كُتاب الترند العربي

فيلم Napoleon وكارمين كوبولا

روجر إيبرت

غاصت يد كارمين كوبولا في جيب معطفه لتخرج بمغلف ويسترن يونيون أصفر اللون.

قال كارمين:”وصلني هذا المغلف صباحًا». وأكمل: «إنه برقية من غلوريا سوانسون”.

لم يكن كوبولا يتحدث بصوت عالٍ، ورغم ذلك، التفت رؤوس الجالسين على الطاولات الأخرى يتناولون فطورهم في مطعم فندق شيري هولندا في نيويورك تجاهنا. عدل كوبولا نظارته وفرد سلسلة النظارة على طول ذراعه، ثم تنحنح ليستطيع التحدث بوضوح. كان الصمت حينها يعم أرجاء الغرفة.

بدأ كارمين بقراءة البرقية وقال: “مفتون!”. واستطرد: “إلخ، إلخ، توقيع، غلوريا سوانسون”. أعاد بعدها البرقية إلى جيبه.

أوضح كارمين بنبرة أكثر هدوءًا: “أعتقد أن غلوريا سوانسون قد لعبت دورًا رئيسًا في أحد الأفلام الصامتة وتود أن تراه يُعرض. لكني لا أعرف إذا كان فيلمها يتمتع بالمستوى الفني اللازم”.

كان فيلمها يسمى Napoleon، وهو فيلم صامت أُنتج عام 1927، وأصبحت تذاكر عرضه فجأة الأكثر مبيعًا في نيويورك وحقق الفيلم إيرادات عالية، مما جعل من الرجل الأصلع قوي البنية الذي كان جالساً يتناول فطوره نجمًا.

قال كارمين للنادل: «أحضر لي البيض، أريده عجة، ويحتوي على شرائح الفطر، ولا تنسى إحضار الصلصة الحارة».

أصبحت قصة Napoleon وكارمين كوبولا واحدة من أفضل قصص الأفلام منذ سنوات. كان وقت الفيلم الاصلي يتجاوز الأربع ساعات، ولكن لم يُعرض أبدًا في نسخته الأصلية بعد عرضه الأول عام 1927. أشرف مخرج الفيلم أبيل جانس على إعادة هيكلة الفيلم، وإصدار نسخًا أقصر منه، لكن أسطورة الفيلم الضخم الأصلي لم تمت أبدًا.

حصل المؤرخ السينمائي كيفن براونلو على جميع لقطات Napoleon التي تمكن من العثور عليها في أرشيف الأفلام في أوروبا، وعرض للمشاهد بعض اللقطات النادرة التي كان يُعتقد أنها فقدت تمامًا. ثم أعاد كتابة أحداث Napoleon ليصبح نسخة طبق الأصل تقريباً من نابليون نفسه، واختتم الفيلم باللوحة الثلاثية الشهيرة الملونة يدويًا – وهو تأثير سينيراما المتوقع.

لاقت هذه النسخة استحسانًا كبيرًا في العديد من المهرجانات السينمائية الصغيرة، ثم أُلهم المخرج السينمائي فرانسيس فورد كوبولا بفكرة تقديمها بشكل ملائم، مع مقطوعة أوركسترالية كاملة. كلف كارمين والده البالغ من العمر 71 عامًا بتأليف المقطوعة الموسيقية، وفي يناير، قدم كوبولا ووالده موسيقى Napoleon في قاعة راديو سيتي للموسيقى ووجه كارمين الأوركسترا السيمفونية الأميركية.

قال كارمين متذكرًا: “كنا نأمل أن نعزف المقطوعة في عطلة نهاية أسبوع واحدة وربما نتمكن حينها من تعويض تكاليف طباعة المقطوعات الموسيقية». وأكمل: «كان علينا تمديد العرض الموسيقي لثلاث عطلات نهاية الأسبوع. لقد بيعت كل تذاكر العروض، فأنت تتحدث عن تذكرة قيمتها 25 دولارًا”.

عرضت أحداث القصة نفسها بشكل كبير في شيكاغو، حيث افتُتح العرض الأول لـ Napoleon يوم الخميس في مسرح شيكاغو القديم الكبير، وهو قاعة سينمائية تاريخية قد تم افتتاحها قبل ست سنوات من تاريخ عرض Napoleon. قاد كارمين كوبولا أوركسترا مكونة من 60 آلة موسيقية وأرغن مايتي ورليتزر الأصلي الذي تم إعادته للمسرح.

كان من المقرر عرض Napoleon أربع مرات فقط، من الخميس إلى الأحد، لكن زيادة الطلب على التذاكر، أحتم علينا تمديد العرض حتى عطلة نهاية الأسبوع التالي، من 30 أبريل إلى 3 مايو. «كانت قيمة تذاكر شيكاغو من 10 إلى 20 دولاراً، ويمكن شراؤها من شركة تيكترون أو بالاتصال على الرقم 977-1700».

ذهبت إلى نيويورك في فبراير لرؤية كوبولا وNapoleon، وكانت واحدة من أعظم التجارب السينمائية في حياتي. على الشاشة، ظهرت نسخة المخرج غانس الأصلية لعام 1927 بجودة عالية على الشاشة. حيث كانت الطبعة السينمائية والحركة مدهشتين. لم يظهر سوى القليل من العناوين الموجهة، وسُردت الأحداث المرئية بسلاسة ووضوح، واحتفظ النجم الفرنسي الأسطوري ألبرت ديودون بالمشاهد باعتباره نابليوناً مهووساً بفرنسا والثورة وبنفسه.

في الأوركسترا، وجه كارمين كوبولا المقطوعة الموسيقية التي ألفها بأسلوب رومانسي لعشرات الأفلام الصامتة العظيمة في عشرينيات القرن العشرين. وأعطت خدعة الإضاءة أدائه تأثيرًا دراميًا. عكست الأضواء ظل القائد على سقف آرت ديكو الكبير المقبب في قاعة الموسيقى، بحيث يمكنك عند النظر إلى الأعلى، رؤية صورة ظل عملاقة لذراعيه وهي تصارع الزمن وترفرف معطفه. كان هذا إحدى ذكريات الفيلم التي لن تُمحى بسهولة.

سألت كارمين كوبولا أثناء تناول الإفطار: “ولكن كيف؟ كيف يمكن لشخص في عمرك أن يكون لديه الطاقة اللازمة لأداء أكثر من أربع ساعات، مع استراحة واحدة؟”.

أجابني قائلاً: “لقد فعلت ذلك مرتين في اليوم الذي أجرينا فيه مقابلات تلفزيونية، مرة ما بعد الظهر ومرة في المساء». رش كارمين فلفل تاباسكو على بيضه واستطرد: «أظن أن ذلك بسبب انتمائي لأصل إيطالي. فنحن شعب قوي، كما تعلم. لقد قضينا عمرنا في بساتين الزيتون طوال الوقت، نقطف الزيتون”.

ولكن كان هناك ما هو أكثر من ذلك. كان كارمين كوبولا ناجحًا، كموسيقي محترف، طوال فترة رشده. أشعر وكأنه أعد طوال حياته لإنتاج مقطوعة موسيقية بقيمة Napoleon.

بدا منغمسًا في ذكرياته وهو يقول: “عندما كنت طفلاً صغيًرا، كانت جميع الأفلام صامتة، وعندما أصبح عمري حوالي 11 عامًا، أعطتني والدتي دولارًا في عيد ميلادي وذهبت إلى مسرح كبير في نيويورك – لا أذكر أكان مسرح ريالتو أم ريفولي، لكن كان مسرح روكسي قيد الإنشاء في ذلك الوقت. حضرت حينها فيلم «لص بغداد»، بطولة دوغلاس فيربانكس، الذي أصر دائمًا بأن مقطوعات أفلامه الموسيقية أصلية. أتذكر ذلك اليوم جيدًا كما لو كان بالأمس، حتى أنني أذكر صوت الناي الإفرنجي والمزمار”.

أكمل كارمين حديثه: “مارست عزف الناي في المنزل، واستمعت إلى جميع تسجيلات والدي لكاروسو. ذهبت إلى اختبارات فرقة فتيان بي إف كيث، في منطقتنا. سألني المخرج، “كوبولا، هل يمكنك عزف مقدمة ويليام تيل بالناي؟” استطعت عزف المقطوعة، فقد كان لدينا تسجيلاتها في المنزل. أخبرني المخرج أنهم سيعطونني ناياً ويرسلونني إلى أحد المدربين، وأنه يمكنني العزف مع فرقتهم”.

استرسل «كارمين» في حديثه: «كما تعلم، لا أعتقد أن والدي اضطر إلى إنفاق 100 دولارًا ليدفع تكاليف دروسي الموسيقية. لقد حصلت دائمًا على منح دراسية. درست في مدرسة ستايفسانت الثانوية، ثم في جويليارد، حيث كنت أحد هؤلاء الأطفال البارعين الذين تخرجوا في ثلاث سنوات. بدأت مهنتي، بعزف الفلوت في قاعة راديو سيتي للموسيقى، حيث كنت أُؤدي من أربع إلى خمس عروض في اليوم، وكانت هذه هي وظيفتي الأولى».

أكمل: «لقد تزوجت. كانت زوجتي تدعى إيطاليا بينينو. وكانت ابنة ملحن وناشر موسيقى شعبية نابولي شهير. لم ينجب سوى الفتيان، وقال إنه إذا أنجب فتاة فسوف يسميها على اسم بلدته. ذهبت أنا وإيطاليا إلى ديترويت، حيث وجهت أوركسترا مقطوعة برنامج Ford Hour على الراديو لمدة أربع أو خمس سنوات. أنجبنا ابننا الثاني، فرانسيس فورد كوبولا، هناك، في مستشفى فورد، حيث أعطى اسمه الأوسط نسبةً للمستشفى. ثم عدنا بعدها إلى نيويورك، وتقدمت لاختبار المايسترو توسكانيني، وحصلت على وظيفة في فرقته الموسيقية. ولدت ابنتي تاليا شاير في ذلك الوقت. تعلمت توجيه الاوركسترا، بمجرد مشاهدتي لتوسكانيني».

استطرد كارمين: «أخبرته أنني أريد أن قيادة الأوركسترا، لكنه نعتني بالأحمق. قمت بالقيادة على أية حال، في أكاديمية بروكلين للموسيقى، ثم لديفيد ميريك، قمت بقيادة أوركسترا الحفرة في عروض برودواي. وجئت إلى شيكاغو لقيادة الأوركسترا في العديد من العروض، بما في ذلك Kismet وStop the World وHalf a Sixpence. مكثت في فندق كرويدن وسرت عبر الجسر وتحت سرادق مسرح شيكاغو، الذي عرضنا فيه Napoleon.

اتخذت مسيرة كارمين كوبولا الموسيقية منعطفًا جديدًا عندما أصبح ابنه فرانسيس مخرجًا سينمائيًا مشهورًا وعين والده لقيادة أوركسترا فيلم Finian’s Rainbow الذي عُرض عام 1967. وبعد مرور سبع سنوات، وتحديدًا في عام 1974، فازت المقطوعة التي أداها كارمين كوبولا ونينو روتا في الجزء الثاني من فيلم The Godfather بجائزة الأوسكار.

قال كوبولا بفخر: «لقد جعل مني ذلك شخصًا يُحسب له ألف حساب». وحاليًا أقوم بالكثير من الأعمال، مثل Apocalypse Now وThe Black Stallion. وكان قيادة الأوركسترا لـ Napoleon أحد أصعب الأعمال التي قمت بها على الإطلاق. عندما تقود الأوبرا، فإنك تتحكم في المسرح. لكن الأفلام تتحكم فيك. يجب أن يكون هناك 50 أو 60 إشارة بصرية في هذا الفيلم، حيث يجب على المؤلف أن يصيبها بدقة – مثل رنين أجراس المدرسة. يًشكل الفيلم تحديات كبيرة لطاقم العمل. يحصل الجميع من حين لآخر على قسط من الراحة بينما يتولى عازف الأرغن العزف في تلك الفترة. وبالطبع، سنتنافس للحصول على جائزة الأوسكار لهذا الفيلم بكل تأكيد».

بعد تقديم ثمانية عروض لفيلم Napoleon في شيكاغو، سيزور Napoleon وكوبولا العديد من المدن الأمريكية الكبيرة الأخرى. قال كوبولا: «وبعد ذلك»، وارتفع صوته قليلاً مرة أخرى دون إدراك وكأنه يعتلي المسرح في مطعم الفندق وقال: «ثم سنذهب إلى أوروبا. ميونيخ تريدنا، ولندن كذلك، وستشعر باريس بالغيرة بالتأكيد لأننا أحيينا Napoleon بدلاً منها. بعد ظهر اليوم، لديّ مقابلة هاتقية على الهواء مباشرة باللغة الإيطالية مع شبكة الإذاعة الحكومية الإيطالية».

بدا صوته مليئًا بالحماس وهو يقول: «سأخبرهم أننا نخطط لجلب Napoleon إلى إيطاليا، إلى روما، إلى البندقية، حيث أود تقديم العرض الموسيقي في الهواء الطلق في ساحة سان ماركو. في ميلانو، في لا سكالا، في فيرونا، في مدرج فيرونا. سنجول إيطاليا بهذا الفيلم، ونبدأ من حيث توقف نابليون».

قلت له: «عندما تذهب لباريس، ستجد بين جمهورك مخرج Napoleon أبيل جانس، بلا شك، فهو لا يزال على قيد الحياة، يبلغ عمره 92 عامًا».

قال كوبولا: «لقد التقيت به بالفعل. أخبرني أنه لطالما أراد الشعور بمتعة رؤية Napoleon وهو يظهر للعالم بالطريقة الصحيحة قبل وفاته. وهو الآن يشعر بهذه المتعة».

قلت: “يمكنه الآن أن يرقد بسلام” لا على الإطلاق! بالتأكيد لا! إنه يرغب حالياً بصناعة فيلم مدته تسع ساعات عن كريستوفر كولومبوس، بمشاركة مارلون براندو”. سألته مستغربًا: “في عمر الـ 92؟”. أجابني: “بالتأكيد”.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى