لعبة المال
عمر غازي
في أحد الأحياء المتواضعة في نيويورك، كان هناك شاب يُدعى “جورج سوروس”، بدأ حياته بائعًا متجولًا، يجمع القروش القليلة ليعيل أسرته بعد أن فرّت من ويلات الحرب العالمية الثانية، لم يكن لدى جورج رأس مال كبير، لكنه امتلك شيئًا أكثر أهمية، حيث فهم المال كأنه لعبة تُدار بعقل وليس بيد، ولأنه آمن بأن الذكاء المالي يتفوق على وفرة المال، أصبح في ما بعد واحدًا من أعظم المستثمرين في العالم، حيث بنى ثروة تُقدر بمليارات الدولارات.
هذه القصة ليست استثناءً، بل درس يتكرر في حياة كثيرين ممن فهموا أن المال ليس هدفًا بل أداة، وأن الثراء لا يحتاج بالضرورة إلى خزائن ممتلئة بقدر ما يحتاج إلى عقول تعرف كيف تخطط وتدير، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020 أن 80% من أصحاب الملايين العصاميين لم يبدأوا حياتهم بأموال طائلة، بل اعتمدوا على استراتيجيات مدروسة تضمنت إدارة المخاطر، والاستثمار الذكي، وتطوير الذات.
المال في حقيقته ليس سوى لعبة ذات قواعد واضحة، الفائز فيها ليس من يمتلك أكبر رأس مال، بل من يعرف كيف يُديره بحكمة، حيث أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة Credit Suisse عام 2021 أن 90% من الثروات في العالم تُدار عبر استراتيجيات تتعلق بالتنويع والاستثمار طويل الأمد، وليس عبر إنفاق متهور أو تركيز الثروة في مكان واحد.
الخطوة الأولى في هذه اللعبة تكمن في فهم القاعدة الأساسية “المال يولد المال”، حيث يُعتبر الاستثمار هو المفتاح وليس الادخار وحده، كما يقول رجل الأعمال وارن بافيت: “إذا لم تجد طريقة لتجعل أموالك تعمل من أجلك أثناء نومك، ستعمل طوال حياتك”، وقد أكدت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2019 أن الأفراد الذين يستثمرون جزءًا من دخلهم الشهري في الأصول مثل الأسهم أو العقارات يتمتعون بمعدل نمو مالي أسرع بنسبة 40% مقارنة بأولئك الذين يكتفون بالادخار التقليدي.
لكن الاستثمار وحده ليس الحل إذا لم يكن هناك إدارة واعية للمخاطر، حيث يظهر التاريخ مليئًا بأمثلة لأولئك الذين خسروا ثرواتهم لأنهم تجاهلوا أهمية التنويع، مثل الأزمة المالية العالمية عام 2008 التي أظهرت أن تكديس الأموال في قطاع واحد يمكن أن يكون مدمرًا، في المقابل، قصص النجاح مثل قصة “راي داليو”، مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم، تبرز كيف أن التنويع وإدارة المخاطر هما الركيزتان الأساسيتان للنجاح المالي، حيث يؤكد داليو دائمًا أن المال يجب أن يُدار كأنه لعبة شطرنج تحتاج إلى خطوات مدروسة وتحركات محسوبة.
في العالم العربي، قد تكون معضلة المال مختلفة بعض الشيء، حيث يعتمد الكثيرون على رؤوس الأموال الموروثة دون التفكير في كيفية إدارتها بشكل فعّال، حيث أظهر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2022 أن 60% من الشركات العائلية في الشرق الأوسط تفشل في الاستمرار بعد الجيل الثالث، والسبب غالبًا هو سوء إدارة الأموال وعدم وجود استراتيجيات مالية طويلة الأمد، مما يشير إلى أهمية التعليم المالي في تعزيز استدامة الثروات وتنميتها.
لكن، النجاح المالي لا يتعلق بالمال والاستراتيجيات فقط، بل يحتاج أيضًا إلى قيم مثل الانضباط والصبر، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2020 أن الأشخاص الذين يتمتعون بصبر طويل الأمد في استثماراتهم يحققون أرباحًا أعلى بنسبة 30% مقارنة بمن يسعون للربح السريع.
في النهاية، لعبة المال ليست معقدة بقدر ما هي تحدٍ لفهم القواعد وتطبيقها، ليس المهم كم تمتلك الآن، بل كيف تدير ما لديك لتحوله إلى ثروة مستدامة، حيث إن المال ليس هدفًا نهائيًا بل وسيلة لتحقيق حياة أفضل.