كُتاب الترند العربي

لغة جديدة لشكل جدید

ترجمة: محمد عثمان خليفة

إذا كانت السينما قد قدمت منذ طفولتها موضوعات جديدة معينة خاصة بها، وشخصيات جديدة وأسلوبًا جدیدًا بل وشکلًا فنیًا جدیدًا،‏ لِمَ‏ أقول إذن إنها لم تصبح بعد فنًا جدیدًا إنما هی مجرد نسخة فوتوغرافية مصورة من العرض المسرحي؟ متى وكيف تحولت السينما إلى فن متخصص مستقل يستخدم مناهج تختلف اختلافًا كبيرًا عن مناهج المسرح‎،‏ ويستخدم لغة شكل مختلفة اختلافًا تامًا. ما هو الفرق بين المسرح المصور وفن السينما؟ وإذا كان الاثنان يعتمدان على الصورة المتحركة المعروضة على الشاشة، فلماذا أطلق على إحداها أنها نسخة مستخرجة بطريقة تقنية، وأطلق على الأخرى فن خلاق مستقل؟

إن المبدأ الشكلي الأساسي للمسرح هو أن المتفرج يشاهد المنظر ككل في الحيز المتاح أمامه. أنه يرى الحيز كله طوال الوقت. ويقدم المسرح في بعض الأوقات أحد الأركان فقط من بهو كبير، لكننا نشاهد هذا الركن بصورته الكاملة طوال المشهد موضوع الحديث كله،‏ كما نرى كل شيء يحدث داخل نطاق الإطار نفسه.

والمبدأ الشكلي الثاني الأساسي للمسرح هو أن المتفرج يرى خشبة المسرح دائمًا من مسافة ثابتة لا تتغير. صحيح أن المصور بدأ بالفعل في تصوير مشاهد مختلفة من مسافات مختلفة، ولكن المسافة لم تتغير قط بالنسبة لنفس المشهد الواحد.

والمبدأ الشكلي الأساسي الثالث للمسرح هو أن زاوية الرؤية بالنسبة للمتفرج لا تتغير. وكأن المسرح المصور يغير المنظور في بعض الأحيان من مشهد إلى مشهد، ولكن المنظور لم يتغير قط بالنسبة لنفس المشهد الواحد، مثلما لم تتغير المسافة.

هذه المبادىء الشكلية الأساسية الثلاثة للمسرح متصلة بعضها بعض وتكون الأصل الأساسي للأسلوب الدرامي ووسائل التعبير. ولا فرق في هذا الصدد بين ما إذا كنا نرى المشاهد على المسرح الحي أو في نسخة مصورة سينمائيًا، كما أنه لا يهم ما إذا كانت المشاهد المعروضة من نوع لا يمكن عرضه وتقديمه على خشبة المسرح أصلا، وإنما يمكن عرضه فقط في الهواء الطلق وبواسطة الحرفية السينمائية.

كانت هذه المبادئ الأساسية الثلاثة للفن المسرحي هي المبادىء التي نبذها فن السينما. ولقد بدأ فعلا بعدم تطبيق هذه المبادئ الثلاثة، بل اختط لنفسه مبادئ جديدة هي:

1- تغيير المسافة بين المتفرج والمنظر داخل نفس المشهد الواحد، فتغيرت بذلك أبعاد المناظر التي يمكن استيعابها داخل إطار الصورة وتكوينها.

2- تقسيم صورة المشهد الكاملة الى أقسام أو لقطات.

3- تغيير زاوية التصوير والمنظور والتركيز البؤري للقطات بالنسبة لنفس المشهد الواحد.

4- التركيب «المونتاج»، وهو تجميع اللقطات في ترتيب معين بحيث يتبع المشهد الكامل مشهدًا آخر كاملًا «مهما كان قصيرًا». ليس هذا فحسب، ولكن نرى فيه صور أدق التفاصيل حتى يتكون المشهد الكامل من أجزاء صغيرة من اللقطات متتابعة حسب ترتيب حدوثها في المشهد الأساسي.

ظهر هذا التجديد الثوري في التعبير الفني المرئي الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، في هوليوود، خلال الحرب العالمية الأولى. وكان ديفيد جريفيث هو العبقري الذى ندين له بهذا الفضل. لأنه لم يكتف بخلق روائع فنية، إنما خلق فنًا جديدًا تمامًا.

ومن بين الصفات المميزة الخاصة بفن السينما هو أننا نرى في اللقطات المنفصلة لمشهد ما أدق مظاهر الحياة، ونرى اسرارها الداخلية تتكشّف من نواح قريبة دون أن يضيع أى قدر من الحميمية أو السرية، مثلما يحدث دائما عند تقديم أي عرض مسرحي أو لوحة من اللوحات. لم تكن الفكرة الجديدة التي كشفت عنها وسيلة التعبير الجديدة لفن السينما إعصارا في البحر او ثورة بركان، بل ربما كان دمعة وحيدة تتجمع ببطء في ركن عين إنسانية.

ومخرج الأفلام الجيد لا يسمح للمتفرج بأن ينظر إلى المشهد كيفما اتفق. إنه يوجه نظرنا بكل إصرار من تفصيل إلى تفصيل تبعًا لخطة التركيب التي اتبعها فى الفيلم. ويستطيع المخرج بواسطة مثل هذا التتابع أن يوحى بالتركيز حيث يراه ملائمًا، وبذلك لا يعرض الصورة فقط ولكنه يحللها في الوقت نفسه. وبهذه الوسيلة تتكون قدرة المخرج على الخلق لدينا فيلمان يقدمان قصة واحدة وتمثيل واحد بالضبط في كل منهما، إلا أن تركيب الفيلم فى أحدهما يختلف عن الآخر، فإن هذا يعود إلى طريقة التعبير عند شخصيتين مختلفتين تمامًا، ويؤدى إلى أن كلا من الفيلمين أصبح يعرض صورًا مختلفة عن العالم المحيط بنا.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى