عمر غازيكُتاب الترند العربي

مغالطة الديمقراطية

عمر غازي

تبرز الديمقراطية كنظام شائع للحكم يعتمد على مبدأ حكم الأغلبية، إلى الحد الذي جعلها مطلبًا وحلمًا للكثير من الشعوب التي تعاني من الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، ومع ذلك، فإن هذا النظام ليس محصنًا من الأخطاء، ومن أبرزها في رأيي مغالطة الاحتكام إلى الجمهور، وتُعرف هذه المغالطة أيضًا بمغالطة التوسل بالسلطة أو التوسل بالأكثرية، وتعتمد هذه المغالطة في حقيقتها على افتراض أن رأي الأغلبية هو الرأي الصحيح دائمًا، لأن هذه المغالطة قد إلى استبداد الأغلبية، حيث تُفرض آراء الأغلبية على الأقليات، مما يحد من حرية التعبير والتنوع الثقافي.

فعلى سبيل المثال، إذا كان معظم الناس في مجتمع معين يعتقدون أن تصرفًا ما هو أخلاقي، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا التصرف صحيح أخلاقيًا، ففي أحد النقاشات انتقدت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فرد علي أحدهم بالقول إذا كان عبدالناصر سيئًا فلماذا خرج هذا الحشد غير المسبوق في جنازته، وهو بذلك يعتقد أنه أفحمني في حجته بينما هو في الواقع ارتكب مغالطة منطقية.

يشير الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل في كتابه “عن الحرية” (1859) إلى أن حكم الأغلبية يمكن أن يقود إلى استبداد الأغلبية، ولذلك يدعو إلى أن تتضمن حماية حقوق الأقليات والأفراد لضمان توازن صحي وعادل في المجتمع.

في دراسة أجرتها جامعة هارفارد في عام 2015، بعنوان “الديمقراطية والحكم الرشيد: حماية حقوق الأقليات”، أظهرت أن الأنظمة الديمقراطية التي تضمن حقوق الأقليات وتفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تكون أكثر استقرارًا وقدرة على تحقيق العدالة.

يرى الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أن النقاش العام والحوار المفتوح هما أساس الديمقراطية الفعالة، وفي كتابه “الفضاء العام” (1962)، يؤكد هابرماس أن التعددية وحرية النقاش تعزز من شرعية القرارات المتخذة وتقلل من احتمال وقوع مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية، فالمجتمعات التي توفر منصات للحوار المفتوح وتعدد وجهات النظر تتمتع بقدرة أكبر على الوصول إلى حلول توافقية تعكس مصالح الجميع.

وخلصت دراسة نشرتها مجلة “السياسة الدولية” في عام 2018 أن آليات الديمقراطية المباشرة، مثل الاستفتاءات والمبادرات الشعبية، تعزز من مشاركة المواطنين في العملية الديمقراطية وتزيد من شعورهم بالمسؤولية والانتماء، ويمكن لهذه الآليات أن تعمل كوسيلة لتجاوز تأثير الأغلبية الطاغية عبر تمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم بشكل مباشر.

يمثل التعاون الدولي أيضًا عاملًا مهمًا في تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، حيث يشير تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2019 إلى أن الدول التي تنضم إلى المنظمات الدولية وتلتزم بالمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تتمتع بنظام ديمقراطي أكثر استقرارًا وشفافية.

ولعل من المهم في ظل هذه التحديات التي تواجه الديمقراطية، أن تكون هذا التساؤلات حاضرة حول الحاجة إلى المزيد من التفكير في تطوير أنظمة الحكم لتستجيب لمتطلبات العصر، وكيف يمكننا تصميم نظام حكم يتجنب عيوب الديمقراطية التقليدية ويضمن تحقيق العدالة والشمولية لجميع أفراد المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى