، في كسوفه وخسوفه، في نعيمه وجحيمه.
لقد فرشت الست بساطا أخضر من حقول المحبة تحت أقدام العشاق المنداة بربيع غرامهم.
هناك زهرة كلثومية نبتت في حناجر كل الذين عز عليهم الكلام بعد أن فاضت عيونهم بالدمع. تلك امرأة وضعت الحب في مكان، هو أعلى من أن يُمس، أكثر شفافية من أن يُرى.
كل النساء العاشقات على ضفة فيما تقف أم كلثوم وحدها على ضفة مقابلة.
كتب من أجلها الشعراء ما لم يتمكنوا من كتابته من قبلها كما لو أن حبر إلهامها هو الذي كان يخط سطوره على الورق.
الحب الكلثومي لا يشبه أي حب آخر. “اللي جوه القلب كان في القلب جوه/ رحنا واتغيرنا أحنه إلا هو” مضت خمسون سنة على وفاتها. تغير كل شيء إلا أم كلثوم. وحدها لا تزال اللغز الذي كلما اتسعت دائرة مريديه كلما ازداد غموضا.
فرضت أم كلثوم طرفي المعادلة ليكونا متشابهين “أمر عذاب وأحلى عذاب/ عذاب الحب للأحباب” وصدقناها.
لا أحد في إمكانه أن يكذب السيدة وهي تقول “إن كنت أقدر أحب تاني أحبك أنت” تلك امرأة دست الحب بين ثيابنا فصرنا كلما تحسسناها ينبعث صوتها “أنساك ده كلام/ أنساك يا سلام/ أهو دا اللي مش ممكن أبداً ولا أفكر فيه أبداً” شيء من أم كلثوم يقيم في الذاكرة العربية ويجددها ويحذف المسافة التي تفصل بين مفرداتها.
وهبت أم كلثوم العرب سنوات طافحة بالغرام. ما من شيء أعظم من أمة تتعلم الحب.
كل أغنية من أغانيها هي درس في الغرام. بل أن كل جملة من الجمل التي أنشدتها تنطوي على فكرة حب لا يمكن أن تزول.
المصدر: العرب