كُتاب الترند العربي

لم يعُد الحب كما كان

ترجمة: نور نصره

لقد تغيّر مفهوم الحب في عالم والت ديزني للأفلام. فبين فيلم Tangled عام 2010، وفيلم Moana عام 2016، استبدل الحب الرومانسي المثالي بين الطرفين، ليحلّ محله حب العائلة.

لن نرى مجددًا تلك القبلة التي كانت نهاية سعيدة لجميع قصص الحب التي شاهدناها في طفولتنا. فاليوم معظم أفلام ديزني تنتهي بتصالح شقيقين على الرغم من اختلافاتهما، كما هو الحال في فيلم Frozen عام 2013، أو كفاح أم وابنتها كما في فيلم Brava عام 2012، وفيلم Inside Out عام 2015؛ أو لم شمل طفل بوالديه المفقودين منذ فترة طويلة كما في فيلم Tangled, Finding Dory عام 2016، وفيلم Coco عام 2011.

ويبقى الحب هو المحور الأساسي لهذه القصص؛ الحب الذي من المفترض أن يجلب لنا السعادة، يحلّ مشاكلنا، ويوصلنا إلى نهاياتنا السعيدة. لطالما قيل لنا أن نحب الحب، لأنه سينقذنا دائمًا في النهاية، لكن على مدار العشر سنوات الماضية، كانوا يعملون على إيصال فكرة جديدة عن الحب.

إنّ قصص الحب التي نشاهدها على الشاشة الفضية ليست مجرد تجسيد للعواطف الموجودة في داخلنا. كما أنها تشكل توقعاتنا لشكل الحب، هذه التوقعات التي نترقبها، وهذا ما يقودنا لتحويل مشاعرنا إلى هذا الصيغة المثالية.

قبل بضعة قرون، كانت الرومانسية تحتل مكانة أقل مركزية في المخيلة الثقافية مما هي عليه اليوم: كان الحب مسألة ولاءات عائلية وعملية إنجاب مضبوطة في المقام الأول. تغيّر هذا مع ظهور الحداثة حيث اكتسب الحب الرومانسي الاستحسان الثقافي الذي يحظى به اليوم. وإذا كانت طبيعة الحب تغيرت من قبل، فمن الممكن أن تتغيّر مرة أخرى. قد يكون تصوير ديزني للحب على مدى العقد الماضي إشارة لما سيكون عليه الحب في السنوات القادمة. إنّ الحب عنصر أساسي في نسيج المجتمع، لذا فإنّ أيّ تغيير في مفهومه سوف يمتد ويؤثر على كافة العلاقات الإنسانية: بين العمال وأرباب العمل، بين الدول ومواطنيها، بين مُثل الحداثة وأولئك الذين يوصَفون بأنهم «أعراق أخرى» على سبيل المثال لا الحصر.

لم تعُد ديزني تتوقّع منّا اليوم بأن ننتظر مشاهدة فارس يرتدي درعًا لامعًا، بل تتوقع منا أن نسامح إخوتنا ونعيش بسلام مع والدينا. خذ على سبيل المثال الفترة التي تفصل بين فيلم Sleeping Beauty عام 1959 والنسخة الجديدة منه Maleficent عام 2014، كلاهما يستند إلى رواية الكاتبة شارلوت برونتي «الجميلة والوحش» عام 1829 La Belle au bois dormant، لكن جرى تغيير على القصة في فيلم Maleficent لتتناسب مع العصر الحديث.

ما يزال الخطاب الموجه للأميرة يقول بأن «قبلة الحب الحقيقي» هي فقط ما سينهي نومها المسحور. وبالرغم من أنّ شفاه الأمير فقدت قوتها في تلك اللحظة، نراه يقبل الأميرة وترتفع الموسيقى، ولا يحدث شيء. لكن عندما أدركت العرّابة الجنيّة خطأها في شتم الأميرة، وانحنت لتقبيل جبينها ندمًا، استيقظت الأميرة. ما تزال القصة كما كانت في القديم، لكن كلمات «الحب الحقيقي» تعني الآن شيئًا جديدًا.

كان فيلم Tangled هو نقطة التحوّل. ثمّة بعض التلميحات التي شاهدناها في فيلم Finding Nemo عام 2003، لكن فيلم Tangled كان أول عرض سينمائي أظهر لنا مدى دراماتيكية هذا التحول الذي يمضي بعيدًا عن الرومانسية. فحبكة الفيلم تضع صيغتا الحب في مواجهة بعضهما البعض.

أحد خيوط القصّة، هي حول علاقة رابونزيل الغامضة مع والدتها بالتبنّي، الأم جوثيل، بينما خط السرد الآخر حول علاقتها العاطفية بلص وقاطع طريق طائش هو فلين رايدر. في البداية، يبدو الأمر وكأن الرومانسية ربحت الجولة. تهرب رابونزيل ورايدر، وتنهار جوثيل حتى تموت، تاركة رابونزيل حرة لتجد طريقها إلى منزل والديها البيولوجيين. لكن في النهاية فإن العلاقة الرومانسية التي من المفترض أن تكون محور القصة تنهار بشكل غريب. شخصية رايدر مثالية للغاية، وعلاقته الرومانسية مع رابونزيل بسيطة وخفيفة الظل- علاقة جميلة لكننا لا نلاحظ عاطفة جارفة. من ناحية أخرى، نرى علاقة رابونزيل مع جوثيل، أكثر تعقيدًا وإثارة للاهتمام. تأخذ العلاقة شكل الأذية والرعاية، الاستغلال والاهتمام، الرعب والمرح، والأكثر إمتاعًا هي الطريقة التي يتناول بها الكليشيهات البالية حول الأمهات اللاتي يفرطن في حماية بناتهن المراهقات، ويحولها لتلاعب ذهني تقوم به ساحرة وشريرة «جوثيل».

ربما تكون الرومانسية ربحت المعركة في فيلم Tangled لكنها خسرت الحرب. حتى وإن كانت مجريات القصة تستوجب موت جوثيل، إلاّ أنّها أظهرت الكنز السردي الذي يمكن استخراجه من حب العائلة.

لم يكن معنى كلمة «الحب» هو فقط ما تغير خلال السنوات العشر الماضية في ديزني، بل معنى العائلة أيضًا. ليست الأم جوثيل ولا العرابة الجنيّة في فيلم Maleficent هما الأبوان البيولوجيان للشخصيات الرئيسية في الفيلم، لكنهما يظلان حتى النهاية يحتلان الصدارة العاطفية لأن الوالدين البيولوجيين الفعليين إما قساة ومضطربون كما في فيلم Maleficent أو بعيدون ومثاليون كما في فيلم Tangled.

حُددت العلاقة الأسرية «علاقة الوالدين» من خلال الروابط العاطفية للفرد، ونتيجة لذلك، فإنّ ما يمكن تسميته «عائلة» في ديزني أصبح أمرًا أكثر غموضًا وأكثر حداثة. في فيلم Finding Dory، تحصل دوري في نهاية الفيلم وبسعادة غامرة على ما أرادته دائمًا: العائلة. لكن تلك العائلة عبارة عن مزيج من العلاقات البيولوجية والتبنية الغامضة. فمشهد السعادة الخالصة يشمل كل من دوري ووالديها، وأيضًا مارلين صديقة دوري، والأخ البديل والشريك غير الرومانسي بشكل كبير، بالإضافة إلى نيمو، ابن مارلين، ومجموعة من الأصدقاء المختلفين مع أقاربهم. لم تجد دوري أسرة نووية فحسب، بل كوّنت أيضًا عائلة ممتدة وتتألف من أجزاء متعددة من الارتباطات العاطفية.

لا يعني ذلك أنّ أفلام ديزني القديمة كانت تفتقر للعائلات المتبنّاة، بل على العكس من ذلك، غالبية الأفلام الكلاسيكية يسكنها الأيتام وزوجات الأب. لكن الأهم من هذا، هو أنّ أفلامًا مثل ساندريلا 1950، رسّخت مفهومنا الجماعي عن زوجة الأب بأنها شخص شرير. بالنسبة للشخصيات الرئيسية، فإنّ العيش مع أحد الوالدين الذين لا يوجد روابط بيولوجية معهما هو أقرب ما يكون لعقوبة السجن. كانت الأبوّة البيولوجية هي المفهوم الذهبي الذي يعني أن حالة بطلتنا اليتيمة ومصيرها هو بمثابة بؤس لا يُطاق. وعلى النقيض من ذلك، في فيلمي Maleficent، وFinding Dory نجد أن العيش مع والدين بالتّبني أو عائلات ليست بيولوجية بشكل كامل ليس بالأمر الكارثي، الذي يتحتم على بطلاتنا التغلب عليه، ولكنها نهاية سعيدة يمكن تحقيقها. كما أن التحوّل نحو الحب العائلي جعل من الأسرة مفهومًا أكثر اتّساعًا بكثير. وهذه هي الميزة الرئيسية لهذا التطور الجديد، وكما يبدو، فهي التهديد الأكثر الخطورة. لم أدرك التداعيات السياسية لكل هذا حتى شاهدتُ فيلم The Lego Batman Movie الذي أنتج عام 2017. كان بطل فيلم Lego Movie الأصلي الذي أنتج عام 2014، عامل بناء على ما يبدو ويُدعى إيميت Emmet، والشخص الشرير هو مدير تنفيذي ملياردير يُدعى لورد بيزنس، عازم على الهيمنة على العالم، وهو تجسيد رائع بحجم فيلم ليغو للرأسمالية القاسية. لكن ومع هذا، كان المفهوم الجديد للحب يتسلل إلى داخلنا، وفي النهاية تبيّن أن الحبكة بأكملها تدور حول خيال طفل يلعب بمكعبّات الليغو، وأن شخصية Lord Business هي إسقاط يستخدمه في وقت اللعب لوالده القاسي. وهكذا انهارت تلميحات نقد ديزني للرأسمالية، وتحولّت لدراما عائلية، فقد رُبطت علاقات السلطة بالعلاقات الأسرية، وفقدَت كل تأثيرها.

للحظة يبدو هذا وكأنه نوع من السرد الذي بالإمكان تجاوزه، مع إعادة تشكيل الصراع الطبقي كفيلم أكشن عن لعبة بلاستيكية، وعلى أنغام أغنية ظلّت عالقة في رؤوسنا الجماعية لعدة شهور: «كل شيء رائع، كل شيء يكون رائعاً عندما تكون جزءًا من فريق». ثمة جانب رومانسي في حبكة الفيلم، والمجتمع العاطفي الأكثر أهمية في الفيلم ليس الزوجيين الرومانسيين، بل هو شيء يشبه إلى حد كبير اتحاد العمال، عمّال يتحدون لمحاربة مصالح أصحاب العمل الرأسماليين. وفي حين أنّ الشرير في فيلم Lego Movie هو الرئيس التنفيذي الملياردير، فإن في فيلم The Lego Batman Movie الرئيس التنفيذي الملياردير هو البطل. وبالتغاضي عن تصوير العمّال كفريق واحد. فإنّ الدراما في الفيلم الجديد تدور حول الصّداقة وشخصية الأب وقضايا مرتبطة بباتمان. وبالطبع، كل شيء ينجح في النهاية، حيث يتعلم باتمان قيمة المجتمع ويكوّن نسخته العائلية الخاصّة، مع ألفريد كوالد بديل، وروبن كولد متبنّي.

وفي الشارة الختامية، نرى مجموعة من مكعبات الليغو تدور بسرعة جنونية في قلب الشاشة، وتومض بعض الكلمات في زوبعة ضوئية، وهي: الأصدقاء، نحن، العائلة. تُكرّر هذه الكلمات عقيدة الحب الجديدة وكأنها تُقال لآلاف المرات، وذلك لتأكيد إيصال الرسالة إلى المنزل: إنّ عواطفك تنتمي إلى العائلة، أيًا يكن شكلها.

في هذه الأثناء، يركض ألفريد وباتمان وروبن في الشاشة حاملين لافتات تعرّف عنهم أنهم الأب الأكبر، ثم الأب والابن على التوالي. بالطبع لا يوجد رابط بيولوجي بينهم، لكن هذا الأمر لم يعُد مهمًا تذكّر الأصدقاء، نحن، العائلة. وكما هو الحال في فيلم Finding Dory فإن العائلات هي ما نصنعه نحن، قد لا يكون ألفريد وباتمان، أبًا وابنًا في الواقع، لكن هذا لا يهم إن كان من الممكن تفسير جميع أشكال الارتباط الإيجابي على أنها عائلية. لكن ما هما عليه أنهما موظف وصاحب العمل. ألفريد هو كبير خدم باتمان، لكن هذا التسلسل الهرمي تخفيه تمامًا مثالية الحب العائلية. لم يعُد هناك «جزء من فريق» ولا مكعبات الليغو المناهضة للرأسمالية، لقد أصبحا عائلة واحدة كبيرة سعيدة، حيث يظهر استغلال العمل على أنه الحب الذي يدين به أحد أفراد الأسرة إلى آخر. قد يكون مفهوم العائلة الذي احتلّ مركز الصدارة في ديزني أكثر اتّساعًا من سابقه، وهذا ما قد يسمح بالبدائل المُلحة الحاجة للمثال القديم للعائلات النووية البيولوجية باعتبارها النوع «الحقيقي» الوحيد من العائلة.

لكن المفهوم الجديد أيضًا فضفاض جدًا، لدرجة يمكن أن ينتهي به الأمر إلى تغليف وإخفاء أشكال أخرى من العلاقات الاجتماعية، بما في ذلك علاقات العمل والاختلافات في السلطة. لماذا يجب أن يكون كل هذا مهمًا؟ لماذا يجب أن نهتم بما تقوله أفلام الأطفال عن الحب؟ الإجابة لدى ديزني، وهي إجابة جيدة. ففي فيلم Frozen، تشعر الأميرة آنا بسعادة غامرة لاحتمال تتويج أختها، بعد أن يقيَت محتجزة في قلعتها لمدة عقد من الزمن، أتيحت لها أخيرًا فرصة التعرّف على أشخاص جدد، لذا تتجوّل في معارض القلعة الفنية وتتخيّل المشاهد الرومانسية. تقفز أمام مجموعة من اللوحات التي تعرض نوعًا من الحب الذي تتوق إليه، وتحرّك جسدها مقلدة وضعيات النساء اللاتي تصورهن اللوحات، وتحاول أن تُمثل حالة الفن، ومن غير المستغرب أن تقع في المشهد التالي في حب أوّل رجل غريب تلتقيه.

يخبرك تكيّف آنا الجسدي بكل ما تحتاج معرفته حول السياسة الثقافية للعاطفة. فتوقعاتنا العاطفية تتشكل من خلال المنتجات الثقافية التي تحيط بنا، مثل اللوحات الفنية الموجودة في قلعة آنا. إنّهم يرتبون أجسادنا ويشكلون ارتباطاتنا. الحب هو خيال خالص، يتشكّل بالكامل من خلال التمثيل الثقافي ثم يتكرر في سلوكنا. والحقيقة أنّ مونولوج آنا في هذا المشهد هو درس مصغّر في تناقض الرومانسية الغربية. فهي تتخيّل اللقاء مع الغريب المحطّم الذي تتوقّع أن تقابله في الحفل، وتتدرب على ذلك خطوة بخطوة في ذهنها: «ثم نضحك ونتحدث طوال المساء، إنه أمر غريب جدًا، لا يشبه أبدًا الحياة التي عشتها حتى الآن»، هذه هي الرومانسية باختصار. غريبة، استثنائية، لا يمكن التنبّؤ بها، فريدة من نوعها في كل مرة، ويمكن التنبؤ بها من البداية حتى النهاية، وهذا نمط يمكن التدرب عليه مُسبقًا، الذي يتشكل بالكامل من خطاب ثقافتنا. إنها في الأساس نظرية جوديث بتلر عن المصفوفة الغيرية بين الجنسين، والتي قُدمت كمونتاج موسيقي خيالي، فما الذي يجعلنا لا نفضلها؟

ما يجعل هذا التسلسل لافتًا حقًا هو أنّ استعدادات آنا للحفلة تتقاطع مع استعدادات أختها. فإلسا على وشك أن تتوج كملكة، لكنها خائفة من أن تُكشف قواها السحرية الخفية أثناء الحفل عن طريق الصدفة. تتدرب على ذلك بالوقوف أمام لوحة تتويج والدها، وتقلد حركة جسد والدها في اللوحة، تماماً مثلما فعلت آنا. ولكن خلافًا لآنا، يبدو أنّ إلسا تدرك بوضوح طبيعة الدور الذي ينتظرها وعليها أن تؤدّيه، وتغني لنفسها: «قم بعرضك، وارتكب خطئًا واحدًا وسيعرف الجميع». وهذه هي طبيعة القوة في فيلم Frozen، وقد تبيّن أنها تشبه إلى حد كبير طبيعة الحب: إنه عرض يٌقدّم وفقًا لما تمليه الأسبقية الثقافية. الحب والقوة وجهان لعملة واحدة: لأنهما طريقتان يتم من خلالهما ترتيب شكل الأجسام من خلال المنتجات الثقافية التي تحيط بنا مثل اللوحات أو أفلام ديزني.

من الغريب أن نتلقى درسًا في سياسية العاطفة من Frozen، ومن جميع الجوانب، لكن هذا ما نحن أمامه.«نصيحة للمعلّم: فيلم Frozen طريقة رائعة لإخبار طلابك عن ميشيل فوكو». لكن تحليل الفيلم للرومانسية والملوكية أصبح ممكنًا فقط من خلال حقيقة أننا لم نعُد نؤمن حقًا بهذه الأشياء، في عصر ما بعد الإقطاع وما بعد الرومانسية وحب العائلة. بعد أن كشف فيلم Frozen، الحب الرومانسي كنوع من التقليد الثقافي وليس كمشاعر فطرية، يواصل الفيلم بعد ذلك، تمجيد الحب الذي يربط الأختين باعتباره سحريًا وفطريًا. قيل لآنا أن اللعنة التي طالتها لا يمكن رفعها إلاّ بفعل الحب الحقيقي، لكنها غير متأكّدة: هل حبّها الحقيقي هو الغريب الذي التقت به في الحفلة، هانز، أم الرجل الآخر الذي التقت به لاحقًا، كريستوف؟ وفي النهاية تبيّن إنها إلسا. وكما في فيلم Maleficent فإن الحب الحقيقي الذي يزيل اللعنات هو الحب بين أفراد العائلة: قد تكون الرومانسية شيئًا نتعلمه، لكن العائلة هي المادة الخام للسحر. وكما تقوم آنا وإلسا بتقليد وتكرار مشاهد لوحاتهما، كذلك سيقوم ملايين الأطفال بتقليد وتكرار أي مثال عاطفي يجدونه تمجيداً في ديزني. الرخاء العائلي ليس أقل قابلية للتكرار من الرومانسية. قبل عشر سنوات فقط كانت هيمنة أفلام ديزني الرومانسية راسخة. من خلال الإطلاع على قائمة الكلاسيكيات: سنو وايت والأقزام السبعة عام 1937، ساندريلا عام 1950، الحورية الصغيرة عام 1989، والجميلة والوحش عام 1991، علاء الدين عام 1992، يشعر المرء أننا كنا في مواجهة وابل لا ينتهي من الدروع اللامعة، وفساتين الزفاف البيضاء، القبلات الحميمية، والعلاقات الجنسية التي تحدث في سعادة غامرة. وبقدر ما يملأني فيلم The Lego Batman Movie بالخوف جرّاء النموذج المثالي الجديد، لكنه على الأقل تغيير. إذن ما الذي تغيّر؟

أعتقد أن الإجابة تكمن في العلاقة بين الحب والتعقيد. تحاجج لورين بيرلانت، أستاذة اللغة الإنكليزية في جامعة شيكاغو، في كتابها الرغبة، الحب عام 2012، تشير إلى نوع من الرغبة الانهزامية من أجل البساطة. فعندما نحب شخصًا ما، نحبّه فقط لأننا نريد أن نحبه، ولا نشعر سوى بالحب تجاهه. لكن رغبتنا المشوشة تستمر في إحباط بساطة تعلقاتنا، ممّا يعيدنا إلى الغموض العاطفي، فالحب إذن هو محاولتنا لقتل هذا الغموض مرارًا وتكرارًا، واستعادة البساطة: أنا أحبك فقط، وكل ما أشعر به تجاهك هو الحب فقط. وبالنسبة لبيرلانت، هذا هو السبب أن الحب يعتمد بشكل كبير على الخيال، يمنحنا الخيال مساحة من الحرية التخيّلية، حيث يمكننا تنظيم مشاعرنا الصعبة كما نريد. يمكننا ترتيب التعقيد لجعله يبدو بسيطًا. تتضمن قصص الحب عادة نفس التسلسل السري: الاهتمام الأولي بالحب يتبعه سلسلة من النكسات والتعقيدات، والتي يتم التغلب عليها بعد ذلك لتؤدي إلى نهاية سعيدة، ليكون كل شيء على ما يرام. في هذا الفضاء من الخيال الخالص، يمكن وضع كل الألم والتناقضات والتعقيدات التي تأتي من الحب في منتصف القصّة، بين قوسين من بداية مثيرة ونهاية سعيدة، من المفترض أن تكشف الطبيعة الحقيقية للحب. والغموض هو النسيج في منتصف القصّة. وفي النهاية سيظهر الحب بألوانه الحقيقية والبسيطة. تخبرنا قصص الحب أن نبقى هناك، فالرومانسية في الأساس هي أمر جيد، إذا انتظرت سترى النتائج وستكون جيدة.

ربّما سئمنا الانتظار، وربّما لم يعُد الحب الرومانسي قادرًا على الحفاظ على الإيمان الذي نحتاجه من أجل تحمل ازدواجية الارتباطات اليومية. يبدو أنّ حب العائلة يمثل حاضنة أفضل بكثير للتعقيد. ومع المثل العائلية يأتي الشعور بالالتزام الطبيعي تجاه إخوتنا ووالدينا، وهو التزام يمكنه البقاء على قيد الحياة أيًا تكن المشاحنات والمشاعر المختلطة، التي تلقيها الحياة في طريقنا. لقد اعتدنا على فكرة شجار الأشقاء أو صراخ المراهقين على الوالدين لكن في أعماقهم يقبع حب كبير لبعضهم.

من الطبيعي أن نرى تعبيرات الانزعاج هذه على أنها تموجات سطحية على بحر من الحب. وبطبيعة الحال، فإن هذا الشّعور «في أعماقي»، هو مجرد وهم. ففكرة أنّ أفراد الأسرة الواحدة سوف يحبون بعضهم البعض دائمًا ليست أكثر طبيعية من فكرة أن الحب الرومانسي سينقذنا دائمًا في النهاية. لكن الأسرة باعتبارها فضاء للخيال، أفضل من الحب الرومانسي في استيعاب التناقضات. يتناسب التعقيد بشكل أفضل مع إطاره ومحيطه، لذلك يمكننا أن نصدّق بسهولة أن الألم الذي يأتي مع حب العائلة ستتبعه في النهاية نهاية سعيدة ودائمة.

في فيلم Frozen يقوم كريستوف بإحضار آنا إلى عائلته بالتبني، وهم قبيلة من المتصيّدين الحجريين الذين يعيشون في الغابة. تعتقد آنا أن هانز هو من تحبه حقاً وليس كريستوف، لكن المتصيّدون يصرّون على العكس. يقيمون حفلًا مدروسًا حيث يربطون كريستوف وآنا بحبل يلفهما بشكل متقن على كامل جسديهما، ويغنون في انسجام تام أن الحب الرومانسي يمكن أن يصلحك ويحل مشاكلك. يبدو أن المتصيّدين لم يحصلوا على مذكرة مثل ناسك فريدريك نيتشه، لم يسمعوا في غابتهم أن الرومانسية ماتت. نرى المشهد حلًا أنيقًا لمشكلة آتية مع المفهوم الجديد للحب. كان فيلم Frozen عالقًا في منتصف التغيير بين الرومانسية والرخاء العائلي. في فيلم Moana لا يوجد حب رومانسي يمكن الحديث عنه، فقد استبيح المفهوم القديم بالكامل من قبل المفهوم الجديد. لكن في الأفلام السابقة نجد المفهومين معًا، جنبًا إلى جنب.

ففي فيلم Tangled، يبقى الحب الرومانسي في الصدارة، في حين تنقلب الأدوار في Frozen ، حيث يفوز حب العائلة في النهاية. لكن يبقى كلا الفيلمين يحتويان على توتر بين شكلين من الحب لا يمكن أن يكونا «الحب الحقيقي الوحيد». يظهر الحل في فيلم Frozen بنقل المفهوم القديم إلى مكان آخر، خارج حدود الثقافة المتحضّرة والمتصيّدين، الذين يصبحون وبشكل غير متوقع المتحدثين عن إيمان عفا عليه الزمن يتمثل في الزواج.

أثار مخرجو Frozen بعض الجدل على أنهم استوحوا «المتصيّدين» من شعب سامي، وهم مجموعة عرقية تعيش في شمال الدول الإسكندنافية. عُرض المتصيّدون بدور إيجابي أساسي في الفيلم، وإن كان نمطيًا إلى حد ما، كونهم متوحشون نبلاء، ويتواصلون بطريقة سحرية مع الطبيعة، وبطبيعة الحال لا يوجد أيّ خطأ جوهري في جعلهم مناصرين للزواج. لكن يجدر القول إن هذا «العرق المختلف» هو من يجب أن يتحمل وطأة المثل العليا التي عفا عليها الزمن. ومن خلال الاحتفاء بنوع رومانسي من الحب، كشفه الفيلم باكرًا على أنه «مزيّف» إلى حد ما، يتناسب المتصيدون بسهولة مع الصورة النمطية للأعراق غير البيضاء على أنها مختلفة بطبيعة الحال: أقل حداثة وأقل وعيًا بطبيعة الحب في عصرنا.

في النهاية، إن مسألة ما نُعده حبًا حقيقيًا مرتبطة بمسألة من يمكنه أن يكون جزءًا من «نحن». وكما تذكرنا مقاطع فيلم Frozen بالمونولوجات المتبادلة بين إلسا وآنا، فإنّ الحب والدولة وجهان لعملة واحدة. فمن المتوقع أن أولئك الذين يعيشون في نفس الأمة أن يحبوا تلك الأمة. وفي الواقع فإنه وفقًا للكاتبة والنسوية سارة أحمد في كتابها «السياسة الثقافية للعاطفة» الذي صدر عام 2004، فإن الأمم نتاج هذا الحب: تنشأ الأمة لأننا، من خلال الاستثمار المشترك في مفهوم الأمة، ندير أجسادنا بطرق معيّنة، ونلتزم بمجموعة معيّنة من القواعد، وبالتالي نخلق الحدود، المجتمعات، الثقافات والعادات. حب الوطن يخلق الوطن. فالأشياء التي من المتوقع أن نحبها في الوطن تحدد كيف سيكون الوطن. أو بعبارة أخرى، بدون استثمار عاطفي مشترك في المجتمع، لن يكون هناك مجتمع على الإطلاق.

ونتيجة لذلك عندما يتغير نموذج الحب، تتغير العلاقة بين الدولة وحدودها. لا يقتصر الأمر على أنه من المتوقع أن يحب كل فرد في المجتمع هذا المجتمع فحسب، بل من المتوقع أيضًا أن يشارك الجميع في الفهم الأساسي لما يعنيه الحب، وإذا لم تقم بذلك، فيمكنك العيش مع المتصيّدين.

في فيلم Frozen، يرسم الحب الحدود بين الأمة التي تحكمها إلسا وسكان الغابة المتخلفين المقيمين خارجها. يُفرّق الحب بين أولئك الذين يعرفونه، من أولئك الذين تركوا في البرد. وأنا مدين بشدة لمونس بيسنباكر الذي لولاه، لم يكن ممكناً كتابة هذا المقال.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى