كُتاب الترند العربي

كيف استفاقت الأفلام على موسيقى الجاز؟

توم ميلن

في فيلم Young Man with a Horn لعام 1949 أدى الممثل كيرك دوغلاس دور شخصية عازف بوق الجاز الذي خاض معركته ضد قيود الموسيقى التجارية على غرار قصة حياة الموسيقار بيكس بيدربيك. وكيف اضطر ارتجال مرثية لائقة لجنازة معلمه لموسيقى الجاز، الموسيقار الأسود ذو الطراز التقليدي القديم الذي توفى بسبب مرض السل.

كانت النتيجة مبتذلة بشكل لا يصدق. منذ أن تم الكشف عن السر بفخر في ذلك الوقت أنّ هاري جيمس قد قام بعزف المقطوعة المنفردة، كان على بوق جيمس الصاخب أن يحمل اللوم عن إضافة إهانة أخرى إلى العديد من الإهانات الموجهة لنيو أورلينز في الفيلم.

وماذا عن عازف الطبول خلف الشاشة الذي قدم قناعة درامية فريدة لمشهد يتم تذكره باعتزاز دون الحصول على الذكر المستحق في فيلم Phantom Lady لعام 1944؟ ففي الفيلم ذاته، تلعب الفنانة إيلا رينز دور امرأة فاجرة مرتدية زي فاضح على أمل أن تخدع شاهداً لجريمة قتل للفصح عمّا رآه بإعطائه إشارة واضحة، ويحدث هذا في مثل المسرح الذي يكون فيه إليشا كوك جونيور عازف الطبل في فرقة موسيقية من الواضح جداً أن جميع أعضائها ممثلين. في فترة ما بعد انتهاء العرض خلسة عبر الأضواء، يأخذها كوك إلى جلسة موسيقية في القبو للمزيد من التسلية الخاصة، وسرعان ما يتعمق كوك في روتين طبل محموم. ففي ذلك المشهد، تمثيله في التعامل مع العصي سطحي بشكل مثير للسخرية «على عكس تمثيل سال مينيو في فيلم The Gene Krupa Story لعام 1959». ولكن بغض النظر، فإن حكاية الترقب التي تصل إلى نقطة الذروة، كلها تكمن في الموسيقى التصويرية للفيلم.

فإن بحثت عن فيلم Phantom Lady في ملخص ديفيد ميكر الرائع لموسيقى الجاز في الأفلام، لن تعثر عن اسم عازف الطبول المجهول، ولكن فقط لأنه بعد سنوات من البحث العقيم، ظهرت الإجابة أخيرًا بعد فوات الأوان لإدراجها في المجموعة المسجلة. وهنا تأتي المعلومات ذات الصلة التي تم انتقاؤها من أحدث إصدار من مجلة Downbeat، عن طريق إضافة جديدة ستظهر في الطبعة القادمة من Jazz in the Movies. تم عزف الموسيقى من قِبل أعضاء فرقة Freddie Slack، وكان سلاك يعزف بنفسه على البيانو، وبارني بيجارد يعزف على المزمار، وكان بوب باين عازف الجيتار. أما عازف الطبول… فكان ديف كولمان.

ومن المثير للاهتمام، وحيثُ أنّ المشهد قد تم أخذه من دون أي تغيير من رواية كورنيل وولريش، وبعد أن احتفى المقال في مجلة «داونبيت» بالفيلم بوصفه معلمًا موسيقيًا لـ«هوليوود» من حيث إنه «يمثل المرة الأولى التي تستخدم فيها موسيقى الجاز بشكل معقول للتأكيد على العنصر النفسي» فإنّ المقال الوارد في مجلة «داونبيت» يشير إلى ملاحظة: «أنّه يعود الفضل في هذا الإنجاز إلى جوان هاريسون، المساعدة المخلصة السابقة لألفريد هيتشكوك، وتم إضافة تسلسل الحفل الموسيقي إلى القصة الأصلية بعد مؤتمر بين الآنسة هاريسون وكتّاب السيناريو».

قد لا يبدو أنّ هذا التسلسل الفردي في فيلم Phantom Lady يشكل علامة فارقة كبيرة، لكن عدم ثقة السينما المتحفظة في موسيقى الجاز «بلا شك لأنّ أعظم ممثليها كانوا في الغالب من السود» وصلت لدرجة أنّ هوليوود لم تستطع استيعاب موسيقيي الجاز لسنوات إلّا في المجال الترفيهي الغنائي، في حين أنّ موسيقى الجاز نفسها أصبحت مرادفة إلى حد ما للأعمال المنحطة في الغرف المظلمة. حتى دورة أفلام النوار «بمعنى الأفلام الدرامية عن الجرائم» في الأربعينات، والمصممة خصيصًا لموسيقى الجاز في عرضها لجنون العظمة، انخرطت فقط بشكل هامشي مثل فيلم Phantom Lady في التسلسل الذي يضع مناظر المدينة الليلية. ولكن ما هو مبهر فعلاً، كانت مقطوعة أليكس نورث الموسيقية لمسرحية A Streetcar Named Desire في عام 1951 أول مرافقة جادة موجهة نحو موسيقى الجاز لفيلم كانت. وخلال الخمسينات، بالطبع، فُتح الباب على نطاق أوسع من خلال ظهور مجموعة The New York School بأفلام مثل فيلم Shadows لعام 1959 وفيلم The Connection لعام 1961، حيث كان استخدام موسيقى الجاز في الأفلام يعتبر تغيرًا جذريًا في المجال.

بدأت محاولة ديفيد ميكر لتوثيق المجال جزئيًا بدافع الاهتمام الشخصي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم وجود مصدر يقدم معلومات موثوقة فيما يتعلق بالمشاهد المتاحة حتى لأسماء النجوم مثل بيسي سميث أو بيلي هوليداي، ولكن بشكل رئيسي لأنّ هوليوود نادرًا ما تعترف بأسماء فناني الموسيقى.

حتى الآن بعد أن تغير الوضع منذ أن أصر الفنان كوينسي جونز على حصول عازفي موسيقى الجاز الذين عزفوا مقطوعته لـThe Hot Rock تقدير بالاسم في الشاشة «وكان ذلك في الآونة الأخيرة منذ عام 1971»، فإنّ اللامبالاة لا تزال قائمة. انظر إلى قائمة أسماء لفيلم The Gauntlet لعام 1977 ولن تجد أي ذكر، سواء على الشاشة أو على غلاف ألبوم الموسيقى التصويرية الأصلي للمسؤولين عن نغمات مقطوعات جيري فيلدنج.

أي شخص حاول في أي وقت تجميع السيرة السينمائية، فقط ليشعر بالإحباط بسبب الثغرات التي خلفتها سنوات من الإهمال، سيقدّر المهمة الأكثر صعوبة التي واجهها ديفد ميكر في محاولته لتقديم دليل مرجعي لموسيقيين الجاز ومساهمتهم في مجال السينما. بصرف النظر عن مشكلة التقديرات غير الموجودة، يعمل ميكر لتضمين قائمة بموسيقيي الجاز الرئيسيين الذين ساهموا في فيلم The Gauntlet، والتي تم الحصول عليها من خلال المراسلات الخاصة مع الفنان الراحل جيري فيلدنج، إلاّ أنّ هناك خطر إضافي يتمثل في أنّ الأحلام كثيراً ما تمارس نوعًا من الوهم الواضح.

قد تعتقد لوهلة أنك ترى فرقة Count Basie عندما تظهر وهي تعزف بسرور أغنية April in Paris من منصة فرقة متوقفة في وسط الصحراء في فيلم Blazing Saddles لعام 1974، ولكن ذلك غير حقيقي، فأنت تستمع إلى موسيقيي الاستوديو الذين يعزفون على الموسيقى التصويرية المسجلة سابقًا، في حين أنّ الفرقة التي يفترض أنها تعزف على الشاشة هي مجموعة أخرى من الموسيقيين «الذين كانوا، بشكل كبير، يتقاضون رواتب أكثر كممثلين من أولئك الذين يعزفون الموسيقى بالفعل».

والأخطر من ذلك، إذا صُدمت بما يصفه ميكر «باللازمة الموسيقية المؤرقة في البلوز الحضري» «the haunting urban blues refrain» للساكسوفون في فيلم Taxi Driver لعام 1976، فربما تكون قد هرعت إلى ألبوم الموسيقى التصويرية الأصلي كمصدر للمعلومات حول هوية العازف المنفرد اللامع، المسمى هناك باسم توم سكوت. وهذه المعلومة صحيحة بالنسبة لألبوم الموسيقى التصويرية، ولكن ليس للموسيقى التصويرية للفيلم، حيث تُعد الجودة المؤرقة ملكية حصرية للاعب الساكس روني لانغ «الذي لم يكن متاحًا على ما يبدو عندما تم إعادة تسجيل الموسيقى التصويرية لألبوم الموسيقى التصويرية الأصلي».

وما كان بغيضًا ومحيرًا بنفس القدر، وإن كان أقل ضررًا من الناحية الموسيقية، هي الممارسة السابقة الشائعة في جميع استوديوهات هوليوود الكبرى حتى الخمسينات من فصل الموسيقيين السود والبيض على الشاشة. ونستدل بمثال واحد فقط، في أحد الأفلام القصيرة لويل كوان المصنوعة لشركة Universal على مدار 20 عامًا «سلسلة رائعة، يبلغ عدها حوالي 250، وبمشاركة العديد من الفرق العظيمة»، يمكن سماع تشارلي مينجوس وهو يعزف مع Red Norvo Trio ولكن يتم استبداله ببديل على الشاشة. وعلى العكس من ذلك، في مسلسل تابع لـAmos ‘n’ Andy عام 1930 بعنوان Check and Double Check، تم تعتيم لون بشرتي العازفين بارني بيجارد وخوان تيزول لمطابقة الأعضاء الآخرين في أوركسترا ديوك إلينغتون.

وعلى الرغم من التاريخ الطويل من الإهمال المزدرى الذي يعني أنه لا توجد الآن مشاهد معروفة لشخصيات رئيسية مثل جيلي رول مورتون أو سكوت جوبلين أو بيدربيك أو الملك أوليفر، ومما يُثير الشفقة أنه لا توجد مشاهد كثيرة حتى من الرائعة بيلي هوليداي، التي تفضلها هوليوود مع دور فيلم روائي طويل واحد فقط، فقد جمع Jazz in the Movies ما يقرب من 4000 عنوان، بما في ذلك الأفلام القصيرة والرسوم المتحركة والأفلام الأجنبية والبرامج التلفزيونية «إن وجدت على الأشرطة المسجلة». في أي مكان آخر، بعد أن وقعت في حب العبقرية الصوتية بيغ جو تورنر، كما اتضح في تكريم بروس ريكر الرائع للأوقات القديمة لموسيقى الجاز في مدينة كانساس، The Last of the Blue Devils لعام 1979، هل سأتعلم أنه يمكن أيضًا رؤية تيرنر، من بين الغير، في فيلم إدوارد إل كان الرديء لعام 1956 المسمى Shake, Rattle and Rock، وفي فيلم فرنسي لبريجيت باردو يسمىBoulevard du rhum لعام 1971 حيث لعب دورًا مميزًا كنادل وعازف بيانو ومغني؟ كانت شكواي الوحيدة، بالنظر إلى المعلومات الأساسية التي يعتمد عليها ديفيد ميكر وملائمة تعليقاته، هي أن هذه يمكن توسيع نطاقها بشكل مربح – إذا سمحت الفرصة والناشر.

غير أنّ موسيقى الجاز في الأفلام لها أهمية من نوع مختلف، من حيث إنها أصبحت محط اهتمام لجميع أنواع الأنشطة غير المنسقة حتى الآن. من الصعب معرفة ذلك، في المشكلة الدائمة مَن يأتي أولًا، الدجاجة أم البيضة، تبقى الحقيقة أنّ السنوات التي انقضت منذ أن بدأ ميكر بتجميع المعلومات لأول مرة للطبعة الأصلية من كتابه، وبالتالي إنشاء شبكة من الاتصالات بين الموسيقيين ومحبي الجاز، شهدت انتشارًا ملحوظًا للأفلام الملتزمة بجدية بموسيقى الجاز.

وفي عام 1960، ظهر الفيلم الموسيقي Jazz on a Summer’s Day وسط محيطٍ فارغ تقريبًا بدأ الآن يعج بسجلات طويلة من العروض الحية، وقد تم اتخاذ الخطوات الأولى نحو التاريخ الذي تم تسجيله شفويًا للأفلام، في المقابلات التي تنعم بميزة الموسيقى الحية أو المسجلة خارج الشاشة التي، بالإضافة لكونها مرافقة للذكريات، توفر قدرًا كبيرًا من المرونة أكثر من مقاطع الأفلام التي تقاطع بالضرورة المقابلات مع صانعي الأفلام من أجل «الترفيه».

لقد ساعد التلفزيون، بالطبع، في شهيته الشرهة للبرامج التي تثير الاهتمام من أي نوع. ولكن بعد ذلك كان هناك وجود TCB Release Ltd، وهي شركة توزيع بريطانية تأسست في عام 1972 على يد صانعي الأفلام جون جيريمي وأنجوس ترو بريدج، ولا تزال تُعد الموزع الوحيد للأفلام في أي مكان في العالم الذي يتعامل حصريًا في أفلام الجاز. تضمن اتصالات ميكر في عالم موسيقى الجاز، المتحالفة مع منصبه كباحث مطبوع في National Film Archive، وصول عمل جديد في هذا المجال إلى المسرح السينمائي الوطني «حيث جعل مهرجان لندن السينمائي من نفسه ركنًا متخصصًا في أفلام الجاز» وفي نفس الوقت في التوزيع مع TCB. إنها حلقة مفرغة استثنائية، وهي حلقة قطعت شوطًا طويلًا في إخراج موسيقى الجاز من الأحياء السوداء فيما يتعلق بالسينما.

حتى الآن، كما هو متوقع ربما نظرًا لأنها تميل إلى أن تكون نتاج التفاني أولًا مع المهارة التي تأتي في المرتبة الثانية، فإنّ الكثير من أفلام الجاز تهم المتخصص في المقام الأول «على وجه الحصر».

ويتجسد ذلك في فيلم Maxwell Street Blues الجذاب المبهج، والذي تم عرضه لأول مرة في LFF «مهرجان لندن السينمائي» العام الماضي. في مواجهة هذا الفيلم، قد يصاب محبي الأفلام بسحر مهلهل خلاب لآخر بقايا يهودية متداعية نجت من سوق ماكسويل ستريت المزدهر في شيكاغو. من المحتمل أن يندهش من كاري روبنسون، وهي عجوز مجعدة بلا أسنان تتلوى بشكل بشع على الرصيف، ولكنها تحولت بطريقة سحرية إلى مغنية إنجيلية لا مثيل لها بفضل حيوية أدائها. لكن من شبه المؤكد أنه يتم تجاهله بسبب تخبطه الطائش الذي يمر للاتجاه والذي يكتم جميع الأوراق الرابحة المقدمة للفيلم من قبل الفنانين المخضرمين.

ليس من الغريب، نظرًا لأن جون جيريمي قد أثبت بالفعل أنه مخرج بالفطرة يتمتع بغريزة مميزة للتفاعل الإيقاعي بين الصوت والصورة في فيلم Blues Like Showers of Rain لعام 1970، وفيلم Jazz is Our Religion لعام 1972، وغيرهما مثل فيلم Born to Swing لعام 1973. أن تنضم TCB «أي لغة موسيقى الجاز Taking Care of Business» إلى الساحة، بعد سنوات طويلة من الأوقات الصعبة، وتحول الدفة بما يكفي لتحويل المنتج وظهور To The Count of Basie في عام 1979.

الفيلم من إخراج كل من جيريمي وترو بريدج، وهو أقل استكشافًا من أعمال جيريمي السابقة، ويُعد تكريمًا لعيد ميلاد باسي الـ75، وهو مثالي وأنيق، مثل أفضل أفلام فوكس الموسيقية في مزيجها الانطباعي المحب للأفلام والموسيقى.

ومن الأمور المشجعة أنّ هذا التحدي قد تم تناوله خلال العام أو العامين الماضيين من قبل عدد من صانعي الأفلام الجدد، وأبرزهم بروس ريكر مع The Last of the Blue Devils، وغاري كيز مع ألبومه الموسيقي Memories of the Duke لعام 1980، بالإضافة إلى لورينزو ديستيفانو مع Talmage Farlow لعام 1981، جميعهم يظهرون على الشاشة بشكل مثير بنفس القدر سواء كفيلم أو موسيقى.

لا شك أنّ أفلام الجاز قد نضجت. لسوء الحظ، نظرًا لأن هذا قد حدث مع التركيز على موسيقى الجاز بدلًا من الأفلام، فقد ترك النقاد وحتى الجمهور عرضة للتحيز المتمثل في افتراض توجه متخصص، مما يعني أنه يمكنهم دفع هذه الأفلام مرة أخرى إلى حيز غير المرئية إلى الأحياء التي تم إخلاؤها مؤخرًا فقط، ليفقدوا بذلك الكثير من البهجة السينمائية.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى