مقابلة مع الممثلة “ميريل ستريب”
روجر إيبرت
كيف تستعد الممثلة لتؤدي دور شخص آخر؟ وماذا لو كان أصدقاء الشخص الآخر يقفون على أهبة الاستعداد لكي يشاهدوها؟… لقد قامت «ميريل ستريب» بتجسيد شخصيات واقعية من قبل، لكنها كانت من إبداعات صانعي الأفلام.
يتمثل دورها الجديد في تجسيد شخصية كارين سيلكوود، التي بالفعل عاشت وترعرعت وماتت في ظل ظروف مثيرة للجدل، وكان حبيبها يقف على أهبة الاستعداد ليخبر «ستريب» بكل ما يتذكره ويشتبه فيه عنها.
قالت «ستريب» في ظهر ذلك اليوم ببطء وتفكير «لم أحاول تقليد شخصية كارين تمامًا، بل حاولت فقط أن أراقب تصرفاتها». “فركّبت كل المعلومات التي تمكنت من العثور عليها، بما في ذلك جميع جلسات الاستماع القانونية والإفادات والاستئنافات. تحدثت كثيرًا مع عشيقها السابق درو ستيفن. والتقيت بوالدها. وما اكتشفته بشكل أساسي هو أنَّ كل شخص سيكون لديه انطباع مختلف عنك. فمثلًا حبيبك ووالدتك وزميلك في العمل، جميعهم لديهم هذه الانطباعات المتباينة والمتناقضة، وما تحصل عليه ليس صورة شخص واحد، ولكن صورة لثلاثة أشخاص أو أربعة.
«ما فعلته أخيرًا هو أنني نظرت إلى أحداث حياتها وحاولت فهمها من الداخل. لقد عملت هي هنا، ورأت هذا، وقامت بفعل هذا حيال ذلك، فكانت تركز على تجاربها بدلًا من كل ما كان يدور في ذهنها. على سبيل المثال، أخبرني درو أنها تدخن كثيرًا. وكنت أنا أيضاً، في الفيلم. فاستنتجت أنَّ التدخين كان مهمًا حقًا بالنسبة لكارين… هنالك أوقات في الفيلم تشعر فيها بالوحدة والتدخين يمنحها الإشباع الفوري. فعندما تصبح غير سعيدة بعد زيارتها لأبنائها في تكساس، تقوم بتدخين السيجارة بنوع من اليأس».
امتدت أصابع «ميريل ستريب» نحو سيجارة وهمية وهي جالسة بارتياح في زاوية الأريكة في جناح فندقي في شيكاغو بعد أن قررت المجيء إلى الغرب الأوسط للترويج لفيلمها الجديد «Silkwood»، لأنها اعتقدت أنه قد يجذب الناس في هذه المناطق بشكل مباشر. إنها ليست قصة عاملة نووية مثيرة للجدل، كما قالت، بل عن امرأة من الطبقة العاملة وما حدث لها بعدما قررت أن تثير المشاكل.
«لقد أصبحت كارين سيلكوود رمزًا لكثير من الناس لدرجة أنني اضطررت إلى البدء من جديد في محاولة تجسيدها كشخص وليس كرمز أيقوني. فلا أعتقد حقًا أنه يمكننا معرفة الكثير عن الناس بعد أن يتغيبوا عنا ويصبحوا عاجزين عن إخبارنا بما لديهم. كل أسرارهم الحقيقية تموت معهم. وفي نهاية هذه التجربة الكاملة لصنع هذا الفيلم، فكرت في تلك الدقائق قبل انحراف سيارة كارين عن الطريق، وشعرت بالأسف على فقدانها. يا لها من مضيعة للحياة».
السؤال موجه لـ«ميريل ستريب» لكنكِ لم تريدي أن “تجسدي” دور كارين سيلكوود، بالمعني الذي يحاول به الممثل المنهجي أن يتقمص دور معين؟
«لا… ليس تمامًا. ولكن قبل ثلاثة أسابيع، عندما شاهدت الفيلم بأكمله لأول مرة، شعرت بقشعريرة. وفي بعض اللحظات، شعرت حقًا كما لو كانت «كارين» في الفيلم. وفي النهاية في تلك اللقطة الأخيرة لنصب قبر كارين؟ كان هو حقًا النصب الحقيقي لقبرها. ولم يكن قبرًا مزيفًا تم تجهيزه من قبل قسم المكملات الإبداعية. وفي الأصل، كان هناك بعض المناقشات مع المخرج مايك نيكولز، حول ما إذا كان ذلك «أكثر من اللازم». لكن هذه كانت حياتها، وذلك كان نصب قبرها».
بعد وفاة كارين سيلكوود في عام 1974، كان هناك جدل وطني حول ظروف وفاتها. فقد قتلت في حادث سيارة فردي أثناء قيادتها لمقابلة مراسل لصحيفة نيويورك تايمز. وكان من المتوقع أن تسلم بعض الوثائق التي تكشف عن ثغرات خطيرة في إجراءات السلامة في مصنع كير ماكغي النووي في ولاية أوكلاهوما، ولكن لم يتم العثور على الوثائق في سيارتها. ويشير مؤيدو سيلكوود إلى أن وفاتها لم تكن مصادفة غير مقصودة. وتشير الشركة وضابط الشرطة الذي تولى مسؤولية التحقيق إلى وجود المهدئات والكحول في مجرى دمها، ويصفون الوفاة بأنها ناتجة عن الحادث. سألتُ ستريب إذا كان لديها رأي حول وفاة كارين سيلكوود.
فأجابتني «نعم».
فسألتها حول ما إذا كانت قد قتلت؟
فأجابتني «نعم، لدي رأي محدد».
إذًا ما هو؟
فقالت «لكنني لن أخبرك برأيي. أعتقد أنه من الأفضل أن أحتفظ به لنفسي. هناك الكثير من التعقيدات القانونية التي ينطوي عليها هذا الفيلم. على سبيل المثال، عندما يشير الفيلم أن شركة كير ماكغي فعلت شيئًا ما، فإن ذلك يستند إلى سجل عام وعلني. وإلا لكان علينا تغيير اسم الشركة والشخصيات وكل شيء».
أحد الأشياء المدهشة في الفيلم، كما قلت، هو أنه يبدو حقيقيًا ومقنعًا للغاية بطريقة غير قسرية. إنه يسجل الحديث والطاقات والإيقاعات والفكاهة في حياة الطبقة العاملة في أوكلاهوما بطريقة لا يبدو أنها تُعالج أبدًا من خلال صيغة هوليوود.
قالت «ستريب» إن لديها نظرية حول ذلك. قالت: «إنه الفرق بين الخط العريض والخط العادي». «الكلمات هي نفسها، لكنها تبرز أكثر عندما تكون بالخط العريض، ويمكنك أن ترى أن شخصًا ما يلفت انتباهك إليه. الكثير مما يسمى الحياة الحقيقية في الأفلام يتم التركيز عليها بالخط العريض. ويقوم الممثلون بالتركيز على «الواقعية». ما كنا نحاول فعله هنا هو مجرد تقديم نوع الجسم العادي. بعبارة أخرى، لا يوجد شيء مثير بشكل خاص حول الحياة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص».
ففي الفيلم، تعيش «ستريب» في منزل متهالك ومتهدم نوعًا ما مع بعض الأشخاص الآخرين، بما في ذلك صديقها الحميم «بتمثيل كيرت راسل» وصاحبتها الأخرى، والتي تجسدها المغنية شير، الذي تتبين أنها مثلية في ميولها. وفي إحدى الليالي، أحضرت شير صديقتها «بتمثيل ديانا سكارويد» إلى المنزل، وفي صباح اليوم التالي، يلتقي ستريب وراسل بها: إنها تعمل كخبيرة تجميل في المشرحة المحلية».
قالت «ستريب»: «أنظر الآن إلى التفاصيل من هذا القبيل، من شدة غرابتها قد تريد أن تتجاهلها». «لكن الناس لديهم وظائف من هذا القبيل، فلماذا نتجاهلها؟ لماذا لا نقبلها فحسب، إلى جانب كل ما هو غير متوقع في الحياة؟».
إنَّ أحد أكثر الأشياء غير المتوقعة في الفيلم، كما قلت، هو أداء الممثلة «شير»، والذي هو رائع وطبيعي للغاية، لدرجة أنني كنت مضطرة إلى تذكير نفسي باستمرار بأن هذه حقًا هي الفنانة شير، من ثنائي سوني وشير، على الرغم من أنني أعلم بالفعل من أدائها العام الماضي في فيلم «Come Back to the Five and Dime, Jimmy Dean, Jimmy Dean» للمخرج روبرت ألتمان، حيث برزت شير كموهبة درامية حقيقية.
قالت «ستريب»: «إنه أمر مدهش، ليس لأنها قادرة على التمثيل، بل لأنها جيدةً بقدر ما هي عليه». «إنها امرأة تعمل في مجال الفن منذ 20 عامًا. إنها ذكية، وبالطبع يمكنها التمثيل. لكنها رائعةً جدًا في هذا الدور الذي لا يشبهها على الإطلاق!».
السؤال موجه لـ«ميريل ستريب» هل كان هناك أي إحراج أولي بينكما في موقع التصوير؟
«على كلا الجانبين. كان علينا أن نعتاد على بعضنا البعض. وأن نتقبل بعضنا البعض. فمن جانبي، كنت أفكر أنها شير! المشهورة بأغنية من «I Got You Babe» وكل تلك السجلات الأخرى التي اشتريتها. ومن ناحية أخرى، يبدو أنها كانت تتصورني جالسةً على يمين السيدة إديث سيتويل. أعتقد أنها كانت مرتبكةً بسبب سمعتي.
«بطبيعة الحال، كانت مهتمة بمظهرها. تحب أن تظهر في الأماكن العامة واضعة مكياجها. وهذا مفهوم جدًا لأي امرأة. بمجرد أن أزالوا كل طبقات مكياجها، وجعلوها تندمج في تجسيد الشخصية، كان هناك كل هذه المشاعر والحقيقة. المشهد الذي نجلس فيه على أرجوحة الشرفة ونحتضن ببعضنا البعض… بحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى هذا المشهد، كنا على نفس الموجة في التفكير والشعور».
بعد جوابها، نهضت ستريب عندما سمعت صراخًا صادرًا من الغرفة المجاورة. كانت تسافر مع طفلتها حديثة الولادة البالغة من العمر أربعة أشهر، وكان ذلك وقت رضاعتها.
«من كانت كارين سيلكوود؟ وكيف شعرت باتصال تجاهها؟ في الواقع، أعتقد أن كارين تشبهني حقًا أكثر من أي دور آخر تمكنت من تأديته. لقد نشأت في مدن صغيرة، وسعيت من أجل لقمة العيش، وعشت لفترة من الوقت مع جماعة في فيرمونت حيث لم يكن لدى أحد أي أموال ولا أحد يعرف من يمتلك هذا وذاك «أي كانوا يتشاركون في كل شيء»، تمامًا كما هو الحال في منزل كارين. شعرت أننا متشابهان كثيرًا. وهناك شيء آخر نتشابه فيه، وهو إذا مت، فلن يعرف أحد كيف كنت حقًا، وهذه هي الحقيقة».
المصدر: سوليوود