الفيلم السعودي.. والبحث عن نجم!
د. محمد البشير
يذكر الدكتور ياسر ثابت في كتابه ذاكرة القرن العشرين أن “ولادة النجم هي الحدَث الأكثر ضخامةً الذي عرفته صناعة السينما، حيث أنقذت بعض الشركات من الإفلاس؛ ففي العامين 1938 – 1939 تمكنت ديانا دوربين من إنقاذ شركة “يونيفرسال” من الإفلاس”.
ولأن السينما السعودية وشباك التذاكر السعودي حديث عهد، فلا بُدَّ لدورة مماثلة، وبحث دؤوب عن نجم قادر على إنقاذ الفيلم السعودي، وإقناع المُشاهِد بالدخول لعرض فيلم سعودي أمام تحدٍّ صعب عن المنافسة غير العادلة في شباك التذاكر ما بين الأفلام السعودية والعربية والعالمية، دون أي مزية تُذكر للفيلم المحلي في حلبة المنافسة، فلا محفزات على سعر التذكرة! ولا توقيت مناسبًا للعرض! ولا أدنى داعٍ أو مسوّغ لمن يُقبل على السينما أن يختار فيلمًا سعوديًّا أمام خيارات كثيرة لا قدرة لفيلم سعودي على منافستها!
المغامرة
أبدى السعوديون منذ افتتاح دور السينما حماسًا لخوض المغامرة، مع أن النتائج غير مضمونة على الإطلاق! واستطاع أبطال مسامير “سلتوح، وسعد غنام، والكلب، وغيرهم” أن يقنعوا الجمهور بالبوستر الذي يحمل صورهم ويتوسطه الكلب، وذلك استنادًا إلى قاعدتهم الجماهيرية في اليوتيوب، وسنوات من العمل الدؤوب.
كان الرهان وقت العرض دون الطموح، وأقل من قدرات مالك نجر والمأمول منه، لا سيما أنّه يمتلك أكثر من ذلك، ولكن حسبه أنه كان سبّاقًا، ومحفّزًا لمن بعده، وممهِّدًا الطريق للأخوين قدس بفيلم «شمس المعارف»، الذي استطاع جذب الجماهير وإقناع المُشاهِد السعودي بعدم خسارته في مشاهدة فيلم قريب من الشارع الذي يسير فيه، والمدرسة التي يرتادها، والتفاصيل الدقيقة التي لا يعرفها سواه، وظل الرهان مستمرًّا على أبطال قادمين من أوساط مختلفة: اليوتيوب، الدراما، الستانداب كوميدي، المسرح، وغيرها من وسائط ما عدا السينما الطارئة في المعادلة. ولأنَّ الشباك يحتاج إلى أبطال، فما زالت رحلة البحث مستمرةً عن نجم شباك قادر على جذب الجماهير بحضور صورته على البوستر.
المنافسة
التجارب السعودية -التي تجاوزت 33 فيلمًا وفقًا لأرقام هيئة الإعلام المرئي والمسموع منذ انطلاق صالات السينما وحتى نهاية أغسطس 2023م- تُمثِّل عددًا جيّدًا عند قياس قصر المدة وحداثة التجربة في الفيلم الطويل، والتعامل مع شباك التذاكر، وهذا ما يفسّر غياب كثير من أسماء الأفلام عند استذكارها، واستحضار ما تصدّر المنافسة.
“سطار” الفيلم الذي أنتجته شركة “أفلام الشميسي”، الذراع التي تفهم ذائقة الجمهور من تجارب “تلفاز 11” السابقة، فالفيلم جاء بمعايير وعوامل محفزة على المشاهدة، وبوجوه مألوفة لدى المشاهدين ببطولة “إبراهيم الحجاج” الذي لفت له الأنظار بعد دوره المميز وأدائه الرائع في مسلسل “رشاش” بشخصية “قحص”، وبإحرازه جائزة الممثل المفضل في حفل Joy Awards عن فئة المسلسلات في النسخة الثالثة للجائزة عام 2023، وإسناد البطولة له بشخصية “سطار”، وبمساندة “عبدالعزيز الشهري” الوجه والصوت المألوف في شخصية “علي هوغن”، وإبراهيم الخير الله في الشخصية التي لعبها وأتقنها بتجسيد الباكستاني الساطي “عبد الخالق”؛ فكسب بهذه الوجوه، وبالقصة واللعب على ذاكرة المشاهد السعودي، وحبه للمصارعة، وبمعادلة يسيرة لاقتناص الضحكة من المشاهدين.
الجميل أن فيلم “الهامور ح.ع” دخل السباق في التوقيت نفسه، وبقصة واقعية لحادثة ربما لم تفارق ذاكرة من شهدها، واستثمار توظيفها، وببوستر يتوسطه “فهد القحطاني” الوجه الذي لا يعرفه الجمهور، ومحاط بثلة من الفنانين مثل خالد يسلم، وإسماعيل الحسن، وخيرية أبو لبن، وفاطمة البنوي، وغيرهم، وبتقليدية تعود سنين بعيدة في تصميم البوستر. والجميل أن انطلاقة الفيلمين كانت مبشرة في حصد عدد التذاكر، ووصول “سطار” لرقم لم يعهده فيلم سعودي من قبل، وذلك بالاقتراب من مليون تذكرة دون أن يصلها.
الوجه السينمائي
لا شك أن نجوم السينما في العالم من أهم وسائل تسويق الأفلام؛ فحسبُ طيفٍ من المشاهدين رؤية وجوه أبطالهم على بوستر الفيلم؛ ليدخلوه دون تردد. فعلى سبيل المثال سينما بوليوود، التي تحصد أكثر من 8 مليارات دولار إيرادات، وتصل مبيعات التذاكر إلى نحو 3 مليارات دولار، وفقًا لأرقام 2015، والتي تحقق تصاعدًا مستمرًا، وتُنافِس في مساحات جديدة متجاوزة المحلية لصناعة جمهور جديد، ووفقًا لما ذكره حسن حداد في كتابه “تعال إلى حيث النكهة: رؤى نقدية في السينما”؛ يكتفي صُنّاع أفلامها بصور الأبطال دون ذكر أسمائهم، فهُم من الشهرة بمكان، ولا حاجة إلى التعريف بالمعروف. والسعي للوصول في الأفلام السعودية إلى مرحلة مثل تلك ليست بالمستحيلة، وليست باليسيرة أيضًا، فأبطال الدراما لم يستطيعوا أن يعودوا بوهجهم لجيل لا يُجامل ولا يُحابي، فزمن المشاهدة القسرية بالتلفاز ولّت دون رجعة، وأصبحت المشاهدة مدفوعة، وباختيار المُشاهِد، وخاصة في النموذج الذي نناقشه في السينما بالتذاكر المدفوعة، واختبار الشباك الذي لا يُجامِل، ولا أقرب من تجربة الفنان الكوميدي المعروف محمد العيسى في فيلم «عيّاض في الرياض» الذي لم يصمد في صالات السينما، ولم يُحقق حضورًا حتى بعد وصوله إلى منصات البث، بخلاف الأبطال الشباب ممن ينتظرهم مستقبل واعد، ويُراهن على نجاحاتهم، والإخلاص لأعمالهم، ورسم صورهم لدى المتلقين، والإيمان بقدرتهم على خوض المنافسة مع بقية الأفلام رأسًا برأس.
بقية الأمل
لا يأس لدى السعوديين في مواصلة سيرهم في صناعة الأفلام، فمن غامر في البداية؛ لن يتراجع بعد ما تحقق من نجاحات، والأمل في إقناع بقية المشاهدين، وهذا ما تحقق بعد خروج فيلم “سطّار” من السينما إلى “نتفلكس”، وتربعه ضمن قائمة الأعلى مشاهدة، وما حققه أيضًا فيلم “راس براس” ببطولة عبدالعزيز الشهري، وعادل رضوان، ومحمد القس، وزياد العمري، وآيدا القصي، وغيرهم من الممثلين في الفيلم الذي كان من الممكن أن يُراهن عليه في صالات السينما، ولكن مالك نجر، وعبد العزيز المزيني اختارا المنافسة على جمهور لا يقل قيمة عن جمهور السينما، وهو جمهور “نتفلكس” الذي يُقدَّم أمامه كثيرٌ، ومن الصعب أن يقبل بأي عمل، لولا جودة ما قُدِّم في الفيلم، وهذا الوسيط أي منصات البث؛ هو من أهم الوسائل لتسويق الوجه السينمائي، وحضور صورة البطل مستقبلًا على البوستر، وإقناع المشاهد بدخول الفيلم في المستقبل.
الوصول
نمو دور السينما في ازدياد، والإقبال على السينما أصبح أسلوب حياة، وتنامي الأرقام عامًا بعد عام أمرٌ متوقّع في ظل السعي لجودة حياة يستحقها المواطن السعودي، والأمل في وجوه سينمائية لا مفر منه في ظل ازدياد المقبلين على التمثيل، واقتناص الفرص، والسعي للتجويد والتخصص بجني الأفلام لأرباح تستطيع بها تدوير وتمويل نفسها، وصناعة المزيد، وتجاوز الفيلم محيط المحلية إلى الخارج أمرٌ واردٌ بعزيمة صُنّاع الأفلام، وإصرارهم، وسعيهم المستمر. فمن كان يظن أن يحصد ممثل سعودي جائزة في مهرجان القاهرة السينمائي؟! أما وقد فعلها فيصل الدوخي بدوره في فيلم «حد الطار»، فلا نستبعد مزيدًا من الحضور للأفلام والوجوه السينمائية محليًّا وعربيًّا، وعالميًّا.. لِمَ لا؟
الرهان على الجيل الجديد دون تقليل من أهمية الجيل السابق الذي لا غنى عنه. ولكن في مجتمع أغلبه شباب، فمن الطبيعي أن يراهن الشباب على من جايلهم، وليست هذه من البدع في السينما، فالحادثة التي ابتدأنا بها المقال للممثلة ديانا دوربين بين عامي 1938 – 1939 لم يتجاوز عمرها 17 سنة، وهي التي ابتدأت رحلتها قبل ذلك العقد بعامين في فيلم “كل يوم أحد” عام 1936م، فالأمل في الشباب، وفيما يبذلونه من جهد في رسم صورتهم، فبقدر ما يبذله الممثل من جهد مقنع للجمهور، واختيار جيد لأعماله؛ يضمن تذكرة يقطعها من اقتنع لدخول فيلمه المقبل.
المصدر: سوليوود