كُتاب الترند العربي

الاستدامة في صناعة الإعلام.. مسؤولية الشركات تجاه البيئة

الترند العربي – متابعات

صار المجال العلمي والصناعي بل والمجتمع كله يتقدَّم بخطواته الواسعة نحو الاستدامة، التي في أصلها نوع من المسايرة للتغيرات، وترك الفرص للأجيال القادمة، دونما أيِّ تاثير على الموارِد المُستقبلية، وبالتالي تكون الفائِدة المُتحققة الحاضر والإفادة المأمولة للآتي. فبما أنَّه لم تزل الأهداف واضحة وتتجه نحو تبلوُر خاص أمام أعيُنِ أصحاب المصالح وغيرهم من منفِّذي السياسات والنظُم، بات الأمْرُ واقعًا بشكل كبيرٍ وفعليٍّ ومطلوب النظر فيه، حتَّى على صعيد العمل الترفيهيّ والفنِّي، لا سيَما مجال الإعلام.

ماذا نعرف عن الأثر البيئي؟

عادةً يُعرَّف الأثر البيئي على أنَّه تغيير طبيعي أو كيميائي أو بيولوجي أو ثقافي أو اجتماعي اقتصادي على النظام البيئي نتيجة للأنشطة الخاصة بالمشروع. كذا هو الحال في صناعة الإعلام، كيف يمكن للشركات الإعلامية تقليل تأثيرها البيئي؟

ماذا يقول الإعلام البيئي؟

في أحد مجالات الإعلام المتطورة، يأتي الإعلام البيئي في مصاف الأطر التخصصية، التي تناقش مضار وآثار بئية سيئة على واقع المجتمع والإنسان، ومن ثمَّ البيئة المتضر الأول، بما تشمله من موارد وكائنات أخرى على وجه المعمورة، لا سيَّما، في ظل إهمال المؤسسات والأفراد لهذا الأمر منذ سنين طوال.

والإعلام البيئي وظيفته أن يتناول الموضوعات التي تخص البيئة، ومعرفة تركيب وعمل المنظمات والبرامج البيئية عالميا وإقليميا ومحليا، والاطلاع على المعاهدات البيئية ومتابعة تطوراتها ومتابعة تقارير البيئة لتحليل التطورات ومقارنة آراء الناس والجمعيات الأهلية والمؤسسات الرسمية والهيئات الدولية. قينوط هذا المجال بتوعية المجتمعات وأفرادها ومؤسساتها، من خلال برامج نوعية وتوصيات أكاديمية، وتقارير تُلهم هذه المجتمعات بأفكار لتقليل الآثار البيئية، والحفاظ على ما تبقَّى منها ضد مضارّ مستقبلية.

حينما تكون أدوات الإنتاج الإعلامي مجابًا للضرر

حينما تكون أدوات الإنتاج الإعلامي مجلبًا ومجابًا للضرر، فهنا تقف الجهود على أسنَّة المعطيات تتقافز من أجل تخفيف حدة الأثر، لآليات تنتج محتوى الوعي وتضي طرق الاستدامة.

بداية الأزمة

بدأت الأزمة مع الثورة الصناعية في بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر، محولة البلاد بسرعة إلى القوة التجارية الرائدة في العالم. ما بدأ في بريطانيا انتشر سريعًا عبر أوروبا وأمريكا الشمالية. خلال هذه الفترة، انتقلت الصناعات بسرعة من العمل اليدوي إلى الإنتاج القائم على الآلات، ومنها الصناعت السنيمائية، والتي غيّرت بشكل جذري عمليات التصنيع. مكن هذا التحول من الإنتاج الضخم، وزيادة الكفاءة، وتسريع النمو الاقتصادي، مما أسس لعالم صناعي حديث. إلَّا أنَّ أثر ومخلَّفات هذا التصنيع،  كان واحدًا من الأزمات الناشئة عقب هذا التحوُّل، بما حمله المجتمع الصناعي من أنظمة آلية وتقدُّم نحو التقنية.

العواقب السيئة

كانت العواقب البيئية شديدة، فقد أدى الاستخدام الواسع للفحم والآلات إلى زيادة حادة في انبعاثات الكربون، ومن جملته أدوات الإنتاج والتصنيع الإعلامي والسنيمائي، من مخلَّفات الإضاءة، وورقيات، ومواد تصنيع للأشرطة السنيمائية، فأدى مما أذَى إليه ضعف الصرف الصحي وجودة الهواء مما تسبب في مشاكل صحية عامة خطيرة. لقد تجاوز هذا النمو الصناعي السريع، في غمرة من نجاحاته، مرحلة القدرة على إدارة النفايات والانبعاثات، مما نتج عنه أضرار طويلة الأجل لكل من البيئة ورفاهية المجتمع.

مسؤولية الشركات تجاه البيئة

بالنظر إلى مسؤولية شركات الإنتاج الفنِّي والإعلامي تجاه البيئة، لابد من اعتماد عدد من السُبل المواجهة لما نتج من عواقب،  ففي بحث نم نشره خلال كتاب مؤثمر “SHS Web of Conferences” في عدده “92”، عام 2021 ، أشار نحو “5” وسائل أو طرق؛ من أجل تحقيق مسؤلية الشركات تجاه البيئة عل وجه العموم، فأكَّد أنّه على المديرين اعتماد مبادرات تدعم القضية الاجتماعية المختارة في تحت مُسمَّ “المسؤولية الاجتماعية للشركات”، كما يلي:

الترويج للقضايا المؤسسية – دعم الاهتمام المتزايد والوعي بالقضايا الاجتماعية.

التسويق الاجتماعي المؤسسي – حملات تسويقية تهدف إلى تغيير السلوك في المجتمع.

التسويق المرتبط بالقضايا – المساهمات المستندة إلى مبيعات المنتجات.

العمل الخيري المؤسسي – الإسهام نحو الآخرين في المجتمع.

الخدمة المجتمعية – تطوع الموظفين.

ممارسات الأعمال المسؤولة اجتماعيًا – الأعمال اليومية المستندة إلى زيادة المسؤولية الاجتماعية.

استراتيجيات تخفيف الاثر البيئي للإنتاج الإغلامي

تقليل التأثير البيئي

تسعى شركات الإنتاج الإعلامي لتقليل تأثيرها البيئي من خلال استخدام الطاقة المتجددة بشكل أكبر. فمثلاً، يمكن لهذه الشركات تركيب الألواح الشمسية أو الاعتماد على طاقة الرياح لتزويد مواقع التصوير والمكاتب بالطاقة، مما يقلل من اعتمادها على المصادر التقليدية الملوثة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تلجأ هذه الشركات إلى المباني الخضراء التي تعتمد تقنيات مبتكرة لتقليل استهلاك الطاقة والمساهمة في الحفاظ على البيئة.

تقليل البصمة الكربونية

تقليل البصمة الكربونية في مواقع التصوير يُعد جزءاً أساسياً من استراتيجيات الاستدامة، حيث يمكن استخدام معدات تصوير وإضاءة ذات كفاءة عالية في استهلاك الطاقة. كما يمكن تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال الاعتماد على وسائل نقل صديقة للبيئة، مثل السيارات الكهربائية أو الدراجات الهوائية، بالإضافة إلى تقليل استخدام المواد البلاستيكية واستبدالها بمواد قابلة للتحلل أو إعادة التدوير، مما يساهم في الحد من النفايات البيئية.

إدارة الموارد بفعالية

إدارة الموارد بفعالية تمثل خطوة مهمة في تحسين الاستدامة داخل شركات الإنتاج الإعلامي. يمكن تحقيق ذلك من خلال تركيب أجهزة توفر الماء والكهرباء في مواقع التصوير والمكاتب، بالإضافة إلى تشجيع الموظفين على اتباع ممارسات صديقة للبيئة، مثل إطفاء الأجهزة غير المستخدمة والحد من استهلاك الموارد بشكل غير ضروري. هذه الإجراءات البسيطة تؤدي إلى تحسين الكفاءة البيئية وتقليل التأثير السلبي على البيئة.

مستقبل استدامة صناعة الإعلام

تعتمد صناعة الإعلام، منذ نشأتها على الابتكارات، في تقديم كل جديد، فبدءًا من المحاليل المائية والحمضية في طباعة الصر والأفلام، مرورًا باستخدام  كاميرات ذات طوابع فورية، دون جهد داخل المعامل التي كانت تستخدم موادًا خطرة، وحتتى كاميرا تقنية “HD”، وصولاً إلى الحالة الرقمية التي نعيش عليها، وأدوات الإنتاج، بل وشركت كاملة استغنت عن المعامل في تصنيع المادة أو المحتوى لعرض؛ لتصبح الصناعة الإعلامية مسارًا نحو الحياة.

في إطار المستقبل المأمول، لابد  من تزايد الجهود المختلفة – بشتَّى مناحيها البيئية التقنية – من أجل صناعة إعلامية سليمة تضع الإنسان وصحته في مقامها الأول، وتضع البيئة على رأس أولوياتها .

ختامًا، ومن خلال استعراض الأزمة واستراتيجيات مواجهتها السالفة، تبقى الاستدامة في صناعة الإعلام مسؤولية، حلًّاً وضريبة. حلاً بأساليب وآليات المواجهة، وضريبة لعقود مضت كانت نشوة التقدُّم قد سيطرت على العقول والفكر ما يزيد على مدى قرن من الزمن، لاسيَّما وإن حسبنا عُمر صناعة السنيما، فعلى المجتمع أن يعي سُبُلَ التعامل مع البيئة المحيطة بالمجال، وعلى صنَّاع هذا الفنِّ ومسؤولي تسيير أعماله، أن يتفهَّموا ذلك جيدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى