“تلفزيون الماضي”.. الرابح غالبًا
دينا رجب
جدل واسع وتشوق جماهيري يصاحب دومًا الإعلان عن إعادة تقديم نسخ جديدة من الأعمال الفنية القديمة. وبرغم بلوغ الأعمال الجديدة قمم التطور الإبداعي، واعتمادها الأساليب الحديثة في كافة مراحل إعدادها؛ فإن تلك الأعمال القديمة تظل تُداعب الذكريات الدافئة المرتبطة لدى المشاهد بالزمن الجميل، وتجعله متحمسًا لرؤيتها من جديد. وربما تربح كفة «تلفزيون الماضي» في الغالب لأنه لطالما مثل بوابة الزمان وخلق حلقة الوصل بين الأجيال من خلال هذه الأعمال التي تعلق بها الجمهور وتعايش مع أبطالها، أضف إلى ذلك أن جيل الآباء ينظر لتوقيت إنتاجها بوصفه العصر الذهبي للفن؛ نظرًا لدوره المؤثر في تلك الفترة ونجاحه في تشكيل الذوق العام وصياغة الأخلاق بما قدمه من مضمون جيد وتجارب شاركت الأفراد في أفكارهم ومشاعرهم، ولم ينحصر دوره على تقديم حالة جمالية يغلب عليها البهجة والترفيه فقط.
دفع هذا الارتباط الوثيق بين الجمهور والماضي مؤسسات رعاية الفن لتأسيس شركات متخصصة في إعادة ترميم وإنتاج الأفلام القديمة وتحويلها إلى نسخ أصلية رقمية، والتي لاقت نجاحًا واستحسانًا جماهيريًا حين عُرضت مرة ثانية، وكان من بينها الفيلم العالمي “تيتانيك”، الذي تم عرضه بتقنية 4G بعد 25 سنة على إنتاجه، لتنجح التجربة ويتربع على عرش شباك التذاكر من جديد، بل إنه زاحم أفلامًا حديثة في دور العرض. وقياسيًا عليه، اتجه الكثير من المنتجين وصناع الدراما لإعادة إحياء دراما الماضي من خلال إنتاج أجزاء جديدة من المسلسلات صاحبة القاعدة الجماهيرية الكبيرة، من خلال حبكة موفقة ربطت الماضي بالحاضر، وكان من بينها مسلسل الكوميدي السعودي “طاش العودة”، الذي يعد نسخة محدثة من مسلسل «طاش ما طاش» العائد إنتاجه لعام 1992، وتصدرت النسخة الجديدة من العمل قائمة المشاهدات العربية.
مع ذلك، وحتى نكون منصفين، لم تنجح التجربة عينها في بعض الأوقات كما كان متوقعًا لها، وكان من أهم أسباب عدم توفيقها هو التلاعب في أصول الشخصيات الرئيسية التي أحبها وارتبط بها الجمهور، والتي أخفق القائمون عليها في تقديمها بنفس القيمة وتوفير خطوط عريضة تربط بين الجزء الجديد وأصل العمل؛ وليس السبب الرئيس هو فشل فكرة تقديم العمل بنسخته الجديدة برمتها، والدليل على ذلك حالة الجدل الإيجابية التي يغلب عليها ترحيب المشاهدين وسعادتهم التي تنشأ بمجرد الإعلان عن إعادة تقديم أعمال مر عليها أعوام.
جملة الحديث تتلخص بإيجاز في قول أخير هو: “أن كل المعطيات التي تفسر نجاح تجربة إحياء فن الماضي، وتأثيره في الجمهور ترتبط نتائجه بتفكير صناعه تجاريًا وفنيًا، وليس تجاريًا فقط”.