صناعة المشاكل
عمر غازي
في حياتنا اليومية، نعبر عن أنفسنا من خلال علاقاتنا مع الآخرين، سواء كانت هذه العلاقات عائلية، مهنية، أو صداقات، ولكن غالبًا ما نجد أن هذه العلاقات تتعرض للتوتر والصراعات، والمفارقة هنا أن الإنسان، بوعي أو بدون وعي، يكون السبب الرئيس في إفساد هذه العلاقات بدوافع قد تبدو غير منطقية وتطغى عليها مشاعر الغيرة، والعناد، والشعور بالنقص.
الغيرة، تلك الشعلة الخفية التي تشتعل في قلب الإنسان، تجعلنا نرى العالم من منظور مشوه، فعندما نشعر بالغيرة، يتسلل إلى قلوبنا شعور بالتهديد تجاه مكانتنا أو علاقاتنا، وقد يكون ذلك بسبب انعدام الثقة بالنفس أو الخوف من فقدان الحب والاهتمام، وهذه المشاعر قد تؤدي إلى الشك والاتهامات المتكررة، مما يعكر صفو العلاقة ويضعف الروابط الثمينة بين الأفراد.
أما العناد، فقد يبدو هذا السلوك بسيطًا، لكنه في الحقيقة قوة مدمرة للعلاقات، فالإنسان بطبيعته يميل إلى التمسك بآرائه، ولكن عندما يتحول هذا التمسك إلى عناد مطلق، يبدأ في إفساد العلاقات، فالعناد يمنعنا من الاستماع للآخرين، من فهم وجهات نظرهم، ومن التوصل إلى حلول وسط، وهذا الصراع الداخلي بين الرغبة في التمسك بالرأي والخوف من التغيير يؤدي إلى تفكك العلاقات.
الشعور بالنقص هو دافع آخر يؤدي إلى صناعة المشاكل، فعندما يشعر الإنسان بأنه أقل من الآخرين، يسعى لتعويض هذا النقص من خلال افتعال المشاكل، وقد يكون هذا السلوك ناتجًا عن رغبة في لفت الانتباه أو محاولة إثبات الذات، ففي العلاقات الاجتماعية، قد يؤدي هذا الشعور إلى تصرفات عدوانية أو استفزازية، مما يفسد الروابط ويخلق جوًا من العداء.
في دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2015، تبين أن الأشخاص الذين يشعرون بالغيرة أو العناد في علاقاتهم يكونون أكثر عرضة للمعاناة من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق، فالمشاعر السلبية والتصرفات غير المنطقية تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.
يشير الدكتور جون جوتمان، عالم النفس الشهير، في أبحاثه إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للمشاكل في العلاقات هو الفشل في التعامل مع الصراعات بشكل بناء، حيث يرى أن القدرة على إدارة الصراعات بطرق صحية هي مفتاح للحفاظ على العلاقات القوية والمستقرة، ويجادل بأن التفاعل السلبي والمشاعر السلبية مثل الغيرة والعناد يمكن أن تدمر حتى أقوى العلاقات إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.
في كتابها “كيف تكون نفسك” (2018)، تؤكد المعالجة النفسية، إلين هندريكسون، أن الشعور بالنقص يمكن أن يكون له تأثير مدمر على العلاقات، فالأشخاص الذين يشعرون بالنقص يحاولون تعويض هذا الشعور من خلال افتعال المشاكل والصراعات، مما يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية والمهنية.
ومع ذلك ما يمكن التأكيد عليه، أننا كبشر نملك القدرة على تحسين علاقاتنا وتجنب المشاكل من خلال الوعي والتفهم، عندما ندرك أن الغيرة والعتاد والشعور بالنقص هي مجرد مشاعر يمكن السيطرة عليها، نخطو خطوة نحو بناء علاقات صحية ومستقرة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتحلي بالشجاعة لمواجهة هذه المشاعر والعمل على تغيير سلوكياتنا من أجل حياة أفضل وأقل توترًا.