فاطمة العدلانيكُتاب الترند العربي

معزولون في قرية صغيرة

فاطمة العدلاني

القدرة على التعبير رحمة من الرحمات المُهداه للإنسان فكما أن له مخرجًا للتنفس بفمه وأيضًا له مخرجًا للسمع بأذنه له أيضًا للتعبير باللسان لكن ليس الكل مرحوم بالفيض والتعبير والقدرة على الشرح ولأنه لا مفر فمن لا يستطيع البَوح يلجأ لتفريغ الكلمات في صور مختلفة منها مثلًا صور يدوية لمن يُجيد التعبير بالرسم ومن لا يستطيع الرسم رُبما يستطيع الكتابة، كلًا على قدرته في التعبير. وفي الأصل ففكرة التشارك نفسها للإنسان مألوف الاتفاق على ضروريتها وتواجدها لكن نتجه لتوسع الفكرة لمشاركة الحياة تفصيليًا للعامة، ومع انتشار وتوسع وسائل التواصل الاجتماعي أصبح للاجتماعيات شكلًا آخر، توسعت مشاركة الحديث والنقاشات الوجهيه مع أشخاص مقربين لحديث على العام مع أشخاص غير مقربين وربما لا يهمهم مطلقًا ما إن شكوت أن صفعك مجنونًا في الشارع وأن كُسِرَت نظارتك في الظهيرة وسيارتك تعطلت في المساء. صحيح أن التواصل أصبح أسرع والعالم أصبح قرية صغيرة لكن الإنسان مازال روح ودم ولأن ما هم على شاشة الإنترنت لا يهمهم مطلقًا اهتماماتك اليومية ومشاركتك ذلك لن يُجدي لك أي عائد من ما يُرجى منفعته من مشاركة الحديث من روح القّص واحتواء الموقف. أرى بعض المنشورات يتم التفاعل معها  بالضحك والحب والغضب في آن واحد ولا يُمكن أن يُنكر أن مقصد الناشر غير واضح ولا سيما أن ذلك لن يحدث إذا كانت المشاركة للحديث وجهًا لوجه. صحيح أصبح العالم قرية صغيرة ولا جدوى من إنكار ذلك لكن أصبحنا أيضًا معزولين في آن واحد! أتساءل إذا كانت مشاركة يومًا بيوم كوب القهوة ومقدار الكيلو مترات المقطوعة في الجري، صالة الألعاب الرياضية، مكاتب العمل في الصباح، صور فساتين المساء، زجاج السيارات أثناء القيادة، كل إنجازات اليوم كل  انتصارات وكل هزائم الأيام قيد النشر على الملأ، إذا أصبحنا يومًا على خبر انتهاء الإنترنت من العالم هل سيبوح نفس الأشخاص لمشاركة يومياتهم مع أشخاص مقربين وجهًا لوجه؟ أم هل سينقطعون عن ممارسة يومهم بنفس الشكل؟! أحيانًا يُخيل إلىّ كم استغرق التقاط الصور بهذة المثالية وكم اقتُطع وقت وضاع من رحلة ثمينة كادت أن تُنتظر أياما وشهور لأجل ساعتين ضاع منها نصف ساعة لالتقاط صور لكل لحظة يتم مشاركتها للعامة ولا يبالون كم كانت وكيف كانت ومتى كانت تلك الرحلة ويشاهدون هذا علي سبيل المسلسل التليفزيوني! ماذا لو شربت كوب القهوة دون مشاركة ذلك وقضيت وقت لطيف في أحد المنتزهات مع العائلة دون مشاركة ذلك وشاركت يومك فقط مع أشخاصك المقربين واستبدلت قصصك اليومية بزيارة أسبوعية لمن يهمك أمرهم! ماذا لو عاد العالم قرية كبيرة ولم يعد بهذا القرب البعيد؟! هل ستُصبح نفسياتنا أفضل ومفهومين بشكل أوضح ومقربين بشكل غير منعزل ومُحاطون بخصوصية أرحم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى